الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأشهر وأقطع من أن يحتاج فيها إلى ذكر ما ذكرناه، وما نذكره، وإنما نورد ما أوردناه ليقف عليه من لم يتتبع أحواله صلى الله عليه وسلم، ولا طالع سيره، وليعلم أن امره صلى الله عليه وسلم لم يفجأ الناس، بل جاءهم على بيّنة واستبصار، وآثار وأخبار، ومعجزات ظهرت، نذكرها بعد إن شاء الله تعالى.
فمن بشائر الكهّان رؤيا ربيعة بن نصر وتأويل سطيح وشقّ لها
.
قال محمد بن إسحاق بن يسار المطّلبىّ «1» : كان ربيعة بن نصر ملك اليمن بين أضعاف ملوك التّتابعة، فرأى رؤيا هالته [وفظع بها «2» ] ، فلم يدع كاهنا ولا ساحرا ولا [عائفا ولا «3» ] منجّما من أهل مملكته إلا جمعه إليه، فقال لهم: إنى قد رأيت رؤيا هالتنى وفظعت بها، فأخبرونى بها وبتأويلها، قالوا له: اقصصها علينا نخبرك بتأويلها، قال: إنى إن أخبرتكم بها لم أطمئنّ إلى خبركم عن تأويلها، فإنه لا يعرف تأويلها إلا من عرفها قبل أن أخبره بها، فقال له رجل منهم: فإن كان الملك يريد هذا فليبعث إلى سطيح وشقّ، فإنه ليس أحد أعلم منهما «4» ، فإنهما يخبرانه بما سأل عنه.
قال ابن هشام: واسم سطيح «5» : ربيع بن ربيعة بن مسعود بن مازن بن ذئب ابن عدىّ بن مازن بن غسّان «6» . وشقّ بن صعب بن يشكر بن رهم بن أفرك بن قيس ابن عبقر بن أنمار بن نزار.
قال ابن إسحاق:
فبعث إليهما، فقدم عليه سطيح قبل شقّ، فقال له: إنى رأيت رؤيا هالتنى وفظعت بها فأخبرنى بها، فإنك إن قضيتها أصبت «1» تأويلها، قال: أفعل؛ رأيت حممة «2» ، خرجت من ظلمة، فوقعت بأرض تهمة «3» ، فأكلت منها كلّ ذات جمجمة «4» ؛ فقال له الملك: ما أخطأت منها شيئا يا سطيح، فما عندك فى تأويلها؟
قال: أحلف بما بين الحرّتين «5» من حنش، لتهبطنّ أرضكم الحبش، فليملكنّ ما بين أبين «6» إلى جرش»
، فقال الملك: وأبيك يا سطيح إن هذا لنا لغائظ موجع، فمتى هو كائن، أفى زمانى أم بعده؟ قال: لا. بل بعده بحين، أكثر من ستّين أو سبعين، يمضين من السنين، قال: أفيدوم ذلك من ملكهم أم ينقطع؟ قال: لا. بل ينقطع لبضع وسبعين «8» من السنين، ثم يقتلون ويخرجون منها هاربين، قال: ومن يلى ذلك من قتلهم وإخراجهم؟ قال: يليه إرم «9» ذى يزن، يخرج عليهم من عدن، فلا يترك منهم أحدا باليمن، قال: أفيدوم ذلك من سلطانه أم ينقطع؟ قال: بل ينقطع، قال: ومن يقطعه؟ قال: نبىّ زكىّ، يأتيه الوحى من قبل العلىّ، قال: وممن هذا النبىّ؟ قال: رجل من ولد غالب بن فهر بن مالك بن النّضر، يكون الملك فى قومه إلى آخر الدّهر، قال: وهل للدهر من آخر؟ قال: نعم، يوم يجمع فيه الأوّلون
والآخرون، يسعد فيه المحسنون، ويشقى فيه المسيئون، قال: أحقّ ما تخبرنى؟
قال: نعم، والشّفق والغسق، والفلق إذا اتّسق؛ إن ما أنبأتك به لحقّ.
ثم قدم عليه شقّ فقال له كقوله لسطيح، وكتمه ما قال سطيح، لينظر أيتّفقان أم يختلفان؟ فقال «1» : نعم، رأيت حممة «2» ، خرجت من ظلمة، فوقعت بين روضة وأكمة، فأكلت منها كل ذات نسمة.
فلما قال ذلك عرف أنهما قد اتّففا، وأن قولهما واحد، فقال له الملك:
ما أخطأت ياشقّ منها شيئا، فما عندك فى تأويلها؟ فقال: أحلف بما بين الحرّتين من إنسان، لينزلنّ أرضكم السودان، فليغلبنّ على كلّ طفلة «3» البنان، وليملكنّ ما بين أبين إلى نجران، فقال له الملك: وأبيك ياشقّ، إن هذا لنا لغائظ موجع، فمتى هو كائن أفى زمانى أم بعده؟ قال: لا. بل بعده بزمان، ثم يستنقذكم منهم عظيم ذوشان، ويذيقهم أشدّ الهوان، قال: ومن هذا العظيم الشان؟ قال: غلام ليس بدنىّ «4» ولا مدنّ «5» يخرج عليهم من بيت ذى يزن، قال: أفيدوم سلطانه أم ينقطع؟
قال: بل ينقطع برسول مرسل، يأتى بالحق والعدل بين أهل الدين والفضل، يكون الملك فى قومه إلى يوم الفصل، قال: وما يوم الفصل؟ قال: يوم تجزى فيه الولاة، يدعى فيه من السماء بدعوات، يسمع فيها الأحياء والأموات، ويجمع فيها الناس للميقات، يكون فيه لمن اتّقى الفوز والخيرات، قال: أحقّ ما تقول؟
قال: إى وربّ السماء والأرض، وما بينهما من رفع وخفض، إنّ ما أنبأتك به لحق ما فيه أمض «6» ، قال: فوقع فى نفس ربيعة بن نصر ما قالا، فجهّز بنيه وأهل بيته