الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما إسلام علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه
- فقد اختلف فى سنّه حال إسلامه؛ فقيل: أسلم وهو ابن عشر سنين «1» ، وقيل: تسع سنين، وقيل اثنتى عشرة سنة، وقيل أكثر من ذلك إلى عشرين سنة، وهو بعيد، لأنه آمن فى ابتداء الأمر وظهور النبوّة. والله أعلم.
وكان من حديث إسلامه ما رواه محمد بن إسحاق «2» عن عبد الله بن أبى نجيح عن مجاهد بن جبر بن أبى الحجّاج، قال: كان من نعمة الله على علىّ بن أبى طالب ومما صنع الله له وأراده به من الخير أن قريشا أصابتهم أزمة شديدة، وكان أبو طالب ذا عيال كثير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمّه العباس، وكان من أيسر بنى هاشم: يا عبّاس، إن أخاك أبا طالب كثير العيال، وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة، فانطلق بنا إليه فلنخفّف [عنه «3» ] من عياله؛ آخذ من بنيه رجلا، وتأخذ أنت «4» رجلا فنكفلهما «5» عنه، فقال العباس: نعم، فانطلقا حتى لقيا «6» أبا طالب، فقالا [له] : إنا نريد «7» أن نخفّف عنك من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه، فقال لهما [أبو طالب «8» ] : إذا تركتما لى عقيلا فاصنعا ما شئتما؛ ويقال قال: عقيلا وطالبا؛ فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّا فضمه إليه، وأخذ العبّاس
جعفرا [فضمّه إليه «1» ] ، فلم يزل علىّ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بعثه الله نبيا فاتّبعه علىّ وآمن به وصدّقه، ولم يزل جعفر عند العباس حتى أسلم «2» .
قال ابن إسحاق:
وذكر بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حضرت الصلاة خرج إلى شعاب مكّة وخرج معه علىّ بن أبى طالب مستخفيا من عمه أبى طالب ومن جميع أعمامه وسائر قومه فيصلّيان الصلوات فيها «3» ، فإذا أمسيا رجعا؛ فمكثا كذلك ما شاء الله أن يمكثا، ثم إن أبا طالب عثر عليهما يوما وهما يصلّيان، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يابن أخى، ما هذا الدين الذى أراك تدين به؟ قال: أى عمّ، هذا دين الله ودين ملائكته ودين رسله ودين أبينا إبراهيم «4» ، بعثنى الله به رسولا إلى العباد، وأنت أى عمّ أحقّ من بذلت له النصيحة، ودعوته إلى الهدى، وأحقّ من أجابنى إليه، وأعاننى عليه، أو كما قال. فقال أبو طالب: أى ابن أخى، إنى والله «5» لا أستطيع أن أفارق دين آبائى وما كانوا عليه، ولكن والله لا يخلص إليك شىء تكرهه ما بقيت.
وذكروا أنه قال لابنه علىّ: أى بنىّ ما هذا الدين الذى أنت عليه؟ فقال:
يا أبت، آمنت برسول الله صلى الله عليه وسلم وصدّقته بما جاء به، وصليت معه لله واتّبعته. فزعموا أنه قال له: أما إنه لم يدعك إلا إلى خير فالزمه.
وأما إسلام زيد بن حارثة «1» رضى الله عنه
- فقال «2» محمد بن إسحاق:
ثم أسلم زيد بن حارثة بن شرحبيل بن كعب بن عبد العزّى بن امرئ القيس الكلبى مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد نسبه ابن الكلبىّ فقال: زيد ابن حارثة بن شراحيل بن كعب بن عبد العزّى بن يزيد «3» بن امرئ القيس بن عامر ابن النّعمان بن عبدودّ بن امرئ القيس بن نعمان بن عمران بن عبد عوف بن عوف ابن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد اللّات بن رفيدة بن ثور بن كلب ابن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة بن مالك بن عمر ابن مرة بن مالك بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.
قال أبو عمر «4» : وربّما اختلفوا فى الأسماء وتقديم بعضها على بعض وزيادة شىء فيها «5» . قال «6» : ولم يتابع ابن إسحاق على قوله «7» «شرحبيل» وإنما «شراحيل» .
وقال ابن الكلبى: وأمّ زيد سعدى بنت ثعلبة بن عبد عامر بن أفلت، من بنى معن من طيئ «8» .
قال ابن إسحاق «1» : وصلّى زيد بعد علىّ بن أبى طالب. قال أبو محمد عبد الملك ابن هشام: وكان حكيم بن حزام بن خويلد قدم من الشام برقيق منه «2» زيد بن حارثة، وصيف، فدخلت عليه عمته خديجة بنت خويلد، وهى يومئذ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لها: اختارى يا عمّة، أىّ هؤلاء الغلمان شئت فهو لك، فاختارت زيدا، فأخذته، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها، فاستوهبه منها، فوهبته له، فأعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبنّاه، وذلك قبل أن يوحى إليه، وكان أبوه حارثة قد جزع عليه جزعا شديدا وبكى عليه حين فقده، ثم قدم عليه وهو عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن شئت فأقم عندى، وإن شئت فانطلق مع أبيك» ؛ قال: بل أقيم عندك؛ فلم يزل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بعثه الله، فصدّقه وأسلم وصلّى معه، فلما أنزل الله عز وجل:(ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ)
قال: أنا زيد ابن حارثة. وقد روى أبو عمر وغيره أن حارثة لما فقد ابنه زيدا قال:
بكيت على زيد ولم أدر ما فعل
…
أحىّ يرجّى «3» أم أتى دونه الأجل
فو الله ما أدرى وإن كنت سائلا
…
أغالك سهل الأرض «4» أم غالك الجبل
فياليت شعرى هل لك الدهر رجعة «5»
…
فحسبى من الدنيا رجوعك لى بجل «6»
تذكّرنيه الشمس عند طلوعها
…
وتعرض ذكراه إذا قارب الطّفل «1»
وإن هبّت الأرواح هيّجن ذكره
…
فيا طول ما حزنى عليه وما وجل
سأعمل نص العيس فى الأرض جاهدا
…
ولا أسأم التّطواف أو تسأم الإبل
حياتى أو تأتى علىّ منّيتى
…
وكلّ امرئ «2» فان وإن غرّه الأمل
سأوصى به قيسا وعمرا كليهما
…
وأوصى يزيدا ثم من بعده جبل «3»
يعنى جبلة بن حارثة أخا زيد، ويزيد أخا زيد لأمّه، وهو يزيد بن كعب ابن شراحيل.
قال: فحجّ «4» ناس من كلب «5» فرأوا زيدا فعرفهم وعرفوه، وقال لهم: أبلغوا أهلى «6» هذه الأبيات، فإنى أعلم أنهم قد جزعوا علىّ، فقال:
أحنّ إلى قومى وإن كنت نائيا
…
فإنّى قعيد البيت عند المشاعر
فكفّوا من الوجد الذى قد شجاكم
…
ولا تعملوا فى الأرض نصّ الأباعر
فإنّى بحمد الله فى خير أسرة
…
كرام معدّ كابرا بعد كابر
فانطلق الكلبيّون فأعلموا أباه، فقال: ابنى ورب الكعبة، فوصفوا له موضعه وعند من هو، فخرج حارثة وكعب ابنا شراحيل لفدائه، وقدما مكّة «7» ، فسألا عن النبى صلى الله عليه وسلم، فقيل: هو فى المسجد، فدخلا عليه فقالا: يابن عبد المطّلب،
يابن هاشم، يابن سيّد قومه، أنتم أهل حرم الله وجيرانه، تفكّون العانى، وتطعمون الأسير، جئناك فى ابننا عندك، فامنن علينا وأحسن إلينا فى فدائه؛ قال: ومن هو؟
قالا: زيد «1» بن حارثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«فهلّا غير ذلك» ؟ قالوا: وما هو؟ قال: «ادعوه فأخيّره «2» ، فإن اختاركم فهو لكم، وإن اختارنى فهو لى، فو الله ما أنا بالذى أختار على من اختارنى أحدا» . قالوا «3» : قد زدتنا على النّصف وأحسنت إلينا، فدعاه «4» فقال:«هل تعرف هؤلاء» ؟ قال: نعم، قال «من هذا «5» » ؟ قال: أبى، وهذا عمى، قال:«فأنا من قد علمت «6» ، وقد رأيت صحبتى لك، فاخترنى أو اخترهما» ، فقال زيد: ما أنا بالذى «7» أختار عليك أحدا، أنت منى مكان الأب والعمّ، فقالا:
ويحك يا زيد! أتختار العبودية على الحرّيّة، وعلى أبيك وعمك وأهل «8» بيتك؟ قال:
نعم، قد رأيت من هذا الرجل شيئا ما أنا بالذى أختار عليه أحدا أبدا. فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أخرجه إلى الحجر فقال: يا معشر من حضر، اشهدوا أنّ زيدا ابنى يرثنى وأرثه» . فلما رأى ذلك أبوه وعمّه طابت نفوسهما وانصرفا.
ودعى زيد بن محمد حتى جاء الله بالإسلام، فنزلت:(ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ)
، فدعى يومئذ زيد بن حارثة، ودعى الأدعياء إلى آبائهم. والله أعلم.