الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوادى بتجيجه، فسمعت شيخان «1» قريش وجلّتها: عبد الله بن جذعان، وحرب ابن أمية، وهشام بن المغيرة، يقولون لعبد المطلب: هنيئا لك أبا البطحاء أى عاش بك أهل البطحاء، وفى ذلك تقول رقيقة:
بشيبة الحمد أسقى الله بلدتنا
…
لما فقدنا «2» الحيا واجلّود المطر
فجاد بالماء جونىّ له سيل
…
دان فعاشت به الأنعام «3» والشّجر
منّا من «4» الله بالميمون طائره
…
وخير من بشّرت يوما به مضر
مبارك الأمر يستسقى الغمام به
…
ما فى الأنام له عدل ولا خطر
وأما من بشّر به صلى الله عليه وسلم قبيل مبعثه
،
فمن ذلك خبر اليهودىّ الذى هو من بنى عبد الأشهل. وكان من خبره ما رواه أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقى بسنده عن سلمة بن سلامة بن وقش، قال: كان بين أبياتنا يهودىّ، فخرج على نادى قومه بنى عبد الأشهل ذات غداة، فذكر البعث والقيامة والجنة والنار والحساب والميزان، فقال ذلك لأصحاب وثن لا يرون أنّ بعثا كائن بعد الموت، وذلك قبل مبعث النبى صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ويحك يا فلان، وهذا كائن؟ إن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار، يجزون من أعمالهم؟ قال: نعم، والذى يحلف به، لوددت أن حظّى من تلك النار أن توقدوا أعظم تنّور فى داركم فتحمونه، ثم تقذفوننى فيه، ثم تطبقوا علىّ، وأنّى أنجو من النار غدا فقيل له يا فلان، فما علامة ذلك؟ قال: نبى يبعث من ناحية هذه البلاد، وأشار بيده نحو مكّة
واليمن. قالوا: فمتى تراه؟ فرمى بطرفه، فرآنى وأنا مضطجع بفناء باب أهلى، وأنا أحدّث القوم [فقال] : إن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه فما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم، وإنه لحىّ بين أظهرهم فامنا به وصدّقناه، وكفر به بغيا وحسدا، فقلنا له: يا فلان، ألست الذى قلت ما قلت وأخبرتنا؟ فقال: بلى. ولكن لا أومن به.
ومنه خبر إسلام أسيذ «1» وثعلبة ابنى سعية وراشد بن عبيد.
روى البيهقى «2» رحمه الله عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن شيخ من بنى قريظة، قال: هل تدرون عمّ كان إسلام أسيد وثعلبة ابنى سعية، وأسد «3» بن عبيد، نفر من بنى هدل «4» لم يكونوا من بنى قريظة، ولا النّضير، كانوا فوق ذلك «5» ؟ فقلت: لا.
قال: فإنه قدم علينا رجل من الشام من يهود يقال له ابن الهيّبان، وكنيته أبو عمير، كذا ذكره الواقدى، فأقام عندنا، والله ما رأينا رجلا قطّ لا يصلّى الخمس خيرا منه، فقدم علينا قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين، فكنّا إذا أقحطنا وقلّ علينا المطر نقول: يا بن الهيّبان، اخرج فاستسق لنا، فيقول: لا والله، حتى تقدّموا أمام مخرجكم صدقة؛ فنقول: كم؟ فيقول: صاع من «6» تمر أو مدّين من شعير
فنخرجه، ثم «1» يخرج إلى ظاهر حرّتنا ونحن معه، فيستسقى، فو الله ما يقوم من مجلسه حتى يمرّ السّحاب «2» ؛ قد فعل ذلك غير مرّة ولا مرّتين، ولا ثلاثة، فحضرته الوفاة، واجتمعنا إليه، فقال: يا معشر يهود، ما ترونه أخرجنى من أرض الخمر «3» والخمير إلى أرض البؤس والجوع؟ قالوا: أنت أعلم، قال: إنه إنما أخرجنى [أنى «4» ] أتوقّع خروج نبىّ قد أظلّ زمانه، هذه البلاد مهاجره، [وكنت أرجو أن يبعث «5» ] فاتّبعه، [وقد أظلكم زمانه «6» ] فلا تسبقنّ إليه إذا خرج يا معشر يهود، فإنه يبعث بسفك الدّماء، وسبى الذّرارىّ والنساء ممن خالفه، فلا يمنعكم ذلك منه. ثم مات؛ فلما كانت الليلة التى فتحت فيها قريظة قال أولئك الثلاثة الفتية، وكانوا شبابا أحداثا: يا معشر يهود: والله إنه للنّبىّ الذى ذكر لكم ابن الهيّبان، فقالوا: ما هو به، قالوا: بلى والله! إنها لصفته «7» ، ثم نزلوا فأسلموا، وخلّوا أموالهم وأولادهم وأهاليهم؛ فلما فتح رسول الله الحصن ردّ ذلك عليهم.
ومنه ما روى أن عبد الله بن مسعود كان يحدّث «8» عن أبى بكر الصّدّيق رضى الله عنهما، «9» قال: خرجت إلى اليمن فى تجارة قبل أن يبعث النبى صلى الله عليه وسلم، فنزلت على شيخ من الأزد عالم، قد قرأ الكتب وحوى علما كثيرا، وأتى عليه من
السن ثلاثمائة وتسعون سنة «1» ، فلما تأملنى قال: أحسبك تيميا «2» فقلت: نعم، أنا من تيم ابن مرّة؛ أنا عبد الله بن عثمان بن عامر وبن عمرو بن كعب بن سعد «3» بن تيم بن مرّة، قال: بقيت «4» لى فيك واحدة، قلت: ما هى؟ قال: اكشف لى عن بطنك، قلت:
لا أفعل أو تخبرنى لم ذلك، فقال: إنى لأجد فى العلم الصّحيح الصادق أن نبيّا يبعث بالحرم يعاونه على أمره فتى وكهل، فأما الفتى فخوّاض غمرات، وكشّاف معضلات، وأما الكهل فأبيض نحيف، على بطنه شامة، وعلى فخذه اليسرى علامة، ولا «5» عليك أن ترينى ما خفى علىّ؛ قال أبو بكر رضى الله عنه: فكشفت له عن بطنى، فرأى شامة سوداء فوق سرّتى، فقال: هو أنت وربّ «6» الكعبة، وإنى متقدّم إليك فى أمر فاحذره، قلت: وما هو؟ قال إياك والميل عن الهدى وتمسّك بالطريقة المثلى، وخف الله عز وجل فيما أعطاك وخوّلك.
قال أبو بكر رضى الله عنه: فقضيت باليمن أربى، ثم أتيت الشيخ لأودّعه، فقال «7» : أحامل أنت منّى أنباء إلى ذلك النّبىّ؟ قلت «8» : نعم، فأنشأ يقول:
ألم تر أنّى قد سئمت معاشرى
…
ونفسى وقد أصبحت فى الحىّ راهنا «1»
حييت وفى الأيام للمرء عبرة
…
ثلاث مئين ثم تسعين آمنا «2»
وصاحبت «3» أحبارا أنا روا بعلمهم
…
غياهب جهل ما ترى فيه طابنا «4»
وكم راهب فوق عنشبيل «5» قائم
…
لقيت وما غادرت فى البحث كاهنا
وكلّهم لما تعطّشت قال لى
…
بأن نبيّا سوف تلقاه دائنا «6»
بمكة والأوثان فيها عزيزة
…
فيركسها حتى تراها كوامنا «7»
فما زلت أدعو الله فى كل حاضر
…
حللت به سرّا وجهرا معالنا
وقد خمدت منّى شرارة قوّتى
…
وألفيت شيخا لا أطيق الشّواجنا «8»
وأنت وربّ البيت تلقى محمدا
…
بعامك هذا قد أقام البراهنا
فحىّ رسول الله عنّى فإننى
…
على دينه أحيا وإن كنت واهنا «9»
فياليتنى أدركته فى شبيبتى
…
فكنت له عبدا وإلا العجاهنا «10»
عليه سلام الله ما ذرّ شارق
…
تألّق هنّافا من النور هافنا «11»