الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عزّ وامتنع، وأن حمزة سمينعه، فكفّوا عن بعض ما كانوا ينالون منه قبل، قال: وكان إسلام حمزة قبل إسلام عمر ابن الخطاب- رضى الله عنهما- بثلاثة أيام «1» .
ذكر مشى عتبة بن ربيعة، والوليد بن المغيرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسماعهما القرآن، واعترافهما أنه لا يشبه شيئا من كلامهم، وما أشار [به] عتبة على أشراف قريش فى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال محمد بن إسحاق «2» :
حدّثنى يزيد بن زياد «3» ، عن محمد بن كعب القرظىّ قال: حدّثت أن عتبة بن ربيعة- وكان سيّدا- قال يوما وهو جالس فى نادى قريش، والنبىّ صلى الله عليه وسلم جالس فى المسجد وحده: يا معشر قريش، ألا أقوم إلى محمّد فأكلّمه وأعرض عليه أمورا، لعلّه يقبل بعضها فنعطيه أيّها شاء ويكفّ عنّا؟ وذلك حين أسلم حمزة، ورأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيدون ويكثرون، فقالوا: بلى يا أبا الوليد، فقم إليه فكلّمه، فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يابن أخى، إنّك منّا حيث قد علمت من السّطة فى العشيرة، والمكان فى النسب، وإنّك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرّقت به جماعتهم، وسفّهت به أحلامهم، وعبت «4» به آلهتهم ودينهم، وكفّرت به من مضى
من آبائهم، فاسمع منى أعرض عليك أمورا تنظر فيها لعلّك تقبل منها «1» بعضها، قال:
«قل يا أبا الوليد أسمع» ، قال: يابن أخى، إن كنت إنما تريد ممّا جئت به من هذا الأمر مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا، وإن كنت تريد به شرفا سوّدناك علينا حتى لا نقطع أمرا دونك، وإن كنت تريد ملكا ملّكناك علينا، وإن كان هذا الذى يأتيك رئيّا «2» تراه لا تستطيع ردّه عن نفسك طلبنا لك الطّبّ، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربّما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه، أو كما قال له. حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع «3» منه قال:«أقد فرغت يا أبا الوليد» ؟ قال: نعم، قال:«فاستمع منى» ، قال: أفعل، قال: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
حم. تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ «4» )
. ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها يقرؤها عليه، فلما سمعها عتبة أنصت لها، وألقى يديه خلف ظهره معتمدا عليهما «5» يستمع منه، ثم انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السّجدة «6» فسجد، ثم قال:
«قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك» .
فقام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذى ذهب به، فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك
يا أبا الوليد؟ قال: ورائى أنى سمعت قولا والله «1» ما سمعت مثله قطّ، والله ما هو بالشّعر، ولا بالسّحر، ولا بالكهانة، يا معشر قريش، أطيعونى واجعلوها بى، وخلّوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فو الله ليكوننّ لقوله الذى سمعت نبأ [عظيم «2» ] ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم «3» ، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم، وعزّه عزّكم، وكنتم أسعد الناس به؛ فقالوا «4» : سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه، قال: هذا رأيى فيه، فاصنعوا ما بدا لكم.
وروى أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقىّ «5» بسنده إلى جابر بن عبد الله، قال: قال أبو جهل والملأ من قريش: لقد انتشر علينا أمر محمد، فلو التمستم رجلا عالما بالسحر والكهانة والشّعر فكلّمه، ثم أتانا ببيان أمره؟ فقال عتبة: لقد سمعت بقول السحرة والكهانة والشعر، وعلمت من ذلك علما، وما يخفى علىّ إن كان كذلك، فأتاه عتبة فقال «6» : يا محمد، أنت خير أم هاشم؟ [أنت خير أم عبد المطّلب «7» ] ؟ أنت خير أم عبد الله؟
فلم يجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فبم تشتم آلهتنا، وتضلّل آباءنا؟ فإن كنت إنما بك الرئاسة عقدنا ألويتنا لك، فكنت رأسنا ما بقيت، وإن كان بك الباه زوّجناك عشر نسوة تختار من أىّ بنات قريش شئت، وإن كان بك المال جمعنا لك من أموالنا ما تستغنى بها أنت وعقبك من بعدك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت لا يتكلّم؛ فلما فرغ من حديثه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. حم. تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ)
«1» حتى بلغ قوله تعالى: (صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ)
«2» ، فأمسك عتبة على فى النبىّ صلى الله عليه وسلم، وناشده الرّحم أن يكفّ، ولم يخرج إلى أهله واحتبس عنهم؛ فقال أبو جهل: يا عتبة، ما حسبنا إلا أنك صبوت إلى محمد وأعجبك أمره، فإن كانت بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن طعام محمد، فغضب وأقسم بالله لا يكلّم محمّدا أبدا، وقال: لقد علمتم أنّى من أكثر قريش مالا، ولكنى أتيته، وقصّ عليهم القصّة، قال: فأجابنى بشىء والله ما هو بسحر ولا شعر ولا كهانة، قرأ علىّ:
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. حم)
إلى قوله: (مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ)
فأمسكت بفيه وناشدته الرحم أن يكفّ، وقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب فيه، فخفت أن ينزل بكم العذاب.
وأما الوليد بن المغيرة فقد روى أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقىّ «3» بسنده عن عكرمة عن ابن عباس أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبىّ صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه القرآن، فكأنه رقّ له، فبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه فقال: يا عمّ إن قومك يرون أن يجمعوا لك مالا، قال: لم؟ قال: ليعطوكه، فإنك أتيت محمدا لتعرض لما قبله، قال: قد علمت قريش أنى من أكثرها مالا، قال: فقل فيه قولا يبلغ قومك أنك منكر له «4» ، وأنك كاره له، فقال «5» :وماذا أقول؟ فو الله ما فيكم رجل أعلم بالأشعار منّى، ولا أعلم برجزه ولا بقصيده منّى، ولا بأشعار الجنّ؛ والله ما يشبه الذى يقول شيئا من هذا، [و «6» ] والله إن لقوله الذى يقول لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو وما يعلى، وإنه ليحطم ما تحته. قال: