الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر وفاة خديجة بنت خويلد زوج النبىّ صلى الله عليه وسلم ورضى الله عنها
كانت وفاة خديجة رضى الله عنها بعد وفاة أبى طالب كما تقدّم، وماتت قبل الهجرة بثلاث سنين على ما صححه الشيخ شرف الدين الدمياطىّ رحمه الله فى مختصر السيرة النبويّة، قال:
وبقيت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الوحى خمس عشرة سنة، وبعده تسع سنين وثمانية أشهر، وهى أوّل من أسلم من النساء بلا خلاف، ولعلها أوّل من أسلم من الناس، وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وزير صدق. روى أن آدم عليه السلام قال:«إنى لسيد البشر يوم القيامة إلا رجل من ذريتى فضل علىّ باثنين؛ كانت زوجته عونا له، وكانت زوجتى عونا علىّ، وأعانه الله على شيطانه فأسلم، وكفر شيطانى» . وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أمرت أن أبشر خديجة ببيت فى الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب» ، قالوا:
والقصب هاهنا: اللؤلؤ. ودفنت خديجة بالحجون، ولم تكن شرعت الصلاة على الميت بعد. والله أعلم.
ذكر خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، وعوده إلى مكة
قال: لما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم مالم تكن تناله فى حياة عمه.
قال محمد بن سعد «1» : فبلغ ذلك أبا لهب، فجاءه فقال: يا محمد، امض لما أردت وما كنت صانعا إذا كان أبو طالب حيّا فاصنعه، لا واللّات، لا يوصل إليك
حتى أموت. قال: وسبّ ابن الغيطلة النبىّ صلى الله عليه وسلم، فأقبل عليه أبو لهب فنال منه، فولّى وهو يصيح: يا معشر قريش، صبأ أبو عتبة، فأقبلت قريش حتى وقفوا على أبى لهب فقال: ما فارقت دين عبد المطلب، ولكنى أمنع ابن أخى أن يضام، حتى يمضى لما يريد، قالوا: قد أحسنت وأجملت ووصلت الرّحم، فلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك أياما يذهب ويأتى، ولا يعترض له أحد من قريش، وهابوا أبا لهب إلى أن جاء عقبة بن أبى معيط، وأبو جهل ابن هشام إلى أبى لهب فقالا: أخبرك ابن أخيك أين مدخل أبيك؟ فقالا «1» له:
يا محمد أين مدخل عبد المطلب؟ قال: «مع قومه» ، فخرج أبو لهب إليهما فقال:
قد سألته فقال: «مع قومه» ، فقالا: يزعم أنه فى النار، فقالا: يا محمد، أيدخل عبد المطلب النار؟، فقال:«نعم، ومن مات على مثل ما مات عليه عبد المطلب دخل النار» . فقال أبو لهب: والله لا برحت لك عدوّا أبدا، وأنت تزعم أن عبد المطلب فى النار، فاشتدّ عليه هو وسائر قريش، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف.
قال محمد بن سعد: خرج ومعه زيد بن حارثة، وذلك فى ليال بقين من شوّال سنة عشر من حين النبوّة، فأقام بالطائف عشرة أيام لا يدع أحدا من أشرافهم إلا جاءه وكلّمه، فلم يجيبوه، وخافوا على أحداثهم، فقالوا: يا محمد، أخرج من بلدنا والحق بمجابك «2» من الأرض. وأغروا به سفهاءهم، فجعلوا يرمونه بالحجارة حتى إن رجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لتدميان، وزيد بن حارثة يقيه بنفسه.
حتى لقد شجّ فى رأسه شجاجا، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف راجعا إلى مكة وهو محزون لم يستجب له رجل واحد ولا امرأة.
وقال ابن إسحاق «1» : لما أغروا به سفهاءهم؛ لجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حائط «2» لعتبة وشيبة ابنى ربيعة، فجلس فى ظل حبلة «3» ، وابنا ربيعة ينظران إليه، ويريان ما لقى من سفهاء أهل الطائف، فتحركت له رحمتهما، فدعوا غلاما لهما نصرانيا يقال له عدّاس، فقالا له: خذ قطفا من هذا العنب فضعه فى هذا الطبق، ثم اذهب إلى ذلك الرجل فقل له يأكل منه، ففعل عدّاس، ثم أقبل حتى وضعه بين يديه صلى الله عليه وسلم، وقال له: كلّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«بسم الله» فأكل، فنظر عدّاس إليه ثم قال: والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد، فقال له صلى الله عليه وسلم: «ومن أهل أىّ البلاد أنت يا عدّاس؟
وما دينك» ؟. قال: نصرانىّ، وأنا رجل من أهل نينوى «4» ، فقال له:«أمن قرية الرجل الصالح يونس بن متّى» ؟ فقال عدّاس: وما يدريك ما يونس؟ قال:
«ذاك أخى، كان نبيا وأنا نبىّ» ، فأقبل عدّاس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبّل رأسه وقدميه ويديه، فقال أحد ابنى ربيعة لصاحبه: أمّا غلامك فقد أفسده عليك، فلما جاءهما عدّاس قالا له: ويلك! ما لك تقبّل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه! قال: يا سيدى، ما فى الأرض شىء خير من هذا العبد، لقد أخبرنى بأمر ما يعلمه إلا نبىّ، قالا: ويحك يا عدّاس! لا يصرفنّك عن دينك، فإن دينك خير من دينه.
قال: ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا إلى مكة حين يئس من خير ثقيف، حتى إذا كان بنخلة «5» أتاه جنّ نصيبين «6» ، على ما نذكر ذلك إن شاء
الله فى أخبار الوفود على رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما تقف عليه هناك، وهو فى آخر وفادات العرب.
قال: وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بنخلة أياما، فقال له زيد بن حارثة:
كيف تدخل عليهم وهم أخرجوك؟ فقال: «يا زيد، إن الله جاعل لما ترى فرجا ومخرجا، وإن الله ناصر دينه ومظهر نبيه» ، ثم انتهى إلى حراء، فأرسل رجلا من خزاعة إلى مطعم بن عدىّ يقول:«أدخل فى جوارك» ؟ فقال: نعم، ودعا بنيه وقومه، فقال: تلبّسوا السلاح، وكونوا عند أركان البيت؛ فإنى قد أجرت محمدا، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه زيد بن حارثة حتى انتهى إلى المسجد الحرام، فقام مطعم بن عدىّ على راحلته فنادى: يا معشر قريش، إنى قد أجرت محمدا؛ فلا يهجه أحد منكم، فانتهى صلى الله عليه وسلم إلى الرّكن فاستلمه، وصلى ركعتين، وانصرف إلى بيته، ومطعم وولده مطيفون به، فلذلك قال حسان بن ثابت الأنصارىّ فى رثائه لمطعم من قصيدته:
فلو كان مجد يخلد الدهر واحدا
…
من الناس، أبقى مجده اليوم مطعما «1»
أجرت رسول الله منهم فأصبحوا
…
عبيدك ما لبّى مهلّ وأحرما
وحكى محمد بن إسحاق: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى الأخنس بن شريق ليجيره، فقال: أنا حليف؛ والحليف لا يجير؛ فبعث إلى سهيل بن عمرو فقال:
إن بنى عامر «2» لا تجير على بنى كعب، فبعث إلى المطعم بن عدىّ فأجابه.