الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه. قال: فدعنى حتى أفكّر فيه، فلما فكّر قال:
هذا سحر يؤثر، يأثره عن غيره «1» ، فنزل قوله تعالى: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً
…
)
«2»
الآيات.
وعن عكرمة أن الوليد بن المغيرة جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له:
اقرأ علىّ، فقرأ عليه:(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى، وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)
«3» ، قال: أعد علىّ، فأعاد عليه النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال: والله إنّ له لحلاوة، وإنّ [عليه لطلاوة «4» ، وإن] أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وما يقول هذا بشر.
ذكر اجتماع أشراف قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وما عرضوا عليه وما طلبوا منه أن يريهم ويخبرهم به من القصص، وأخبار من سلف وغير ذلك من غيّهم، وما أنزل عليه فى ذلك ممّا سنذكره إن شاء الله تعالى، ويترجم على بعض ما انطوت عليه هذه الترجمة من القصص بما يدل عليها، ويبيّنها من التراجم وإن كانت داخلة فيها.
قال محمد بن إسحاق «5» :
ثم إن الإسلام جعل يفشو بمكّة فى قبائل قريش، فى الرجال والنساء.
وقريش تحبس من قدرت على حبسه، وتفتن من استطاعت فتنته من المسلمين، ثم اجتمعت أشراف قريش من كلّ قبيلة، كما روى عن سعيد بن
جبير وابن عباس، قالا: اجتمع عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو سفيان ابن حرب، والنّضر بن الحارث بن كلدة، وأبو البخترىّ بن هشام، والأسود ابن المطّلب بن أسد، وزمعة بن الأسود، والوليد بن المغيرة، وأبو جهل بن هشام، وعبد الله بن أبى أميّة، والعاص بن وائل، ونبيه ومنبّه ابنا الحجّاج السّهميّان، وأمية ابن خلف، أو من اجتمع منهم، فاجتمعوا بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة، ثم قال بعضهم لبعض: ابعثوا إلى محمد فكلّموه وخاصموه حتى تعذروا فيه، فبعثوا إليه: إن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلّموك، فأتهم؛ فجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعا، وهو يظن أن قد بدالهم فيما كلّمهم فيه بداء، وكان حريصا عليهم، يحبّ رشدهم «1» ، حتى جلس إليهم فقالوا: يا محمد إنّا قد بعثنا إليك لنكلّمك، وإنا والله لا نعلم رجلا من العرب أدخل على قومه ما أدخلت [على قومك «2» ] ، لقد شتمت الآباء، وعبت الدّين، وسببت «3» الآلهة، وسفّهت الأحلام، وفرّقت الجماعة، فما بقى أمر قبيح إلا وقد جئته فيما بيننا وبينك، أو كما قالوا له، فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالا جمعنا لك، وكلّموه بنحو ما كلّمه به عتبة بن ربيعة على ما قدّمناه آنفا.
فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما بى [ما «4» ] تقولون، ما جئت بما جئتكم أطلب به أموالكم، ولا الشرف فيكم، ولا الملك عليكم، ولكنّ الله بعثنى إليكم رسولا وأنزل عليكم «5» كتابا، وأمرنى أن أكون بشيرا ونذيرا، فبلّغت لكم رسالات ربّى ونصحت لكم، فإن تقبلوا منّى ما جئتكم به فهو حظّكم فى الدنيا والآخرة، وإن
تردّوه علىّ أصبر لأمر الله حتّى يحكم الله بينى وبينكم» أو كما قال- صلى الله عليه وسلم. [قالوا يا محمد «1» ] : فإن كنت غير قابل منّا شيئا ممّا عرضناه عليك فإنك قد علمت أنه ليس من الناس أحد أضيق بلدا، ولا أقلّ ماء ولا أشدّ عيشا منّا، فسل لنا ربّك الذى بعثك به فليسيّر عنّا هذه الجبال التى ضيقّت علينا، وليبسط لنا بلادنا، وليخرق «2» لنا فيها أنهارا كأنهار الشام والعراق، وليبعث لنا من مضى من آبائنا، وليكن فيمن يبعث لنا منهم قصىّ بن كلاب، فإنه كان شيخ صدق، فنسألهم عما تقول: أحقّ هو أم باطل، فإن صدقوك وصنعت لنا ما سألناك عرفنا به منزلتك من الله، وأنه بعثك رسولا كما تقول. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ما بهذا بعثت إليكم، إنما جئتكم من الله بما بعثنى به، وقد بلغتكم ما أرسلت به إليكم، فإن تقبلوه فهو حظّكم فى الدنيا والآخرة، وإن تردّوه علىّ أصبر لأمر الله حتّى يحكم الله بينى وبينكم» . قالوا له: فإذا لم تفعل هذا لنا فخذ لنفسك، سل ربّك أن يبعث معك ملكا يصدقك بما تقول، ويراجعنا عنك، وسله فليجعل لك جنانا وقصورا وكنوزا من ذهب وفضّة يغنيك بها عما نراك تبتغى، فإنّك تقوم بالأسواق كما نقوم، وتلتمس المعاش كما نلتمس، حتى نعرف فضلك ومنزلتك من ربك إن كنت رسولا كما تزعم؛ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ما أنا بفاعل، وما أنا بالذى يسأل ربّه هذا، وما بعثت إليكم بهذا، ولكن الله بعثنى بشيرا ونذيرا» ،- أو كما قال- «فإن تقبلوا ما جئتكم به فهو حظّكم
فى الدنيا والآخرة، وإن تردّوه علىّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بينى وبينكم» .
قالوا: فأسقط السماء علينا كسفا كما زعمت أن ربّك إن شاء فعل، فإنّا لا نؤمن لك إلّا أن تفعل. فقال صلى الله عليه وسلم:«ذلك إلى الله، إن شاء يفعله بكم فعل» قالوا: يا محمد، أفما علم ربّك أنّا سنجلس معك ونسألك عمّا سألناك عنه ونطلب، فيتقدّم إليك فيعلمك ما تراجعنا به، ويخبرك بما هو صانع فى ذلك بنا، إذا لم نقبل منك ما جئتنا به؟ إنه قد بلغنا أنك إنما يعلّمك هذا رجل باليمامة يقال له الرحمن، وإنا والله لا نؤمن بالرحمن أبدا، فقد أعذرنا إليك يا محمد، وإنا والله لا نتركك وما بلغت منّا حتى نهلكك أو تهلكنا. وقال قائلهم: نحن نعبد الملائكة، وهى بنات الله. وقال قائلهم: لن نؤمن لك حتى تأتى بالله والملائكة قبيلا؛ فلما قالوا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم قام عنهم وقام معه عبد الله بن أبى أميّة بن المغيرة- وهو ابن عمّته- فقال له: يا محمد، عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم، ثم سألوك لأنفسهم أمورا ليعرفوا بها منزلتك من الله كما تقول، ويصدّقوك ويتّبعوك فلم تفعل، ثم سألوك أن تأخذ لنفسك ما يعرفون به فضلك عليهم، ومنزلتك من الله فلم تفعل، ثم سألوك أن تعجّل لهم بعض ما تخوّفهم به من العذاب فلم تفعل- أو كما قال له- فو الله لا أو من بك أبدا حتى تتّخذ إلى السماء سلّما، ثم ترقى فيه وأنا أنظر إليك حتى تأتيها، ثم تأتى معك بصكّ، ومعك أربعة من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول، وايم الله لو فعلت ذلك ما ظننت أنى أصدّقك؛ ثم انصرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله حزينا أسفا لما فاته ممّا كان يطمع به من قومه حين دعوه «1» .