الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من بيت المقدس، لم أثبتها «1» فكربت كربا ما كربت مثله قطّ، فرفعه الله لى أنظر إليه ما يسألونى عن شىء إلا أنبأتهم به» .
وعن عائشة رضى الله عنها قالت: لما أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى أصبح الناس يتحدّثون بذلك، فارتد ناس ممن آمنوا به وصدّقوه، وسعوا إلى أبى بكر فقالوا: هل لك فى صاحبك؟ يزعم أنه أسرى به الليلة إلى بيت المقدس، وجاء قبل الصبح! قال: نعم، إنى لأصدّقه فيما هو أبعد من ذلك؛ أصدقه بخبر السماء فى غدوة أو روحة، فلذلك سمى أبو بكر رضى الله عنه الصدّيق.
ذكر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قبائل العرب فى المواسم
قال محمد بن عمر بن واقد بسند يرفعه إلى غير واحد، قالوا: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاث سنين من أوّل نبوّته يدعو مستخفيا، ثم أعلن فى الرابعة، فدعا الناس إلى الإسلام عشر سنين؛ يوافى المواسم كل عام يتبع الحاجّ فى منازلهم بعكاظ ومجنّة، وذى المجاز «2» يدعوهم؛ حتى بلّغ رسالة ربه تعالى، وأبو لهب يمشى وراءه يقول: لا تطيعوه فإنه صابئ كاذب، فيقولون: أسرتك وعشيرتك أعلم بك حيث لم يتبعوك، فيقول:«اللهم لو شئت لم يكونوا هكذا» ، قال الواقدىّ:
فكان من سمّى لنا من القبائل الذين أتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعاهم وعرض نفسه عليهم: بنو عامر بن صعصعة، ومحارب بن خصفة «3» ، وفزارة،
وغسّان «1» ، ومرّة، وحنيفة، وسليم، وعبس، وبنو نصر، وبنو البكّاء، وكندة، وكلب «2» ، والحارث بن كعب، وعذرة، والحضارمة، فلم يستجب منهم أحد.
قال محمد بن إسحاق: حدّثنى حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس قال:
سمعت ربيعة بن عبّاد يحدّث «3» أبى قال: إنّى لغلام شابّ مع أبى بمنى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقف على منازل القبائل من العرب، فيقول:«يا بنى فلان، إنى رسول الله إليكم، يأمركم أن تعبدوا الله، ولا تشركوا به شيئا، وأن تخلعوا ما يعبد من دونه من هذه الأنداد، وأن تؤمنوا بى وتصدّقونى وتمنعونى حتى أبين عن الله ما بعثنى به» ، قال: وخلفه رجل أحول وضىء له غديرتان، عليه حلّة عدنيّة، فإذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله وما دعا إليه قال ذلك الرجل: يا بنى فلان؛ إن هذا إنما يدعوكم إلى أن تسلخوا اللات والعزّى من أعناقكم، وحلفاءكم من الجنّ من بنى مالك بن أقيش؛ «4» إلى ما جاء به من البدعة والضلالة، فلا تطيعوه ولا تسمعوا منه، قال: فقلت لأبى: يا أبت من هذا الرجل [الذى «5» ] يتبعه ويردّ عليه ما يقول؟ قال: هذا عمه عبد العزى بن عبد المطلب، أبو لهب.
قال ابن إسحاق: حدّثنى الزهرىّ أنه صلى الله عليه وسلم أتى بنى عامر ابن صعصعة فدعاهم إلى الله، وعرض عليهم نفسه، فقال رجل منهم يقال له بيحرة بن فراس: والله لو أنى أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب،
ثم قال له: أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك، ثم أظهرك الله على من خالفك أيكون لنا الأمر بعدك؟ قال: الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء. فقال له:
أفنهدف «1» نحورنا [للعرب دونك «2» ] ؛ فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا! لا حاجة لنا بأمرك، فأبوا عليه، فلما صدر الناس رجعت بنو عامر إلى شيخ لهم، قد كانت أدركته السنّ، حتى لا يقدر أن يوافى معهم المواسم، فكانوا إذا رجعوا إليه حدّثوه بما يكون فى ذلك الموسم، فلما قدموا عليه فى ذلك العام، سألهم عما كان فى موسمهم، فقالوا: جاءنا فتى من قريش؛ ثم أحد بنى عبد المطلب، يزعم أنه نبىّ يدعونا إلى أن نمنعه ونقوم معه، ونخرج به إلى بلادنا، قال: فوضع الشيخ يده على رأسه، ثم قال: يا بنى عامر، هل لها من تلاف! هل لذناباها من مطلب «3» ! والذى نفس فلان بيده، ما تقوّلها إسماعيلىّ قط، وإنها لحق، فأين رأيكم كان عنكم.
قال: وحدّثنى عاصم بن عمر «4» عن قتادة الأنصارى عن أشياخ من قومه قالوا:
قدم سويد بن الصامت أخو بنى عمرو بن عوف [مكة «5» ] حاجا أو معتمرا؛ وكان سويد إنما يسميه قومه فيهم: الكامل لجلده وشرفه ونسبه وشعره، فتصدّى له رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع به، فدعاه إلى الله وإلى الإسلام، فقال له سويد: فلعل الذى معك مثل الذى معى، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وما الذى معك؟ قال: مجلة «6» لقمان (يعنى حكمة لقمان) فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اعرضها علىّ؛ فعرضها عليه، فقال: «إن هذا لكلام حسن،
لكن الذى معى أفضل من هذا؛ قرآن أنزله الله علىّ هو هدى ونور» . فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، ودعاه إلى الإسلام فلم يبعد منه، وقال: إنّ هذا لقول حسن؛ ثم انصرف عنه، فقدم المدينة على قومه، فلم يلبث أن قتله الخزرج، قال: فإن كان رجال من قومه ليقولون: إنا لنراه قد قتل وهو مسلم، وكان قتله قبل بعاث «1» .
قال ابن إسحاق أيضا: وحدّثنى الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد ابن معاذ عن محمود بن لبيد، قال: لما قدم أبو الحيسر أنس بن رافع مكة ومعه فتية من بنى عبد الأشهل، فيهم إياس بن معاذ، يلتمسون الحلف من قريش على قومهم من بنى الخزرج، سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأتاهم فجلس إليهم فقال:«هل لكم فى خير مما جئتم له» ؟، فقالوا: وما ذلك؟ قال: «أنا رسول الله، بعثنى إلى العباد أدعوهم إلى أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا، وأنزل علىّ الكتاب» . قال: ثم ذكر لهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن، فقال لهم إياس بن معاذ- وكان غلاما حدثا-: أى قوم، هذا والله خير مما جئتم له، فأخذ أبو الحيسر حفنة من [تراب «2» ] البطحاء، فضرب بها وجه إياس بن معاذ؛ وقال: دعنا منك، فلعمرى لقد جئنا لغير هذا، قال: فصمت إياس، وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانصرفوا إلى المدينة، فكان وقعة بعاث بين الأوس والخزرج، ثم لم يلبث إياس ابن معاذ أن هلك. قال محمود بن لبيد: فأخبرنى من حضره من قومه عند موته أنهم لم يزالوا يسمعونه يهلل الله ويكبره، ويحمده ويسبحه حتى مات، فما كانوا يشكّون أنه قد مات مسلما، لقد كان استشعر الإسلام فى ذلك المجلس حين سمع من رسول الله ما سمع. والله أعلم.