الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: نعم، لا يبرح «1» حتّى أعطيه [الّذى له «2» ] ، ودخل فخرج إليه بحقّه فدفعه إليه، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال للإراشىّ: الحق بشأنك؛ فأقبل الإراشىّ حتّى وقف على ذلك المجلس، فقال: جزاه الله خيرا، فقد والله أخذ لى حقّى، وجاء الرجل الّذى بعثوه معه فأخبرهم الخبر، قال: ثمّ لم يلبث أبو جهل أن جاء، فقالوا له: ويلك! والله ما رأينا مثل ما صنعت قطّ! قال: ويحكم! والله ما هو إلّا أن ضرب علىّ بابى، وسمعت صوته، فملئت رعبا، ثم خرجت إليه وإنّ فوق رأسه لفحلا من الإبل ما رأيت مثل هامته ولا قصرته ولا أنيابه لفحل قطّ، والله لو أبيت لأكلنى.
ذكر خبر النّضر بن الحارث، وما قال لقريش، وإرسالهم إيّاه إلى يثرب إلى أحبار يهود وعقبة بن أبى معيط وما عادا به
قال: ولمّا رجع أبو جهل إلى قريش، وألقى الحجر من يده وقصّ عليهم ما شاهد قام النضر بن الحارث بن كلدة فقال: يا معشر قريش، إنه والله قد نزل بكم أمر ما أتيتم له بحيلة بعد، قد كان محمّد فيكم غلاما حدثا، أرضاكم فيكم، وأصدقكم حديثا، وأعظمكم أمانة، حتى إذا رأيتم فى صدغيه الشيب- وقد جاءكم بما جاءكم به- قلتم: ساحر، لا والله ما هو بساحر، لقد رأينا السّحرة؛ نفثهم وعقدهم.
وقلتم: كاهن، لا والله ما هو بكاهن، قد رأينا الكهنة؛ تخالجهم، وسمعنا سجعهم.
وقلتم: شاعر، لا والله ما هو بشاعر، لقد رأينا الشعر، وسمعنا أصنافه كلّها؛
هزجه ورجزه. وقلتم مجنون، لا والله ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون، ما هو بخنقه، ولا وسوسته، ولا تخليطه، يا معشر قريش، فانظروا فى شأنكم، فإنه والله لقد نزل بكم أمر عظيم.
قال ابن إسحاق: وكان النضر بن الحارث من شياطين قريش، وممّن كان يؤذى رسول الله صلى الله عليه وسلم وينصب له العداوة، وكان قد قدم الحيرة وتعلّم بها أحاديث ملوك الفرس ورستم «1» وإسفنديار، فكان إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا فذكّر فيه بالله وحذّر قومه ما أصاب من قبلهم من الأمم من نقمة الله، خلفه فى مجلسه إذا أقام، ثم قال: والله يا معشر قريش أنا أحسن حديثا منه، فهلمّ «2» فأنا أحدّثكم أحسن من حديثه، ثم يحدّثهم عن ملوك فارس ورستم وإسفنديار، ثم يقول: بماذا محمد أحسن حديثا منى! قيل: والنضر هذا هو الذى قال [فيما بلغنى «3» ] : (سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ)
«4» ، قال ابن عباس: نزل فيه ثمان آيات من القرآن: قوله تعالى (إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) *
«5» ، وكلّ ما ذكر فيه الأساطير من القرآن. قال: فلما قال لهم النضر بن الحارث ما قال بعثوه، وبعثوا معه عقبة بن أبى معيط إلى أحبار يهود بالمدينة، وقالوا لهما: سلاهم عن محمّد، وصفا لهم صفته وأخبراهم بقوله، فإنّهم أهل الكتاب الأوّل، وعندهم
علم حسن- ليس عندنا- من علم الأنبياء؛ فخرجا حتى قدما المدينة فسألا أحبار يهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفا لهم أمره، وأخبراهم ببعض قوله، وقالا لهم: إنّكم أهل التوراة، وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا، فقال لهما أحبار يهود: سلوه عن ثلاث نأمركم بهنّ، فإن أخبركم بهنّ فهو نبىّ مرسل، وإن لم يفعل فالرجل متقوّل، فروا فيه رأيكم، سلوه عن فتية ذهبوا فى الدهر الأوّل، ما كان من أمرهم؟ فإنّه قد كان لهم حديث عجيب؛ وسلوه عن رجل طوّاف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها؛ ما كان نبؤه؟ وسلوه عن الرّوح ما هو؟
فإن أخبركم بذلك فاتّبعوه فإنه نبىّ، وإن لم يفعل فهو رجل متقوّل فروا فيه رأيكم.
فجاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد، أخبرنا عن فتية ذهبوا فى الدهر الأوّل قد كانت لهم قصّة عجب؛ وعن رجل كان طوّافا قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها؛ وأخبرنا عن الرّوح ما هى؟ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«أخبركم بما سألتم عنه غدا» ، ولم يستثن بالمشيئة، فانصرفوا عنه، فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يزعمون خمس عشرة ليلة لا يحدث الله فى ذلك وحيا، ولا يأتيه جبريل حتى أرجف «1» أهل مكّة وقالوا: وعدنا محمد غدا، واليوم خمس عشرة ليلة قد أصبحنا منها لا يخبرنا «2» بشىء ممّا سألناه عنه، وحتى أحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث الوحى عنه، وشقّ عليه ما يتكلّم به أهل مكة؛ ثم جاءه جبريل من الله بسورة الكهف فيها خبر ما سألوا عنه، فيقال: إنه صلى الله عليه وسلم قال لجبريل حين جاءه: لقد احتبست عنّى حتى سؤت ظنّا؛ فقال له جبريل: