الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال محمد بن سعد: قالت عائشة رضى الله عنها: وجهزناهما أحبّ الجهاز، وصنعنا لهما سفرة فى جراب، فقطعت أسماء قطعة من نطاقها فأوكأت به الجراب، وقطعة أخرى صيرتها عصاما لفم القربة؛ فلذلك سميت أسماء ذات النّطاقين.
قال محمد بن سعد بسند يرفعه إلى أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنهما أنها قالت:
لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج أبو بكر معه احتمل ماله كلّه معه،- خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف- فانطلق بها معه، فدخل علينا جدّى أبو قحافة وقد ذهب بصره، فقال: والله إنى لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه، قال فقلت:
كلّا يا أبت، إنه ترك لنا خيرا كثيرا. قالت أسماء: فأخذت أحجارا فوضعتها فى كوّة البيت حيث كان أبى يضع فيها ماله، ثم وضعت عليها ثوبا، ثم أخذت بيده فقلت: ضع يا أبت يدك على هذا المال، فوضع يده عليه وقال: لا بأس إن كان ترك لكم هذا فقد أحسن، وفى هذا بلاغ لكم؛ فلا والله ما ترك لنا شيئا، ولكنى أردت أن أسكّن الشيخ بذلك. والله أعلم.
ذكر خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر رضى الله عنه من الغار، وتوجههما إلى المدينة، وما كان من أمر سراقة بن مالك، وأم معبد وغير ذلك إلى أن انتهيا إلى المدينة
كان خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر الصدّيق رضى الله عنه من الغار ليلة الاثنين لأربع خلون من شهر ربيع الأوّل، وذلك أنه لما مضت الأيام الثلاثة، وسكن عنهما الناس أتاهما عبد الله بن الأريقط براحلتيهما وبعير له، فقرّب أبو بكر رضى الله عنه الراحلتين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقدّم له أفضلهما «1»
ثم قال: اركب فداك أبى وأمى يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«إنى لا أركب بعيرا ليس لى» ، قال: فهى لك يا رسول الله بأبى أنت وأمى! قال:
«لا ولكن ما الثمن الذى ابتعتها «1» به» ؟، قال: كذا وكذا، قال:«قد أخذتها بذلك» .
قال محمد بن سعد: وكان أبو بكر اشتراهما بثمانمائة درهم من نعم بنى قشير، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إحداهما وهى القصواء.
قال ابن إسحاق: فركبا وانطلقا، وأردف أبو بكر رضى الله عنه مولاه عامر بن فهيرة خلفه ليخدمهما فى الطريق.
قال أبو بكر رضى الله عنه: أسرينا ليلتنا ويومنا حتى إذا قام قائم الظهيرة وانقطع الطريق، ولم يمرّ أحد، رفعت لنا صخرة لها ظلّ لم تأت عليه الشمس. قال: فسويت للنبىّ صلى الله عليه وسلم مكانا فى ظلها، وكان معى فرو ففرشته، وقلت للنبىّ صلى الله عليه وسلم: نم حتى أنفض ما حولك، فخرجت فإذا أنا براع قد أقبل يريد من الصخرة مثلما أردنا، وكان يأتيها قبل ذلك فقلت:
يا راعى، لمن أنت؟ قال: لرجل من أهل المدينة يعنى مكة، قال: قلت: هل فى شائك من لبن؟ قال: نعم، قال: فجاءنى بشاة فجعلت أمسح الغبار عن ضرعها وحلبت فى إداوة معى كثبة «2» من لبن، وكان معى ماء للنبىّ صلى الله عليه وسلم فى إدواة فصببت على اللبن من الماء لأبرده، فوافيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قام من نومه فشرب وقال:«ما آن الرحيل» ؟ قلت: بلى، قال: فأرسلنا حتى إذا كنا بأرض صلبة جاء سراقة بن مالك بن جعشم، فبكى أبو بكر وقال: يا رسول الله قد أتينا، قال:«كلا» ، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فارتطم فرس سراقة- أى
احتبس إلى بطنه- فقال: قد أعلم أن قد دعوتما علىّ فادعوا لى، ولكما علىّ أن أردّ الناس عنكما ولا أضرّكما. قال: فدعا له فرجع ووفى وجعل يردّ الناس ويقول: قد كفيتم ما هاهنا. وقد روى عن سراقة أنه قال لأبى جهل بن هشام:
أبا حكم والله لو كنت شاهدا
…
لأمر جوادى إذ تسوخ قوائمه
علمت ولم تشكك بأنّ محمدا
…
رسول ببرهان فمن ذا يقاومه!
عليك بكف القوم عنه فإننى
…
أرى أمره يوما ستبدو معالمه
بأمر يودّ الناس فيه بأسرهم
…
بأنّ جميع الناس طرا «1» تسالمه
وقال أبو محمد عبد الملك بن هشام: حدّثنى الزّهرى أنّ عبد الرحمن بن مالك ابن جعشم حدّثه عن أبيه عن عمه سراقة بن مالك قال: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكّة مهاجرا إلى المدينة، جعلت فيه قريش مائة ناقة لمن يردّه عليهم، فبينما أنا جالس فى نادى قومى أقبل رجل منا حتى وقف علينا فقال: والله لقد رأيت ركبة ثلاثة مرّوا علىّ آنفا، إنى لأراهم محمدا وأصحابه، قال: فأومأت إليه بعينى أن اسكت، ثم قلت: إنما هم بنو فلان يبتغون ضالّة لهم، قال: لعله «2» . ثم قمت فدخلت بيتى وأمرت بفرسى فقيد إلى بطن الوادى، وأمرت بسلاحى فأخرج من دبر حجرتى، ثم أخذت قداحى التى «3» أستقسم بها، ثم انطلقت فلبست لأمتى، ثم أخرجت قداحى فاستقسمت بها، فخرج السهم الذى أكره:«لا يضره» ، قال: وكنت أرجو أن أردّه على قريش فآخذ المائة، فركبت الفرس فى أثره، فبينما فرسى يشتدّ بى عثر فسقطت عنه، فقلت: ما هذا؟ ثم أخرجت قداحى فاستقسمت بها فخرج السهم
الذى أكره «لا يضره» ، قال فأبيت إلا أن أتبعه فركبت فى أثره، فلما بدا لى القوم ورأيتهم عثر بى فرسى فذهبت يداه فى الأرض وسقطت عنه، ثم انتزع يده من الأرض وتبعهما دخان كالإعصار، فعرفت حين رأيت ذلك أنه قد منع منّى وأنه ظاهر، فناديت القوم: أنا سراقة بن جعشم، أنظرونى أكلّمكم، فو الله لا يأتينكم منى شىء تكرهونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبى بكر:«قل له وما تبتغى منا» ؟ فقال لى ذلك أبو بكر، قلت: تكتب لى كتابا يكون بينى وبينك، قال:
«اكتب له يا أبا بكر» ، فكتب لى كتابا فى عظم أو فى رقعة أو فى خرقة ثم ألقاه إلىّ فأخذته فجعلته فى كنانتى، ثم رجعت فلم أذكر شيئا مما كان، حتى إذا كان فتح مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفرغ من حنين والطائف، فرحت ومعى الكتاب لألقاه فلقيته بالجعرّانة «1» ، فدخلت فى كتيبة من خيل الأنصار فجعلوا يقرعوننى بالرماح ويقولون: إليك إليك ماذا تريد؟ قال: فدنوت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته، والله إنى لأنظر إلى ساقه فى غرزه «2» كأنها جمارة، فرفعت يدى بالكتاب ثم قلت: يا رسول الله، هذا كتابك أنا سراقة بن جعشم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«يوم وفاء وبرّ، ادنه» ، قال فدنوت منه فأسلمت. والله الهادى للصواب.
ومروا على خيمتى أم معبد الخزاعية، واسم أمّ معبد عاتكة بنت خالد بن منقذ ابن ربيعة، ويقال: عاتكة بنت خالد بن خليف»
، وكانت برزة «4» جلدة تجلس بفناء
القبة «1» تسقى وتطعم، فسألوها تمرا ولحما يشترونه منها، فلم يصيبوا عندها من ذلك شيئا، وكان القوم مرملين مسنتين «2» ، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة فى كسر الخيمة، فقال:«ما هذه الشاة يا أم معبد» ؟ قالت: شاة خلّفها الجهد عن الغنم، قال:«هل بها من لبن» ؟ قالت: هى أجهد من ذلك، قال:«أتأذنين أن أحلبها» ؟ قالت: نعم، بأبى أنت وأمى إن رأيت بها حلبا فاحلبها. فدعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح بيده ضرعها وسمّى الله، ودعا لها فى شاتها، فتفاجّت عليه- أى فتحت ما بين رجليها- ودرّت، ودعا بإناء يربض الرّهط- أى يرويهم- فحلب فيه ثجاّ «3» ثم سقاها حتى رويت، ثم سقى أصحابه حتى رووا، ثم شرب آخرهم، ثم حلب إناء حتى ملأه ثم غادره عندها، وبايعها وارتحلوا عنها، وأصبح صوت بمكة عال يسمعونه، ولا يدرون من صاحبه وهو يقول:
جزى الله ربّ الناس خير جزائه
…
رفيقين قالا «4» خيمتى أمّ معبد
هما نزلا بالبرّ وارتحلا به
…
فأفلح من أمسى رفيق محمد
فيا لقصىّ ما زوى «5» الله عنكم
…
به من فعال لا تجارى «6» وسودد
ليهن بنى كعب مكان فتاتهم
…
ومقعدها للمؤمنين بمرضد
سلوا أختكم عن شاتها وإنائها
…
فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد
دعاها بشاة حائل فتحلّبت
…
له بصريح «7» ضرّة «8» الشاة مزبد
فغادرها رهنا لديها لحالب
…
تدرّ بها فى مصدر ثم مورد «9»
قال ابن إسحاق: ولما خرج بهما دليلهما عبد الله بن أرقط سلك بهما أسفل مكة، ثم مضى بهما على الساحل أسفل من عسفان «1» ، ثم سلك بهما أسفل أمج «2» ثم استجاز بهما حتى عارض الطريق بعد أن أجاز قديدا «3» ، ثم أجاز بهما من مكانه ذلك فسلك بهما الخرّار «4» ، ثم سلك بهما ثنية المرة «5» ، ثم سلك بهما لقفا «6» - ويقال لفتا «7» - ثم أجاز بهما مدلجة «8» لقف، ثم استبطن بهما مدلجة مجاج «9» ، ثم سلك بهما مرجح مجاج، ثم تبطّن بهما [مرجح «10» ] من ذى الغضوين «11» ، ويقال: العصوين، ثم بطن ذى كشر «12» ، ثم أخذ بهما على الجداجد «13» ، ثم على الأجرد «14» ، ثم سلك بهما ذا سلم «15» [من بطن «16» ] أعداء مدلجة تعهن «17» ، ثم على العبابيد- ويقال: العبابيب. ويقال: