الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذه القصّة بطولها فى المبشّرات برسول الله صلى الله عليه وسلم. فهذه أسباب تسميته وتكنيته «1» . والله أعلم.
وكان عبد المطلب جسيما، أبيض، وسيما، طوالا، فصيحا؛ ما رآه أحد قطّ إلا أحبّه. قال الواقدى: وأقام عبد المطّلب بمكّة حتّى أدرك، وخرج المطّلب بن عبد مناف تاجرا إلى أرض اليمن، فهلك بردمان من أرض اليمن، فولى عبد المطّلب بعده الرّفادة والسّقاية؛ فلم يزل ذلك بيده وهو يطعم «2» الحاجّ ويسقيهم فى حياض الأدم حتى حفر زمزم، فترك السّقى فى الحياض، وسقاهم من زمزم، وكان يحمل الماء من زمزم إلى عرفة فيسقيهم. والله أعلم.
ذكر حفر عبد المطّلب زمزم وما وجد فيها
قال محمد بن إسحاق بن يسار رحمه الله بسند رفعه إلى علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه قال «3» : قال عبد المطّلب؛ إنى لنائم فى الحجر، إذ أتانى آت فقال: احفر طيبة «4» قال: قلت: وما طيبة؟ قال: ثم ذهب عنى؛ فلمّا كان الغد رجعت إلى مضجعى فنمت فيه، فجاءنى فقال «5» : احفر زمزم، قال: قلت وما زمزم؟ قال: لا تنزف «6» أبدا ولا تذمّ «7» ، تسقى الحجيج الأعظم، وهى بين الفرث
والدّم، عند نقرة الغراب الأعصم «1» ، عند قرية النمل «2» . قال «3» : فلما بيّن له شأنها، ودلّ على موضعها، وعرف أنه قد صدق، غدا بمعوله «4» ، ومعه ابنه الحارث، وليس «5» له يومئذ ولد غيره فحفر، فلمّا بدا لعبد المطّلب الطى «6» كبّر، فعرفت قريش أنه قد أدرك حاجته، فقاموا إليه فقالوا: يا عبد المطّلب، إنّها بئر أبينا إسماعيل، وإن لنا فيها حقّا، فأشركنا معك فيها، قال: ما أنا بفاعل، إن هذا الأمر قد خصصت به دونكم، وأعطيته من بينكم، قالوا له: فأنصفنا، فإنا غير تاركيك حتى نخاصمك فيها، قال: فاجعلوا بينى وبينكم من شئتم أحاكمكم إليه، قالوا: كاهنة بنى سعد بن هذيم «7» ، قال نعم. وكانت بمعان «8» من أشراف الشّام فركب عبد المطّلب ومعه نفر من بنى أبيه من بنى عبد مناف، وركب «9» من كل قبيلة من قريش نفر
والأرض إذ ذاك مفاوز، فخرجوا «1» حتى إذا كانوا ببعض تلك المفاوز بين الحجاز والشّام، فنى ماء عبد المطّلب وأصحابه، فظمئوا حتى أيقنوا بالهلكة، فاستسقوا من معهم من قبائل قريش فأبوا عليهم، وقالوا: إنّا بمفازة، ونحن نخشى على أنفسنا مثل ما أصابكم؛ فلما رأى عبد المطّلب ما صنع القوم، وما يتخوّف على نفسه وأصحابه قال: ماذا ترون؟ قالوا: ما رأينا إلا تبع رأيك «2» ، فمرنا بما شئت، قال: فإنى أرى أن يحفر كلّ رجل منكم حفرته لنفسه بما بكم الآن من القوّة، فكلّما مات رجل دفعه أصحابه فى حفرته ثم واروه، حتى يكون آخركم رجلا [واحدا «3» ] فيموت ضيعة «4» ، فضيعة رجل واحد أيسر من ضيعة ركب جميعا، قالوا: نعم ما أمرت به. فقام كل رجل «5» منهم فحفر حفرته، ثم قعدوا ينتظرون الموت عطشا؛ ثم إن عبد المطّلب قال لأصحابه: والله إن إلقاءنا بأيدينا هكذا للموت عجز «6» ، ألا نضرب فى الأرض، ونبتغى لأنفسنا؟ فعسى الله أن يرزقنا ماء ببعض البلاد. ارتحلوا! فارتحلوا حتى إذا فرغوا، ومن معهم من قبائل قريش ينظرون إليهم ما هم فاعلون، تقدّم عبد المطّلب إلى ناقته «7» فركبها، فلمّا انبعثت به انفجرت من تحت خفّها عين [من «8» ] ماء عذب، فكبّر عبد المطّلب وكبر أصحابه، ثم نزل فشرب، وشرب أصحابه،
واستقوا حتى ملأوا أسقيتهم، ثم دعا القبائل من قريش فقال: هلموا «1» إلى الماء، فقد سقانا الله، فاشربوا واستقوا، فجاءوا فشربوا واستقوا ثم قالوا: قد والله قضى لك علينا يا عبد المطّلب، والله لا نحاصمك فى زمزم أبدا، إن الذى سقاك هذا الماء بهذه الفلاة لهو الذى سقاك زمزم، فارجع إلى سقايتك راشدا، فرجع ورجعوا معه، ولم يصلوا إلى الكاهنة، وخلّوا بينه وبينها.
هذا أحد ما قيل فى حفر زمزم.
وفى رواية أخرى: أنه قيل له: احفر زمزم، إنك إن حفرتها لم تندم، وهى تراث من أبيك الأعظم، لا تنزف أبدا ولا تذمّ، تسقى الحجيج «2» الأعظم، مثل نعام جافل «3» لم يقسم. ينذر فيها ناذر لمنعم، تكون ميراثا وعقدا محكم، ليست كبعض ما قد تعلم، وهى بين الفرث والدّم «4» .
قال ابن إسحاق «5» : فزعموا أنه حين قيل له ذلك قال: فأين «6» هى؟ قيل له عند قرية النّمل، حيث ينقر الغراب غدا. فغدا «7» عبد المطّلب ومعه ابنه الحارث، فوجد قرية النّمل، ووجد الغراب ينقر عندها بين الوثنين: إساف ونائلة «8» اللّذين كانت قريش تنحر عندهما ذبائحها، فجاء بالمعول، وقام ليحفر حيث أمر، فقامت
إليه قريش حين رأوا جدّه فقالوا: والله لا نتركك تحفر بين وثنينا هذين اللذين ننحر عندهما؛ فقال عبد المطّلب لابنه الحارث: ذد عنّى حتى أحفر، فو الله لأمضينّ لما أمرت به، فلمّا عرفوا أنه غير نازع «1» خلّوا بينه وبين الحفر وكفّوا عنه، فلم يحفر إلا يسيرا حتّى بدا له الطّىّ، فكبّر وعرف أنه قد صدق، فلما تمادى به الحفر وجد فيها غزالين «2» من ذهب، وهما الغزالان اللذان دفنت جرهم فيها حين خرجت من مكّة، ووجد فيها سيوفا قلعيّة «3» وأدراعا، فقالت له قريش: لنا معك فى هذا شرك»
وحقّ، قال: لا. ولكن هلم إلى أمر نصف «5» بينى وبينكم؛ نضرب عليها بالقداح «6» ، قالوا: وكيف نصنع؟ قال: أجعل للكعبة قدحين، ولى قدحين، ولكم قدحين، فمن خرج قدحاه على شىء كان له، ومن تخلّف قدحاه فلا شىء له، قالوا: أنصفت، فجعل قدحين أصفرين للكعبة، وقدحين أسودين له، وقدحين أبيضين لقريش، ثم أعطوها صاحب القداح الذى يضرب بها عند هبل، وهبل صنم فى جوف الكعبة، وهو أعظم أصنامهم «7» ، وقام عبد المطّلب يدعو، وضرب «8» صاحب
القداح، فخرج الأصفران على الغزالين [للكعبة «1» ] ، وخرج الأسودان على الأسياف والأدراع لعبد المطّلب، وتخلّف قدحا قريش؛ فضرب عبد المطّلب الأسياف بابا للكعبة، وضرب فى الباب الغزالين «2» ، فكان أول ذهب حلّيته الكعبة. وقيل إنه جعل القفل والمفتاح من ذهب الغزالين «3» . وعن محمّد بن عمرو بن واقد قال: كانت جرهم «4» حين أحسّوا بالخروج من مكة دفنوا غزالين وسبعة أسياف قلعيّة، وخمسة أذراع [سوابغ «5» ] ، فوجدها عبد المطّلب.
هذا خبر حفر زمزم وما وجد فيها، وقد تقدّم ذكر سبب خبر ردمها فى أثناء أخبار قصىّ بن كلاب؛ فلنذكر من أخبار عبد المطّلب خلاف ذلك. والله الموفق للصواب.
ذكر خبر استسقاء عبد المطّلب لبنى قيس عيلان «6» وهذيل ومن معهم
حكى الزّبير بن بكّار فى أنساب قريش وبنى هاشم، وبنى عبد المطّلب قال:
روى إبراهيم بن محمد الشافعى عن أبيه، عن الوليد بن خالد المخزومىّ، عن سعد بن حذافة الجمحىّ، عن محمد بن عطية العوفى، عن رجل من هذيل قال: قحطت بلاد
قيس، وأجدبت فلم تصبهم سماء يعقد بها الثّرى، ولا ينبت بها الكلأ، فذاب الشّحم، وذهب اللحم، وتهافتوا ضرّا وهزلا، فاجتمعوا للمشورة وإجالة الرأى، وقد عزموا على الرّحلة وانتجاع البلاد، فقالت فرقة منهم: انتجعوا بلاد سعد وبطن العشر «1» ، وقالت فرقة أخرى: إنّ تميما عدد. كثير لا يفضل منهم ما يكفيكم، وقالت فرقة أخرى: لينتجع كلّ ولد أب منكم ولد أب من غيركم، واعقدوا معهم حلفا تشركونهم به فى ربعهم «2» ؛ فقام رجل حسن الوجه، مجتمع الخلق، جيّد الرأى، فقال: يا بنى عيلان «3» ، إنكم قد أصبحتم فى أمر ليس بالهزل؛ هذا أمر عظيم خطره، متباعد أمره؛ قد بلغنا أن عبد المطّلب بن هاشم سيّد البطحاء استسقى فسقى، ودعا فأجيب، واستجير به فأجار، فاجعلوا قصدكم إليه، ووفادتكم عليه، فإن ذلك أوكد للسّبب، وأوجه فى الطّلب. قالوا: أحسن الرّأى، فرحلت قيس وهذيل، ومن دنا منهم حتّى أتوا عبد المطّلب، فقالوا: أفلح الوجه أبا الحارث! نحن ذووا أرحامك الواشجات «4» ، أصابتنا سنون مجدبات، أهزلن السّمين، وأنفدن «5» المعين، وقد بلغنا خبرك، وبان لنا «6» أمرك، وكلاما نحو هذا.
فقال: موعدكم جبل عرفات، ثم خرج فى بنيه وبنى أميّة حتى أتى جبل عرفات، فصعد الجبل فقال: الّلهم ربّ الريح العاصف، والرّعد القاصف، والبرق الخاطف، منشىء السّحاب، ومالك الرّقاب، ذى المنن العظام، والأيادى الجسام؛ هذه مضر