الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر ما ورد فى رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم ربّه تبارك وتعالى، ومناجاته له، وكلامه ودنوّه وقربه من ربّه عز وجل، ومن جوّز ذلك ومن منعه، وما قيل فى مشكل حديث الدّنوّ والقرب
أما الرؤية فقد اختلف السلف فى رؤيته صلى الله عليه وسلم لربّه عز وجل، فأنكرته عائشة.
روى عن مسروق أنه قال لعائشة رضى الله عنها: يا أمّ المؤمنين، هل رأى محمد ربّه؟ فقالت: لقد قف «1» شعرى مما قلت؛ ثلاث من حدّثك بهنّ فقد كذب، [من حدّثك أن محمدا رأى ربّه فقد كذب «2» ] ثم قرأت (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ)
«3» الآية [ثم ذكر الحديث «4» ] . وقالت جماعة بقول عائشة، وهو المشهور عن ابن مسعود.
ومثله عن أبى هريرة: إنما رأى جبريل، واختلف عنه. وقال بإنكار هذا وامتناع رؤيته فى الدنيا [جماعة «5» ] من المحدّثين والفقهاء والمتكلّمين.
وعن ابن عباس رضى الله عنهما أنه رآه بعينه. وروى عطاء عنه: رآه بقلبه، وعن أبى العالية [عنه «6» ] رآه بفؤاده مرتين.
وذكر ابن إسحاق: أن ابن عمر رضى الله عنهما أرسل إلى ابن عباس رضى الله عنهما يسأله: هل رأى محمد ربّه؟ قال: نعم، والأشهر [عنه «7» ] أنه رأى ربه بعينيه. وقال: إن الله اختص موسى بالكلام، وإبراهيم بالخلّة، ومحمدا بالرؤية.
وحجته قوله: (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى. أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى. وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) .
وقال الماوردىّ: قيل إنّ الله تعالى قسم كلامه ورؤيته بين موسى ومحمد، فرآه محمّد مرتين، وكلّمه موسى مرتين.
وحكى أبو الفتح الرازىّ، وأبو الليث السّمرقندىّ ذكرها «1» عن كعب. وروى عبد الله بن الحارث، قال: اجتمع ابن عباس وكعب، فقال ابن عباس: أمّا نحن بنى هاشم فنقول: إنّ محمدا قد رأى ربه مرتين، فكبر كعب حتى جاوبته الجبال، وقال: إنّ الله قسم رؤيته وكلامه بين موسى ومحمد، فكلمه موسى، ورآه محمد بقلبه.
وحكى السّمرقندىّ عن محمد بن كعب القرظىّ، وربيع بن أنس: أن النبىّ صلى الله عليه وسلم قال: «رأيت ربى» - وذكر كلمة- فقال: «يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى» . الحديث.
وحكى عبد الرزاق أن الحسن كان يحلف بالله لقد رأى محمد ربه، وحكاه أبو عمر الطّلمنكىّ عن عكرمة، وحكى بعض المتكلمين هذا المذهب عن ابن مسعود، وحكى ابن إسحاق أن مروان سأل أبا هريرة: هل رأى محمد ربه؟ فقال: نعم.
وحكى النقّاش عن أحمد بن حنبل أنه قال: أنا أقول بحديث ابن عباس، بعينه رآه رآه، حتى انقطع نفس أحمد.
وقد اختلف فى تأويل الآية عن ابن عباس وعكرمة والحسن وابن مسعود، فحكى عن ابن مسعود، وعكرمة: رآه بقلبه.
وعن الحسن وابن مسعود: رأى جبريل. وعن ابن عطاء فى قوله تعالى:
(أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ)
«2» ، قال: شرح صدره للرؤية، وشرح صدر موسى للكلام.
وقال أبو الحسن على بن إسماعيل الأشعرىّ وجماعة من أصحابه: إنه رأى الله ببصره وعينى «1» رأسه وقال: كل آية أوتيها نبىّ من الأنبياء عليهم السلام فقد أوتى مثلها نبيّنا، وخص من بينهم بتفضيل الرؤية.
قال القاضى أبو الفضل عياض بن موسى رحمه الله: والحق الذى لا امتراء فيه أن رؤيته تعالى فى الدنيا جائزة عقلا، وليس فى العقل ما يحيلها، والدليل على جوازها فى الدنيا سؤال موسى عليه السلام لها، ومحال أن يجهل نبىّ ما يجوز على الله تعالى وما لا يجوز عليه، بل لم يسأل إلا جائزا غير مستحيل، ولكن وقوعه ومشاهدته من الغيب الذى لا يعلمه إلا من علّمه الله، فقال له الله تعالى:(لَنْ تَرانِي)
أى لن تطيق ولا تحتمل رؤيتى، ثم ضرب له مثالا بما هو أقوى من نبيّه موسى وأثبت وهو الجبل. قال: وكل هذا ليس فيه ما يحيل رؤيته فى الدنيا، بل فيه جوازها على الجملة، وليس فى الشرع دليل قاطع على استحالتها ولا امتناعها، إذ كل موجود فرؤيته جائزة غير مستحيلة.
قال: ولا حجة لمن يستدلّ على منعها بقوله: (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ)
لاختلاف التأويلات فى الآية، وقد استدل بعضهم بهذه الآية نفسها على جواز الرؤية، وعدم استحالتها على الجملة. وقد قيل:(لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ)
، أى لا تحيط به، وهو قول ابن عباس، وقد قيل:(لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ)
. وإنما يدركه المبصرون.
قال: وكل هذه التأويلات لا تقتضى منع الرؤية ولا استحالتها، وحيث تتطرّق التأويلات وتتسلط الاحتمالات، فليس للقطع سبيل، وكذلك وجوب الرؤية لنبينا صلى الله عليه وسلم، والقول بأنه رآه بعينه. فليس فيه قاطع أيضا ولا نصّ، إذ المعوّل فيه على آيتى النجم، والتنازع فيهما مأثور، والاحتمال لهما ممكن، ولا أثر قاطع متواتر عن النبىّ صلى الله عليه وسلم بذلك. والله تعالى أعلم بالصواب.
وأما المناجاة والكلام والقرب والدنوّ وما جاء من الكلام على مشكل هذا الحديث؛ فقد اختلف فى الوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء بقوله: (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى)
، وهل كان ذلك الوحى بواسطة أو بغير واسطة؟ فأكثر المفسرين على أن الموحى الله إلى جبريل، وجبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. [فذكر عن «1» ] جعفر بن محمد الصادق، قال: أوحى الله إليه بلا واسطة. ونحوه عن الواسطى، وإليه ذهب بعض المتكلمين وحكوه عن ابن مسعود وابن عباس، وأنكره آخرون. وحكى النقاش عن ابن عباس عنه عليه السلام فى قوله تعالى:(دَنا فَتَدَلَّى)
، قال:«فارقنى جبريل، وانقطعت الأصوات عنى فسمعت كلام ربى، وهو يقول: ليهدأ روعك يا محمد، ادن ادن» . وقد تقدم ذكر حديث الأذان، وقول الملك: الله أكبر الله أكبر، فقيل من وراء الحجاب: صدق عبدى، أنا أكبر، أنا أكبر.
وقد احتجوا بقوله تعالى: (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ)
«2» ، فقالوا: هى ثلاثة أقسام؛ من وراء حجاب كتكليم موسى، وبإرسال الملائكة كحال جميع الأنبياء، وأكثر أحوال نبينا صلى الله عليه وسلم، الثالث قوله:(وَحْياً)
. قالوا: ولم يبق من تقسيم صور الكلام إلا المشافهة مع المشاهدة، وقد قيل: الوحى هنا ما يلقيه فى قلب النبىّ صلى الله عليه وسلم دون واسطة، وكلام الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم ومن اختصه من أنبيائه جائز غير ممتنع.
وأما قوله تعالى: (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى. فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى)
فأكثر المفسرين أن الدنوّ والتدلّى منقسم ما بين محمد وجبريل عليهما السلام، أو مختص
بأحدهما من الاخر، أو من سدرة المنتهى. وقال ابن عباس: هو محمد دنا فتدلى من من ربه. وقيل: معنى دنا قرب، وتدلّى: زاد فى الفرب، وقيل: هما بمعنى واحد أى قرب. وحكى مكىّ والماوردىّ عن ابن عباس، هو الربّ دنا من محمد فتدلى إليه، أى أمره وحكمه. وحكى النقاش عن الحسن، قال: دنا من عبده محمد صلى الله عليه وسلم، فقرب منه فأراه ما شاء أن يريه من قدرته وعظمته.
قال وقال ابن عباس: هو مقدّم ومؤخر، تدلّى الرفرف «1» لمحمد صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج، فجلس عليه، ثم رفع فدنا من ربه. وفى الصحيح عن أنس بن مالك:
وعن محمد بن كعب: هو محمد دنا من ربه، فكان قاب قوسين. وقال جعفر ابن محمد: أدناه ربه منه، حتى كان منه كقاب قوسين، قال جعفر: والدنوّ من الله لا حدّ له، ومن العباد بالحدود. وقال أيضا: انقطعت الكيفية عن الدنو، ألا ترى كيف حجب جبريل عن دنوّه، ودنا محمد إلى ما أودع قلبه من المعرفة والإيمان فتدلّى بسكون قلبه إلى ما أدناه، وزال عن قلبه الشك والارتياب! وقد تكلموا على مشكل هذا الحديث، فقال القاضى عياض رحمه الله: اعلم أن ما وقع من إضافة الدنوّ والقرب هنا من الله وإلى الله فليس بدنوّ مكان ولا قرب مدى، بل كما ذكرنا «2» عن جعفر الصادق ليس بدنوّ حدّ، وإنما دنوّ النبىّ صلى الله عليه وسلم من ربه، وقربه منه إبانة عظيم منزلته، وتشريف رتبته، وإشراق أنوار معرفته، ومشاهدة أسرار غيبه وقدرته، ومن الله تعالى له مسرة وتأنيس، وبسط