الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر خبر مفروق بن عمرو وأصحابه وما أجابوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم عند دعائه قبائل العرب
روى الشيخ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقى بسنده عن عبد الله بن عباس، قال: حدّثنى «1» علىّ بن أبى طالب رضى الله عنهم من فيه، قال: لما أمر الله تبارك وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يعرض نفسه على قبائل العرب خرج وأنا معه وأبو بكر رضى الله عنه، فدفعنا إلى مجلس من مجالس العرب، فتقدّم أبو بكر، وكان مقدّما فى كل خير، وكان رجلا نسابة، فسلم وقال: ممن القوم؟ قالوا من ربيعة، قال: وأى ربيعة أنتم؟ من هامها «2» أم من لهازمها؟ فقالوا: بل من الهامة العظمى، [فقال أبو بكر: وأىّ هامتها العظمى «3» ] أنتم؟ قالوا: من ذهل الأكبر، قال: منكم عوف الذى يقال «4» [له] : «لا حرّ بوادى عوف» ؟ قالوا:
لا، قال: فمنكم جسّاس بن مرّة، حامى الذمار، ومانع الجار؟ قالوا: لا، قال:
فمنكم بسطام بن قيس، أبو اللواء، ومنتهى الأحياء؟ قالوا: لا، قال: فمنكم الحوفزان «5» قاتل الملوك، وسالبها أنفسها؟ قالوا: لا، قال: فمنكم المزدلف «6» صاحب العمامة الفردة، قالوا: لا؛ قال: فمنكم أخوال الملوك من كندة؟ قالوا: لا.
قال فمنكم أصهار الملوك من لخم؟ قالوا: لا. قال أبو بكر: فلستم من ذهل الأكبر، أنتم من ذهل الأصغر. قال: فقام إليه غلام من بنى شيبان يقال له دغفل حين بقل «1» وجهه، فقال:
إنّ على سائلنا أن نسأله
…
والعبء لا نعرفه أو نحمله
يا هذا، إنك قد سألتنا فأخبرناك، ولم نكتمك شيئا، فمن الرجل؟ قال أبو بكر:
أنا من قريش، فقال الفتى: بخ بخ! أهل الشرف والرياسة، فمن أىّ القرشيين أنت؟
قال: من ولد تيم بن مرة. فقال الفتى: أمكنت والله الرّامى من سواء الثّغرة، أمنكم قصىّ الذى جمع القبائل من فهر؟ فكان يدعى فى قريش مجمعا؟ قال: لا، قال: فمنكم هاشم الذى هشم الثريد لقومه، ورجال مكة مسنتون عجاف «2» ؟ قال: لا، قال: فمنكم شيبة الحمد عبد المطلب، مطعم طير السماء، الذى كأنّ وجهه القمر يضىء فى الليلة الداجية؟ قال: لا، قال: فمن أهل الإفاضة بالناس أنت؟ قال: لا، قال: فمن أهل الحجابة أنت؟ قال: لا، قال: فمن أهل السقاية أنت؟ قال:
لا، قال: فمن أهل الندوة أنت؟ قال: لا، قال: لا، قال: فمن أهل الرّفادة أنت؟ قال:
لا، واجتذب أبو بكر زمام ناقته راجعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الغلام:
صادف درّ السيل درءا «3» يدفعه
…
يهيضه حينا وحينا يصرعه
أما والله لو شئت لأخبرتك من قريش، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال علىّ: فقلت: يا أبا بكر؛ لقد وقعت من الأعراب على باقعة «1» ، قال: أجل يا أبا الحسن، «ما من طامّة إلا وفوقها طامّة» ، و «البلاء موكل بالمنطق» .
قال: ثم دفعنا إلى مجلس آخر عليهم السكينة والوقار، فتقدّم أبو بكر فسلم وقال:
ممن القوم؟ قالوا: من شيبان بن ثعلبة، فالتفت أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: بأبى وأمى هؤلاء غرر الناس! وفيهم مفروق بن عمرو، وهانئ بن قبيصة، والمثنى بن حارثة، والنعمان بن شريك، وكان مفروق قد غلبهم جمالا ولسانا، وكانت له غديرتان تسقطان على تربيتيه «2» ، وكان أدنى القوم مجلسا، فقال أبو بكر: كيف العدد فيكم؟ فقال مفروق: إنا لنزيد على ألف، ولن تغلب ألف من قلة، فقال أبو بكر: فكيف المنعة فيكم؟ قال مفروق: علينا الجهد، ولكل قوم جدّ؛ فقال أبو بكر: فكيف الحرب بينكم وبين عدوكم؟ فقال مفروق: إنا لأشدّ ما نكون غضبا حين نلقى، وإنا لأشدّ ما نكون لقاء حين نغضب، وإنا لنؤثر الجياد على الأولاد، والسلاح على اللّقاح «3» ، والنصر من عند الله، يديلنا مرة، ويديل علينا أخرى، لعلّك أخو قريش؟ فقال أبو بكر: قد بلغكم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألا هو ذا، قال مفروق: بلغنا أنه يذكر ذلك، وإلام تدعو يا أخا قريش؟
فتقدّم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس، وقام أبو بكر يظلّه بثوبه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأن محمدا عبده ورسوله، وإلى أن تأوونى وتنصرونى، فإنّ قريشا قد ظاهرت على أمر الله، وكذبت رسله، واستغنت بالباطل عن الحق، والله هو الغنىّ الحميد» .
فقال مفروق بن عمرو: وإلام تدعونا يا أخا قريش؟ فو الله ما سمعت كلاما أحسن من هذا، فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم:(قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ)
إلى قوله: (وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)
«1» ، فقال مفروق: وإلام تدعونا يا أخا قريش؟
فو الله ما هذا من كلام أهل الأرض، قال: فتلا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ)
، إلى قوله:(لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)
، «2» فقال مفروق:
دعوت والله يا أخا قريش إلى مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، ولقد أفك «3» قوم كذبوك وظاهروا «4» عليك- وكأنه أحب أن يشركه فى الكلام هانئ بن قبيصة فقال:
وهذا هانئ شيخنا وصاحب ديننا. قال هانئ: قد سمعت مقالتك يا أخا قريش، وإنى أرى إن تركنا ديننا واتبعناك على دينك بمجلس جلسته إلينا ليس له أوّل ولا آخر، إنه زلل فى الرأى، وقلة نظر فى العاقبة، وإنما تكون الزلّة مع العجلة، ومن ورائنا قوم نكره أن نعقد عليهم عقدا، ولكن ترجع ونرجع، وتنظر وننظر فى العاقبة، وكأنه أحب أن يشركه المثنى بن حارثة، فقال: وهذا المثنّى شيخنا وصاحب حربنا، فقال المثنّى: قد سمعت مقالتك يا أخا قريش، والجواب فيه جواب هانئ بن قبيصة فى تركنا ديننا، ومشايعتك على دينك، وإنا إنما نزلنا بين صيرين «5» : اليمامة والسّمامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ما هذان الصّيران» ؟. فقال: أنهار كسرى ومياه العرب، فأمّا ما كان من أنهار كسرى؛ فذنب صاحبه غير مغفور، وعذره