الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى أن سفك بعضهم دماء بعض، ففزع حلماؤهم إلى كاهن لهم رجوا أن يكون عنده المخرج مما نزل بهم، فقال الكاهن:«أقسم بالسماء ذات الأبراج، والأرض ذات الأدراج، والريح ذات العجاج، والبحار ذات الأمواج، والجبال ذات الفجاج، إنّ هذا الإمراج والارتجاج، للقاح ذو نتاج» ؛ قالوا: وما نتاجه؟
قال: «ظهور نبىّ صادق، بكتاب ناطق، وحسام والق «1» » ، قالوا: أين يظهر؟
وإلام يدعو؟ قال: «يظهر بصلاح؛ ويدعو إلى الفلاح، ويعطّل القداح، وينهى عن الرّاح والسّفاح، وعن كل أمر قباح» ؛ قالوا: ممن هو؟ قال: «من ولد الشيخ الأكرم، حافر زمزم، ومطعم الطير الحوّم، والسباع الصوّم» ؛ قالوا: وما اسمه؟
قال: «اسمه محمد، وعزّه سرمد، وخصمه مكمد» .
فهذه جملة كافية من أخبار الكهّان. فلنذكر ما نطق به الجانّ من أجواف الأصنام، وما سمع من الهواتف، والله المستعان.
وأما من بشّر به عليه الصلاة والسلام من الجانّ
الذين نطقوا من أجواف الأصنام وما سمع من العتائر.
فمن ذلك ما روى عن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما فى سبب إسلام عمر
،
وأنه كان قد ضمن لقريش قتل النبىّ صلى الله عليه وسلم، وخرج لذلك، فمرّ بقوم من خزاعة وقد اعتمدوا صنما لهم يريدون أن يتحاكموا إليه، فقالوا لعمر: ادخل لتشهد الحكم، فدخل معهم، فلما مثلوا بين يدى الصّنم سمعوا هاتفا من جوفه يقول «2» :
يأيها الناس ذوو الأجسام
…
ما أنتم وطائش الأحلام «3»
ومسند «1» الحكم إلى الأصنام
…
أصبحتم كراتع الأنعام
أما ترون ما أرى أمامى
…
من ساطع يجلو دجى الظلام
قد لاح للناظر من تهام
…
وقد بدا للناظر الشآمى
محمد ذو البرّ والإكرام
…
أكرمه الرحمن من إمام
قد جاء بعد الشّرك بالإسلام
…
يأمر بالصلاة والصيام
والبرّ والصّلات للأرحام
…
ويزجر الناس عن الآثام
فبادروا سبقا إلى الإسلام
…
بلا فتور وبلا إحجام
قال: فتفرّق القوم عن الصنم ولم يحضره يومئذ أحد إلّا أسلم؛ ثم ذكر ابن عباس انطلاق عمر إلى منزل أخته على ما نذكر ذلك أو نحوه عند ذكرنا إسلام عمر رضى الله عنه.
قال: ثم خرج لقصد النبىّ صلى الله عليه وسلم، فلقيه رجال من بنى سليم «2» قد تنافروا إلى صنم لهم ليحكم بينهم اسمه الضّمار «3» ، فدعوا عمر إلى الدخول معهم إليه ففعل، فلما وقفوا بين يدى الصّنم سمعوا هاتفا من جوفه يقول:
أودى الضّمار وكان يعبد مرة «4»
…
قبل الكتاب وقبل بعث محمد
إن الذى ورث النبوّة والهدى
…
بعد ابن مريم من قريش مهتدى
سيقول من عبد الضّمار ومثله
…
ليت الضّمار ومثله لم يعبد
أبشر أبا حفص بدين صادق
…
تهدى إليه بالكتاب المرشد
واصبر أبا حفص قليلا إنه
…
يأتيك عن فرق أعزّ بنى عدى
لا تعجلنّ فأنت ناصر دينه
…
حقّا يقينا باللسان وباليد
قال: فعجب القوم منه ونكّسه عمر، وغيّر الله ما فى صدره من عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومنه ما روى أن وائل بن حجر وكان ملكا مطاعا «1» ، وكان له صنم من العقيق الأحمر يعبده ويحبّه حبّا شديدا، ولم يكن يكلّم منه، إلا أنه كان يرجو ذلك، فيكثر له السجود، ويعتر له العتائر، فبينا هو نائم فى الظهيرة أيقظه صوت منكر من المخدع الذى فيه الصّنم، فقام من مضجعه وأتاه فسجد أمامه، فإذا قائل «2» يقول:
يا عجبا «3» لوائل بن حجر
…
يخال يدرى وهو ليس يدرى
ماذا يرجّى من نحيت صخر
…
ليس بذى عرف ولا ذى نكر
ولا بذى نفع ولا ذى ضرّ
…
لو كان ذا حجر أطاع أمرى «4»
قال وائل: فرفعت رأسى واستويت جالسا، ثم قلت: قد أسمعت أيها الناصح، فماذا «5» تأمرنى؟ فقال:
ارحل إلى يثرب ذات النّخل
…
وسر إليها سير مشمعلّ
تدن بدين «6» الصائم المصلّى
…
محمد المرسل «7» خير الرسل