الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما شكواه؟ قال: طبّ- يعنى «1» سحر- قال: ومن فعله؟ قال: لبيد بن أعصم اليهودىّ، قال: ففى أى شىء جعله؟ قال: فى طلعة، قال: فأين وضعها؟
قال: فى بئر ذروان تحت صخرة، قال: فما شفاؤه؟ قال تنزح البئر، وترفع الصخرة وتستخرج الطّلعة. وارتفع الملكان؛ فبعث النبى صلى الله عليه وسلم إلى علىّ وعمّار فأمرهما أن يأتيا الرّكىّ فيفعلا الذى سمع، فأتياها وماؤها كانه قد خضب بالحنّاء فنزحاها، ثم رفعا الصخرة فأخرجا طلعة، فإذا فيها إحدى عشرة عقدة، ونزلت هاتان السورتان:(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)
و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)
، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما قرأ آية انحلت عقدة، حتى انحلت العقد، وانتشر نبىّ الله صلى الله عليه وسلم للنساء والطعام والشراب.
وجاء فى حديث آخر أن جبريل وميكائيل عليهما السلام أخبرا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشأن السّحر، وأنه صلى الله عليه وسلم أخذ لبيدا، فاعترف فعفا عنه، روى عفوه عنه عن غير واحد؛ قال عكرمة: ثم [كان «2» ] يراه بعد عفوه فيعرض عنه. وحيث ذكرنا حديث السّحر فلا بأس أن نصله بالكلام على مشكله.
والله أعلم بالصواب.
ذكر الكلام على مشكل حديث السّحر
وقد تكلم القاضى عياض بن موسى بن عياض على هذا الحديث فقال: هذا الحديث صحيح متفق على صحته، وقد طعنت فيه الملحدة، وتذرّعت به لسخف عقولها، وتلبيسها على أمثالها إلى التشكيك فى الشّرع، وقد نزّه الله الشّرع والنبى صلى الله عليه وسلم عما يدخل فى أمره لبسا، وإنما السّحر مرض من الأمراض
وعارض من العلل يجوز عليه كأنواع الأمراض، مما لا ينكر ولا يقدح فى نبوته، وأما ما ورد أنه كان يخيل إليه أنه فعل الشىء ولا يفعله، فليس فى هذا ما يدخل عليه داخلة «1» فى شىء من تبليغه وشريعته، ويقدح فى صدقه؛ لقيام الدليل والإجماع على عصمته من هذا، وإنما هذا فيما يجوز طروّه عليه فى أمر دنياه التى يبعث بسببها، ولا فضّل من أجلها، وهو فيها عرضة للافات كسائر البشر، فغير بعيد أن يخيّل إليه من أمورها ما لا حقيقة له، ثم يتجلى عنه كما كان.
وأيضا فقد فسّر هذا الحديث الآخر من قوله: «حتى يخيّل إليه أنه يأتى أهله ولا يأتيهنّ» . وقد قال سفيان «2» : وهذا أشدّ ما يكون من السحر، ولم يأت فى خبر منها أنه نقل عنه فى ذلك قول، بخلاف ما أخبر أنه فعله ولم يفعله، وإنما كانت خواطر وتخيلات. وقد قيل: إن المراد بالحديث أنه كان يتخيل لشىء أنه فعله، وما فعله لكنه تخييل لا يعتقد صحته، فتكون اعتقاداته كلها على السّداد، وأقواله على الصحة. قال: هذا ما وقفت عليه لأئمتنا من الأجوبة عن هذا الحديث.
قال: لكنه قد ظهر لى فى هذا الحديث تأويل أجلى وأبعد من مطاعين ذوى الأضاليل يستفاد من نفس الحديث، وهو أن عبد الرزاق قد روى هذا الحديث عن ابن المسيّب، وعروة بن الزبير، وقال فيه عنهما: سحر يهود بنى زريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلوه فى بئر حتى كاد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينكر بصره «3» . ثم دلّه الله على ما صنعوا، فاستخرجه من البئر.
فقد استبان لك من مضمون هذه الروايات أن السحر إنما يسلّط على ظاهره وجوارحه، لا على قلبه واعتقاده وعقله، وأنه إنما أتى فى بصره، وحبسه عن وطء