الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قالوا: ومعنى صاحب القضيب: السّيف، وقع ذلك مفسّرا فى الإنجيل؛ قال: معه قضيب من حديد يقاتل به، وأمّته كذلك «1» ؛ وأما الهراوة التى وصف بها، فهى فى اللّغة العصا، ولعلها القضيب الممشوق الذى انتقل إلى الخلفاء «2» ؛ وأما صاحب التاج، فالمراد به العمامة، ولم تكن حينئذ إلا للعرب.
وكانت كنيته المشهورة أبا القاسم، وعن أنس أنه لما ولد له إبراهيم، جاءه جبريل فقال: السلام عليك يأبا إبراهيم «3» .
ذكر مراضع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإخوته من الرّضاعة، وما ظهر من معجزاته فى زمن رضاعه وحال طفوليته صلى الله عليه وسلم
قال محمد بن عمر بن واقد الأسلمى: أوّل من أرضع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثويبة «4» ، وهى جارية أبى لهب، أرضعته بلبن ابنها مسروح «5» أياما قبل أن تقدم حليمة السّعدية، وكانت قد أرضعت قبله عمه حمزة بن عبد المطلب، وأرضعت بعده أبا سلمة بن عبد الله بن عبد الأسد المخزومى؛ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلها وهو بمكّة، وكانت خديجة تكرمها وهى يومئذ مملوكة، وطلبت إلى أبى لهب أن تبتاعها منه لتعتقها فأبى أبو لهب، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أعتقها أبو لهب، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث إليها
بصلة وكسوة، حتى جاء خبرها أنها قد ماتت سنة سبع عند مرجعه من خيبر، فقال:
ما فعل ابنها مسروح؟ فقيل: مات قبلها ولم يبق من قرابتها أحد.
ثم أرضعته حليمة بنت أبى ذؤيب، وأبو ذؤيب عبد الله بن الحارث بن شجنة «1» ، ابن جابر بن رزام بن ناصرة «2» بن فصيّة «3» بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن ابن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان «4» بن مضر؛ واسم أبيه الذى أرضعه «5» : الحارث بن عبد العزّى بن رفاعة بن ملّان بن ناصرة؛ ويقال هلال «6» بن ناصرة بن فصيّة بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن.
وإخوته من الرضاعة منها: عبد الله بن الحارث، وأنيسة بنت الحارث، وحذافة «7» بنت الحارث وهى الشّيماء «8» ، وكانت الشّيماء تحضن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أمها.
قال أبو عبد الله محمد بن إسحاق «9» كانت حليمة بنت أبى ذؤيب تحدّث أنها خرجت من بلدها مع زوجها وابن لها ترضعه فى نسوة من بنى سعد بن بكر تلتمس الرّضعاء
قال الواقدى: إنهن كنّ عشرا، قالت: فى سنة شهباء «1» لم تبق شيئا «2» ، فخرجت على أتان.
لى قمراء «3» معنا شارف «4» لنا، والله ما تبصّ «5» بقطرة، وما تنام لنا ليلتنا أجمع مع صبيّنا الذى معى «6» من بكائه من الجوع، ما فى ثديىّ ما يغنيه، وما فى شارفنا ما يغذّيه، ولكنا نرجو «7» الغيث والفرج، فخرجت على أتانى تلك، فلقد أذمّت «8» بالرّكب حتى شقّ ذلك عليهم ضعفا وعجفا «9» حتى قدمنا مكة، فما منّا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه إذا قيل لها إنه يتيم، وذلك أنا كنا «10» نرجو المعروف من أبى الصّبىّ؛ فكنا نقول: يتيم، ما عسى أن تصنع أمّه وجدّه؟ فما بقيت امرأة قدمت معى إلا أخذت رضيعا غيرى، فلما أجمعنا الانطلاق قلت لصاحبى: والله إنى لأكره أن أرجع من بين صواحبى ولم آخذ رضيعا، والله لأذهبنّ «11» إلى ذلك اليتيم فلآخذنّه؛ قال: لا عليك أن تفعلى، عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة. قالت «12» : فذهبت إليه فأخذته، وما حملنى على أخذه إلا أنى لم أجد غيره؛ فلما أخذته رجعت به إلى رحلى، فلما وضعته فى حجرى، أقبل عليه ثدياى بما شاء الله من لبن، فشرب حتى روى، وشرب معه
أخوه حتى روى، ثم ناما، وما كنا ننام معه قبل ذلك، وقام زوجى إلى شارفنا تلك فإذا بها حافل، فحلب منها ما شرب وشربت، حتى انتهينا ريّا وشبعا، فبتنا بخير ليلة.
قالت: يقول صاحبى حين أصبحنا: تعلمى والله يا حليمة لقد أخذت نسمة مباركة، قالت: قلت والله إنى لأرجو ذلك، قالت: ثم خرجنا فركبت أتانى وحملته عليها معى، فو الله لقطعت بالرّكب ما يقدر عليها شىء «1» من حمرهم، حتى إن صواحبى ليقلن لى: ويحك يا بنت أبى ذؤيب [ويحك «2» ] ! اربعى «3» علينا. أليست هذه أتانك التى كنت خرجت عليها؟ فأقول لهن: بلى والله! إنها لهى هى، فيقلن: والله إن لها لشأنا. قالت: ثم قدمنا منازلنا من بلاد بنى سعد، وما أعلم أرضا من أرض الله أجدب منها، فكانت غنمى تروح على حين قدمنا به معنا شباعا لبّنا، فنحلب ونشرب، وما يحلب إنسان قطرة لبن وما يجدها «4» فى ضرع حتى كان الحاضر «5» من قومنا يقولون لرعيانهم: ويلكم! اسرحوا حيث يسرح راعى بنت أبى ذؤيب، قالت: فلم نزل نتعرّف من الله الزيادة والخيرة حتى مضت سنتاه وفصلته، وكان يشبّ شبابا لا يشبه الغلمان، فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلاما جفرا «6» ، قالت: فقدمنا به على أمه ونحن أحرص شىء على مكثه فينا لما كنّا نرى من بركته، فكلّمنا أمّه. وقلت لها: لو تركت بنىّ عندى حتى يغلظ، فإنى أخشى عليه وباء مكة، قالت: فلم تزل «7» به حتى ردّته معنا فرجعنا به
فو الله إنه بعد مقدمنا بأشنهر مع أخيه لفى بهم «1» لنا خلف بيوتنا إذ أتانا أخوه يشتدّ «2» ، فقال لى ولأبيه: ذاك أخى القرشىّ قد أخذه رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاه فشقّا بطنه، فهما يسوطانه «3» ، قالت «4» : فخرجت أنا وأبوه نحوه، فوجدناه قائما منتقعا «5» وجهه، فالتزمته والتزمه أبوه، فقلنا: مالك يا بنىّ؟ قال:
جاءنى رجلان عليهما ثياب بيض، فأضجعانى فشقّا بطنى، فالتمسا فيه شيئا لا أدرى ما هو؟ قالت: فرجعنا إلى خبائنا، فقال لى أبوه: يا حليمة، لقد خشيت أن يكون هذا الغلام قد أصيب، فألحقيه بأهله قبل أن يظهر ذلك به، قالت: فاحتملناه فقدمنا به على أمّه، فقالت: ما أقدمك يا ظئر وقد كنت حريصة عليه وعلى مكثه عندك؟ فقلت: قد بلغ الله بابنى، وقضيت الذى علىّ، وتخوّفت الأحداث عليه، فأدّيته عليك «6» كما تحبيّن، قالت: ما هذا شأنك فاصدقينى خبرك! فلم تدعنى حتى أخبرتها؛ قالت: أفتخوّفت عليه الشيطان؟ قلت نعم. قالت كلّا والله! ما للشيطان عليه من سبيل، وإن لبنىّ لشأنا، أفلا أخبرك خبره؟ قلت: بلى! قالت: رأيت حين حملت به أنه خرج منّى نور أضاء له قصور بصرى «7» من من أرض الشام، ثم حملت به، فو الله ما رأيت من حمل قطّ كان أخفّ ولا أيسر منه، ووقع حين ولدته وإنه لواضع يديه بالأرض، ورافع رأسه إلى السّماء؛ دعيه عنك وانطلقى راشدة.
هكذا نقل ابن هشام فى سيرته عن ابن إسحاق.
وقال محمد بن سعد فى كتابه المترجم بالطّبقات عن الواقدىّ: كان عمره يوم شقّ بطنه أربع سنين، وإن حليمة أتت به أمّه آمنة بنت وهب وأخبرتها خبره وقالت: إنا لا نردّه إلّا على جدع أنفنا؛ ثم رجعت به أيضا، فكان عندها سنة أو نحوها، لا تدعه يذهب مكانا بعيدا، ثم رأت غمامة تظلّه، إذا وقف وقفت، وإذا سار سارت، فأفزعها ذلك من أمره، فقدمت به إلى أمّه لتردّه وهو ابن خمس سنين، فأضلّها «1» فى الناس، فالتمسته فلم تجده، فأتت عبد المطّلب فأخبرته، فالتمسه فلم يجده، فقام عند الكعبة فقال:
لا همّ ردّ راكبى محمّدا
…
اردده ربّى واصطنع عندى يدا
أنت الذى جعلته لى عضدا
…
لا يبعد الدهر به فيبعدا
أنت الذى سمّيته محمّدا
قال ابن اسحاق «2» : يزعمون أنه وجده ورقة بن نوفل بن أسد ورجل آخر من قريش، فأتيا به عبد المطّلب، فقالا: هذا ابنك وجدناه بأعلى مكّة، فأخذه عبد المطلب فجعله على عنقه وهو يطوف بالكعبة يعوّذه ويدعو له، ثم أرسل به إلى أمّه آمنة.
وعن خالد بن معدان الكلاعىّ «3» : أنّ نفرا من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم قالوا له: يا رسول الله! أخبرنا عن نفسك، قال: نعم. أنا دعوة أبى إبراهيم، وبشرى عيسى «4» ورأت أمى حين حملت بى أنه خرج منها نور أضاء لها قصور الشام، واسترضعت فى بنى سعد بن بكر، فبينما أنا مع أخ لى خلف بيوتنا نرعى بهما لنا، إذ أتانى رجلان
عليهما ثياب بيض بطست من ذهب مملوءة ثلجا، فأخذانى فشقّا بطنى، ثم استخرجا «1» قلبى فشقّاه، فاستخرجا منه علقة سوداء فطرحاها، ثم غسلا بطنى وقلبى بذلك الثّلج حتى أنقياه، ثم قال أحدهما لصاحبه: زنه بعشرة من أمّته، فوزننى بهم فوزنتهم، ثم قال: زنه بمائة من أمّته، فوزننى بهم فوزنتهم، ثم قال: زنه بألف من أمّته، فوزننى بهم فوزنتهم، فقال: دعه عنك، فلو وزنته بأمّته لوزنها.
قال محمد بن إسحاق «2» : وحدّثنى بعض أهل العلم أن مما هاج أمّه السّعدية على ردّه إلى أمه، مع ما ذكرت لأمه مما أخبرتها عنه، أن نفرا من الحبشة نصارى رأوه معها حين رجعت به بعد فطامه، فنظروا إليه وسألوها عنه وقلّبوه ثم قالوا لها: لنأخذنّ هذا الغلام فلنذهبن به إلى ملكنا وبلدنا، فإن هذا غلام كائن له شأن نحن نعرف أمره، فلم تكد تنفلت به منهم.
ونقل محمد بن سعد «3» : أن آمنة أمّ النبى صلى الله عليه وسلم لمّا دفعته لحليمة السعديّة قالت لها: احفظى ابنى، وأخبرتها بما رأت، فمرّ بها اليهود فقالت:
ألا تحدّثونى عن ابنى هذا؟ فإنّى حملته كذا، ووضعته كذا، ورأيت كذا، كما وصفت آمنة «4» ، فقال بعضهم لبعض: اقتلوه! ثم قالوا: أيتيم هو؟ فقالت: لا. هذا أبوه وأنا أمه، فقالوا: لو كان يتيما لقتلناه «5» ، قالت: فذهبت به.
وحضنته صلى الله عليه وسلم أمّ أيمن [بركة «6» ] الحبشيّة حتى كبر، فأعتقها وزوّجها زيد بن حارثة، فولدت له أسامة بن زيد؛ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ورثها من أبيه. والله أعلم.