الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحيث ذكرنا ما ذكرنا من أخبار المنافقين، فلنذكر أخبار يهود، ونجمع ما تفرق منها على نحو ما تقدّم.
ذكر شىء من أخبار يهود الذين نصبوا العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أنزل فيهم من القرآن
قال: لما أظهر الله تعالى دينه، واطمأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، اجتمع إليه إخوانه من المهاجرين والأنصار، واستحكم أمر الإسلام، نصبت احبار يهود العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بغيا وحسدا، مع تحققهم نبوته، وصحة رسالته، وأنه الذى نص الله تعالى عليه فى التوراة؛ فكانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتعنّتونه، وهم من بنى النضير: حيىّ بن أخطب، وأخواه أبو ياسر وحدىّ، وسلام بن مشكم، وكنانة بن الربيع بن أبى الحقيق، والربيع ابن الربيع بن أبى الحقيق، وعمرو بن جحاش، وكعب بن الأشرف، والحجاج بن عمرو حليف كعب بن الأشرف، وكردم بن قيس حليفه أيضا. ومن بنى ثعلبة بن الفطيون «1» - ويقال فيه الفطيوس- عبد الله بن صوريا الأعور، وهو أعلم أهل زمانه بالحجاز بالتوراة، وابن صلوبا، ومخيريق، وكان حبرهم. ومن بنى قينقاع: زيد بن الصّليت- ويقال فيه اللّصيت- وسعد بن حنيف، ومحمود بن سيحان، وعزيز ابن أبى عزيز، وعبد الله بن صيف- ويقال ابن ضيف- وسويد بن الحارث، ورفاعة بن قيس، وفنحاص، وأشيع، ونعمان بن أضا، وبحرىّ بن عمرو، وشاس ابن عدىّ بن قيس، وزيد بن الحارث، ونعمان بن عمرو، وسكين بن أبى سكين، وعدىّ بن زيد، ونعمان بن أبى أوفى، أبو أنس، ومحمود بن دحية، ومالك بن صيف، وكعب بن راشد، وعازر، ورافع بن أبى رافع، وخالد، وأزار بن
أبى أزار- ويقال فيه: آزر بن أبى آزر- ورافع بن حارثة، ورافع بن خارجة، ومالك بن عوف، ورفاعة بن زيد، وعبد الله بن سلام بن الحارث؛ وكان حبرهم وأعلمهم، وكان اسمه الحصين، فلما أسلم سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله.
ومن بنى قريظة الزبير بن باطا بن وهب، وعزّال بن سموال، وكعب ابن أسد. وشمويل بن زيد، وجبل بن عمرو، والنّحّام بن زيد، وقردم بن كعب، ووهب بن زيد، ونافع بن أبى نافع، وأبو نافع، وعدىّ بن زيد، والحارث بن عوف، وكردم بن زيد، وأسامة بن حبيب، ورافع بن رميلة، وجبل بن أبى قشير، ووهب بن يهوذا.
ومن يهود بنى زريق لبيد بن أعصم الساحر. ومن يهود بنى الحارثة: كنانة ابن صوريا. ومن يهود بنى عمرو بن عوف قردم بن عمرو. ومن يهود بنى النجار:
سلسلة بن برهام؛ هؤلاء أحبار يهود، وأهل العداوة لله تعالى ولرسوله، لم يستثن منهم إلا عبد الله بن سلام ومخيريق، فإنهما أسلما. والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع.
ذكر إسلام عبد الله بن سلام «1» ، ومخيريق
أمّا عبد الله بن سلام فإنه كان عالما حبرا من أحبار يهود؛ حكى محمد بن إسحاق عن خبر إسلامه رواية عن بعض أهله عنه قال: لما سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم عرفت صفته وإسلامه وزمانه الذى كنا نتوكّف «2» له، فكنت مسرّا لذلك صامتا عليه، حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة،
فلما نزل بقباء فى بنى عمرو بن عوف أقبل رجل حتى أخبر بقدومه، وأنا على رأس نخلة أعمل فيها، وعمتى خلدة «1» بنت الحارث تحتى جالسة، فلما سمعت الخبر كبّرت؛ فقالت عمتى حين سمعت تكبيرى: خيبك الله! والله لو كنت سمعت بموسى بن عمران قادما ما زدت. قال: قلت لها: أى عمة، هو والله أخو موسى بن عمران وعلى دينه، بعث بما بعث به؛ قالت: أى ابن أخى، هذا النبى الذى كنا نخبر به أنه يبعث مع نفس الساعة؟ قلت نعم؛ قالت: فذاك إذا؛ قال: ثم خرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت؛ فلما رجعت إلى أهل بيتى فأمرتهم فأسلموا، وكتمت إسلامى من يهود، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إنّ يهود قوم بهت «2» ، وإنى أحبّ أن تدخلنى بعض بيوتك فتغيّبنى عنهم، ثم تسألهم عنى حتى يخبروك كيف أنا فيهم قبل أن يعلموا بإسلامى، فإنهم إن علموا به بهتونى؛ قال: فأدخلنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض بيوته، ودخلوا عليه فكلموه وساءلوه ثم قال لهم:«أىّ رجل الحصين بن سلام فيكم» ؟ فقالوا: سيدنا وابن سيدنا وعالمنا؛ فلما فرغوا من قولهم خرجت عليهم فقلت لهم: يا معشر يهود، اتقوا الله واقبلوا ما جاءكم به، فو الله إنكم لتعلمون أنه لرسول الله تجدونه مكتوبا عندكم فى التوراة باسمه وصفته، فإنى أشهد أنه رسول الله، وأو من به، وأصدقه وأعرفه؛ فقالوا: كذبت، ثم وقعوا بى، فقلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ألم أخبرك يا رسول الله أنهم قوم بهت، أهل غدر وكذب وفجور؛؟ قال: وأظهرت إسلامى وإسلام أهل بيتى، وأسلمت عمتى خلدة بنت الحارث فحسن إسلامها.
وأمّا مخيريق- قال ابن إسحاق: كان حبرا عالما، وكان غنيا كثير الأموال من النخل، وكان يعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفته وما يجد فى علمه، وغلب عليه إلف دينه، فلم يزل على ذلك، حتى إذا كان يوم أحد وهو يوم السبت، قال: يا معشر يهود، والله إنكم لتعلمون أنّ نصر محمد عليكم لحقّ؛ قالوا: إنّ اليوم يوم السبت، قال: لا سبت لكم، ثم أخذ سلاحه فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بأحد، وعهد إلى من وراءه من قومه: إن قتلت فى هذا اليوم فأموالى لمحمد يصنع فيها ما أراه الله؛ فلما اقتتل الناس قاتل حتى قتل، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حكى يقول:«مخيريق خير يهود» ، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أمواله، فعامّة صدقات رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة منها.
قال: وكان مما أنزل الله تعالى فى أمر اليهود صدرا من سورة البقرة، من ذلك قوله تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)
«1» أى إنهم قد كفروا بما عندك من ذكر لهم، وجحدوا ما أخذ عليهم من الميثاق لك، فقد كفروا بما جاءك، وبما عندهم مما جاءهم به غيرك، فكيف يستمعون منك إنذارا أو تحذيرا! وقوله:(خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ)
أى عن الهدى لن يصيبوه أبدا، (وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ)
«2» أى بما هم عليه من خلافك.
وقوله تعالى: (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ. وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ. وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ
وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)
«1» ، أى لا تكتموا ما عندكم من المعرفة برسولى وبما جاء به، وأنتم تجدونه عندكم فيما تعلمون من الكتب التى بأيديكم.
ثم قال الله تعالى: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ)
«2» أى تنهون الناس عن الكفر بما عندكم من التوراة، وتتركون أنفسكم، وأنتم تكفرون بما فيها من عهدى إليكم فى تصديق رسولى، وتنقضون ميثاقى، وتجحدون ما تعلمون من كتابى. [ثم «3» ] عدّد عليهم أحداثهم فيما سلف، فذكر لهم العجل، وقولهم لموسى:(أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً)
«4» وصعقتهم عند ذلك، ثم إحياء الله لهم وإظلالهم بالغمام، وإنزاله عليهم المنّ والسّلوى، وقوله لهم:(ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ)
«5» أى قولوا ما آمركم به أحطّ به ذنوبكم عنكم؛ وتبديلهم ذلك، إلى ما ذكره الله تعالى من أخبارهم مع موسى.
ثم قال الله تعالى والخطاب لنبيه صلى الله عليه وسلم ولمن معه من المؤمنين:
(أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)
«6» قال الفريق الذى أخبر الله عنهم أنهم كانوا يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعدما عقلوه؛ وهم الذين قالوا لموسى صلى الله عليه وسلم:
يا موسى، قد حيل بيننا وبين رؤية ربنا، فأسمعنا كلامه حين يكلمك، فطلب موسى ذلك من ربه لهم، فقال تعالى: مرهم فليتطهّروا ويطهّروا ثيابهم ويصوموا، ففعلوا، ثم خرج بهم حتى أتى الطور، فلما غشيهم الغمام أمرهم موسى فوقعوا سجودا وكلمه ربه، فسمعوا كلامه يأمرهم وينهاهم، حتى عقلوا ما سمعوا، ثم انصرف بهم موسى إلى بنى إسرائيل، فلما جاءهم حرّف فريق ممن سمع ما أمرهم به، وقالوا
حين قال موسى لبنى إسرائيل: إنّ الله قد أمركم بكذا وكذا، قال ذلك الفريق:
إنما قال كذا وكذا خلافا لما قال الله تعالى لهم، فهم الذين عنى الله تعالى. ثم قال:
(وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا)
«1» أى بصاحبكم رسول الله، ولكنه إليكم خاصة.
وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا: لا تحدّثوا العرب بهذا، فإنكم قد كنتم تستفتحون به عليهم، فأنزل الله تعالى:(وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ)
«2» أى تقرون بأنه نبىّ، وهو يخبرهم أنه النبىّ الذى كنا ننتظره ونجده فى كتابنا، اجحدوه فلا تقرّوا لهم به، قال الله تعالى:(أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ. وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ)
«3» أى إلا تلاوة؛ والأمىّ هو الذى يقرأ ولا يكتب، معناه أنهم لا يعلمون الكتاب فلا يدرون ما فيه، فهم يجحدون نبوّتك بالظن. وقوله تعالى:
(وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ)
«4» قال ابن عباس رضى الله عنهما: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة واليهود تقول: إنما مدة الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنما يعذّب الله تعالى الناس فى النار بكل ألف سنة من ايام الدنيا يوما واحدا فى النار من أيام الآخرة، وإنما هى سبعة أيام، ثم ينقطع العذاب، فأنزل الله تعالى ذلك، ثم قال:(بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ)
أى من عمل مثل أعمالكم، وكفر بمثل ما كفرتم به، حتى يحيط كفره بما له من حسنة (فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ)
«5» . ثم قال تعالى يذمّهم: (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ
بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ)
«1» أى تركتم ذلك كله. (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ)
«2» .
قال ابن إسحاق: أفررتم على أنّ هذا حقّ من ميثاقى عليكم، (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ)
«3» ، أى أهل الشرك، حتى يسفكوا دماءهم معهم، ويخرجوهم من ديارهم معهم، (وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ)
وقد عرفتم أن ذلك عليكم فى دينكم، (وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ)
أى أتفادونهم مؤمنين بذلك وتخرجونهم كفارا بذلك (فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ.
أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ)
«4» فأنبهم بذلك من فعلهم، وقد حرّم عليهم فى التوراة سفك دمائهم، وافترض عليهم فيها فداء أسرائهم فكانوا فريقين، منهم بنو قينقاع ولفّهم «5» حلفاء الخزرج، والنّضير وقريظة، ولفّهم حلفاء الأوس، وكانوا إذا كانت بين الأوس والخزرج حرب خرجت بنو قينقاع مع الخزرج، وخرجت بنو النّضير وقريظة مع الأوس يظاهر كلّ واحد من الفريقين حلفاءه على إخوانه حتى يتسافكوا دماءهم بينهم، وبأيديهم
التوراة يعرفون منها ما عليهم وما لهم، والأوس والخزرج أهل شرك يعبدون الأوثان، لا يعرفون جنة ولا نارا، ولا بعثا ولا قيامة، ولا كتابا، ولا حلالا ولا حراما، فإذا وضعت الحرب [أوزارها «1» ] افتدوا أساراهم تصديقا لما فى التوراة وأخذا به، يفتدى بنو قينقاع ما كان من أسراهم فى أيدى الأوس، [و «2» ] يفتدى بنو النّضير وقريظة ما كان فى أيدى الخزرج منهم، ويطلّون «3» ما أصابوا من الدماء، وقتلى من قتلوا منهم فيما بينهم، مظاهرة لأهل الشرك عليهم؛ يقول الله تعالى:(أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ)
«4» أى تفاديه بحكم التوراة وتقتله، وفى حكم التوراة:
ألا تفعل: [تقتله «5» ] ، وتخرجه من داره، وتظاهر عليه من يشرك بالله ويعبد الأوثان ابتغاء عرض الدنيا. ثم قال:(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ)
أى الآيات التى كانت له من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله، والخبر بكثير من الغيوب مما يأكلون وما يدّخرون فى بيوتهم، ثم ذكر كفرهم بذلك كله، فقال:(أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ)
«6» ثم قال:
(وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ. وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ)
«7» ؛ وذلك أنهم كانوا يقولون للأنصار لما كانوا على جاهليتهم: إنّ نبيا يبعث الآن قد أظلّ زمانه، نتبعه، فنقتلكم معه قتل عاد وإرم، فلما بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم اتبعه الأنصار