الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مات عبد الله بن أبىّ بن سلول المنافق، وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يصلّ بعدها على منافق؛ لقوله تعالى:(وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ)
«1» الآية.
وفيها ماتت أمّ كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفيها نعى رسول الله صلى الله عليه وسلم النجاشىّ فى اليوم الذى مات فيه بالحبشة، قيل:
فى شهر رجب. وفيها أسلم كعب بن زهير. والله أعلم بالصواب.
ذكر إسلام كعب بن زهير بن أبى سلمى وامتداحه رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان سبب إسلامه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف عن الطائف كتب أخوه بجير بن زهير إليه يخبره أن النبى صلى الله عليه وسلم قتل رجلا بمكة ممن كان يهجوه ويؤذيه، وأن من بقى من شعراء قريش كابن الزّبعرى، وهبيرة بن أبى وهب قد هربوا فى كل وجه، فإن كانت لك فى نفسك حاجة فطر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لا يقتل أحدا جاءه تائبا، وإن أنت لم تفعل فابح إلى نجائك من الأرض. وكان كعب قد كتب إلى أخيه بجير لمّا بلغه إسلامه:
ألا أبلغا عنّى بجيرا رسالة
…
فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا؟
شربت مع المأمون كأسا رويّة
…
فأنهلك المأمون منها وعلّكا «2»
وخالفت أسباب الهدى واتّبعته
…
على أىّ شىء ويب غيرك دلّكا «3»
على خلق لم تلف أمّا ولا أبا
…
عليه ولم تدرك عليه أخا لكا
ويروى:
على خلق لم تلف يوما أبا له
…
عليه وما تلفى عليه أبا لكا
فإن أنت لم تفعل فلست بآسف
…
ولا قائل إمّا عثرت: لعّا لكا «1» !
وبعث بها إليه، فلما أتت بجيرا كره أن يكتمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم [لما سمع «2» ] قوله «سقاك بها المأمون» :«صدق وإنه لكذوب، [أنا المأمون «3» ] » ولما سمع قوله «على خلق لم تلف أمّا ولا أبا عليه» قال: « [أجل «4» ] لم يلف عليه أباه ولا أمه» فكتب بجير إلى كعب:
من مبلغ كعبا فهل لك فى التى
…
تلوم عليها باطلا وهى أحزم
إلى الله- لا العزّى ولا اللّات- وحده
…
فتنجو إذا كان النّجاء وتسلم
لدى يوم لا ينجو وليس بمفلت
…
من الناس إلا طاهر القلب مسلم
فدين زهير وهو لا شىء دينه
…
ودين أبى سلمى علىّ محرّم
قال: فلما بلغ كعبا كتاب أخيه ضاقت به الأرض، وأشفق على نفسه، وأرجف به من كان فى حاضره «5» من عدوّه، فقالوا: هو مقتول، فقال قصيدته التى يمدح فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر فيها خوفه، وإرجاف الوشاة به من عدوّه، وخرج حتى قدم المدينة، فنزل على رجل كانت بينه وبينه معرفة من جهينة، فغدا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صلّى الصبح فصلّى معه، ثم أشار الجهنىّ لكعب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: هذا رسول الله فقم إليه فاستأمنه، فقام حتى جلس إليه، فوضع يده فى يده، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا يعرفه، فقال: يا رسول الله إنّ كعب بن زهير قد جاء ليستأمن منك تائيا مسلما، فهل أنت قابل منه إن أنا جئتك به؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«نعم» فقال: أنا يا رسول الله كعب بن زهير، فوثب رجل من الأنصار وقال: يا رسول الله، دعنى وعدوّ الله أضرب عنقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«دعه عنك، فإنه قد جاء تائبا نازعا «1» » . قال: فغضب كعب على هذا الحىّ من الأنصار لما صنع به صاحبهم، وأنشد كعب قصيدته؛ وهى:
بانت سعاد فقلبى اليوم متبول
…
متيّم عندها لم يجز مكبول «2»
وما سعاد غداة البين إذ برزت
…
إلا أغنّ غضيض الطّرف مكحول «3»
هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة
…
لا يشتكى قصر منها ولا طول «4»
تجلو عوارض ذى ظلم إذا ابتسمت
…
كأنّه منهل بالرّاح معلول «5»
شجّت بذى شبم من ماء محنية
…
صاف بأبطح أضحى وهو مشمول «6»
تنفى الرّياح القذى عنه وأفرطه
…
من صوب غادية بيض يعاليل «7»
ويل أمّها خلّة لو أنّها صدقت
…
بوعدها أو لو أنّ النّصح مقبول «1»
لكنها خلّة قد سيط من دمها
…
فجع وولع وإخلاف وتبديل «2»
فما تقوم على حال تكون به
…
كما تلوّن فى أثوابها الغول «3»
كانت مواعيد عرقوب لها مثلا
…
وما مواعيدها إلّا الأباطيل «4»
وما تمسّك بالعهد التى زعمت
…
إلّا كما يمسك الماء الغرابيل «5»
أرجو وآمل أن يعجلن فى أبد
…
وما لهنّ إخال الدهر تعجيل «6»
فلا يغرنك ما منّت وما وعدت
…
إنّ الأمانىّ والأحلام تضليل
أمست سعاد بأرض ما يبلّغها
…
إلا العتاق النّجيبات المراسيل «7»
ولا يبلّغها إلا عذافرة
…
فيها على الأين إرقال وتبغيل «8»
من كل نضّاخة الذّفرى إذا عرقت
…
عرضتها طامس الأعلام مجهول «1»
ترمى النّجاد بعينى مفرد لهق
…
إذا توقّدت الحزّان والميل «2»
ضخم مقلّدها فعم مقيّدها
…
فى خلقها عن بنات الفحل تفضيل «3»
حرف أخوها أبوها من مهجّنة
…
وعمّها خالها قوداء شمليل «4»
يمشى القراد عليها ثم يزلقه
…
منها لبان وأقراب زهاليل «5»
عيرانة قذفت بالنّحض من عرض
…
مرفقها عن بنات الزّور مفتول «6»
قنواء فى حرّتيها للبصير بها
…
عتق مبين وفى الخدّين تسهيل «1»
كأنّ ما فات عينيها ومذبحها
…
من خطمها ومن اللّحيين برطيل «2»
تمرّ مثل عسيب النّخل ذا خصل
…
فى غارز لم تخوّنه الأحاليل «3»
تهوى على يسرات وهى لاهية
…
ذوابل وقعهنّ الأرض تحليل «4»
سمر العجايات يتركن الحصى زيما
…
لم يقهنّ سواد الأكم تنعيل «5»
يوما يظلّ به الحرباء مرتبئا
…
كأنّ ضاحيه فى النار مملول «6»
وقال للقوم حاديهم وقد جعلت
…
بقع الجنادب يركضن الحصى قيلوا «7»
كأنّ أوب ذراعيها وقد عرقت
…
وقد تلفّع بالقور العساقيل «1»
أوب يدى فاقد شمطاء معولة
…
قامت فجاوبها نكد مثاكيل «2»
نوّاحة رخوة الضّبعين ليس لها
…
لما نعى بكرها الناعون معقول «3»
تفرى اللّبان بكفّيها ومدرعها
…
مشقّق عن تراقيها رعابيل «4»
تسعى الوشاة بجنبيها وقولهم
…
إنك يابن أبى سلمى لمقتول «5»
وقال كلّ صديق كنت آمله
…
لا ألهينّك إنّى عنك مشغول «6»
فقلت خلّوا طريقى لا أبا لكم
…
فكلّ ما قدّر الرحمن مفعول
كلّ ابن أنثى وإن طالت سلامته
…
يوما على آلة حدباء محمول «7»
نبّئت أنّ رسول الله أوعدنى
…
والعفو عند رسول الله مأمول
مهلا هداك الذى أعطاك نافلة ال
…
قرآن فيها مواعيظ وتفصيل «8»
لا تأخذنّى بأقوال الوشاة ولم
…
أذنب ولو كثرت فىّ الأقاويل
لقد أقوم مقاما لو يقوم به
…
أرى وأسمع ما لو يسمع الفيل
لظلّ ترعد من وجد بوادره
…
إن لم يكن من رسول الله تنويل «1»
حتى وضعت يمينى ما أنازعها
…
فى كفّ ذى نقمات قوله القيل «2»
فلهو أخوف عندى إذ أكلّمه
…
وقيل إنّك منسوب ومسئول «3»
من ضيغم بضراء الأرض مخدره
…
فى بطن عثّر غيل دونه غيل «4»
يغدو فيلحم ضرغامين عيشهما
…
لحم من الناس معفور خراذيل «5»
إذا يساور قرنا لا يحلّ له
…
أن يترك الفرن إلّا وهو مفلول «6»
منه تظلّ حميرا الجوّ نافرة
…
ولا تمشّى بواديه الأراجيل «7»
ولا يزال بواديه أخو ثقة
…
مطرّح البزّ والدّرسين مأكول «1»
إنّ الرسول لنور يستضاء به
…
مهنّد من سيوف الله مسلول «2»
أغرّ أبلج يستسقى الغمام به
…
كأنّ طلعته فى الليل قنديل «3»
فى عصبة من قريش قال قائلهم
…
ببطن مكة لمّا أسلموا زولوا «4»
زالوا فما زال أنكاس ولا كشف
…
عند اللّقاء ولا ميل معازيل «5»
يمشون مشى الجمال الزّهر يعصمهم
…
ضرب إذا عرّد السّود التّنابيل «6»
شمّ العرانين أبطال لبوسهم
…
من نسج داود فى الهيجا سرابيل «7»
بيض سوابغ قد شكّت لها حلق
…
كأنّها حلق القفعاء مجدول «8»
ليسوا مفاريح إن نالت رماحهم
…
قوما وليسوا مجازيعا إذا نيلوا
لا يقع الطّعن إلّا فى نحورهم
…
وما لهم عن حياض الموت تهليل «1»
قال ابن إسحاق: فلما قال كعب فى قصيدته: «إذا عرّد السّود التنابيل» ، وإنما أراد معشر الأنصار، وخصّ المهاجرين من قريش بمدحته، غضبت الأنصار عليه، فقال بعد ذلك يمتدح الأنصار من قصيدة له:
من سرّه كرم الحياة فلا يزل
…
فى «2» مقنب من صالحى الأنصار
ورثوا المكارم كابرا عن كابر
…
إنّ الخيار «3» هم بنو الأخيار
المكرهين السّمهرىّ بأذرع
…
كسوالف «4» الهندىّ غير قصار
والناظرين بأعين محمرّة
…
كالجمر غير كليلة الإبصار
والبائعين نفوسهم لنبيّهم
…
للموت يوم تعانق وكرار «5»
يتطهّرون «6» يرونه نسكا لهم
…
بدماء من علقوا من الكفّار
دربوا كما دربت ببطن خفيّة «7»
…
غلب الرّقاب من الأسود ضوارى
وإذا حللت ليمنعوك إليهم
…
أصبحت عند معاقل الأغفار «8»