الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بحليفه، وإن النصر للمظلوم، وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة «1» ] ، وإن الجار كالنفس غير مضارّ ولا آثم، وإنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها، وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مردّه إلى الله وإلى محمد رسول الله، وإن الله على أتقى ما فى هذه الصحيفة وأبرّه، وإنه لا تجار قريش ولا من نصرها، وإن بينهم النصر على من دهم يثرب، وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه، فإنهم يصالحونه ويلبسونه، وإنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فإنه لهم على المؤمنين، إلا من حارب فى الدين، على كل أناس «2» حصّتهم من جانبهم الذى قبلهم، وإن يهود الأوس مواليهم وأنفسهم على مثل ما لأهل هذه الصحيفة، مع البرّ المحض من أهل هذه الصحيفة- ويقال مع البر المحسن- وإن البرّ دون الإثم، لا يكسب كاسب إلا على نفسه، وإن الله على أصدق ما فى هذه الصحيفة وأبرّه، وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم ولا آثم، وإنه من خرج آمن، ومن قعد آمن بالمدينة إلا من ظلم وأثم، وإن الله جار لمن برّ واتّقى ومحمد رسول الله» .
ذكر أخبار المنافقين من الأوس والخزرج وما أنزل فيهم من القرآن
وقد رأيت أن أجمع ما فرقه أهل السير من أخبار المنافقين، وأضم بعضه إلى بعض، وأورده جملة واحدة، فإن ذلك لم يكن فى وقت واحد ولا فى سنة بعينها، بل أورده أهل السير بحسب ما وقع، وفرقوه فى الغزوات وغيرها، فآثرت جمعه فى هذا الموضع، وما كان قد وقع فى غزاة أو حادثة نبهت عليه فى موضعه على ما تقف عليه إن شاء الله تعالى.
قال محمد بن إسحاق رحمه الله: كان رجال من الأوس والخزرج ممن أسلم وهو على جاهليته، فكانوا أهل نفاق على دين آبائهم من الشرك والتكذيب بالبعثة، إلا أن الإسلام قهرهم بظهوره، واجتماع قومهم عليه، فظهروا بالإسلام، واتخذوه جنّة من القتل، ونافقوا فى السّر، وكان هواهم مع يهود؛ لتكذيبهم وجحودهم الإسلام، فكان منهم من الأوس من بنى عمرو بن عوف، ثم من بنى لوذان بن عمرو بن عوف:
زوىّ بن الحارث، ومن بنى حبيب بن عمرو: جلاس بن سويد بن صامت، وأخوه الحارث بن سويد، قال: وجلاس هو الذى قال عند تخلفه عن غزوة تبوك: لئن كان هذا الرجل صادقا لنحن شرّ من الحمير، فرفع ذلك من قوله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمير بن سعد، وكان فى حجر جلاس خلف على أمه بعد أبيه، فلما تكلم جلاس بهذا قال له عمير: والله يا جلاس، إنك لأحبّ الناس إلىّ، وأحسنهم عندى يدا، وأعزّهم علىّ أن يصيبه شىء يكرهه، ولقد قلت مقالة لئن رفعتها عليك لأفضحنّك، ولئن صمتّ عليها ليهلكن دينى، ولإحداهما أيسر علىّ من الأخرى، ثم مشى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ما قال، فحلف جلاس لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالله لقد كذب علىّ عمير، وما قلت ما قال، فأنزل الله تعالى فيه:(يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ)
«1» ، قال ابن إسحاق: فزعموا أنه تاب فحسنت توبته حتى عرف منه الإسلام والخير. والله أعلم بالصواب.
وأما أخوه الحارث بن سويد فإنه قتل المجذّر بن ذياد البلوىّ فى يوم أحد ولحق بقريش، وكان المجذّر قتل سويد بن صامت فى بعض الحروب التى كانت بين الأوس والخزرج، فلما كان يوم أحد قتله بأبيه. قال ابن إسحاق: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يذكرون- أمر عمر بن الخطاب رضى الله عنه بقتله إن هو ظفر به ففاته، وكان بمكة ثم بعث إلى أخيه جلاس يطلب التوبة ليرجع إلى قومه، فأنزل الله فيه- فيما حكى عن ابن عباس رضى الله عنهما:(كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)
«1» إلى آخر القصة. وكان من المنافقين من بنى ضبيعة ابن يزيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بجاد بن عثمان بن عامر. ونبتل ابن الحارث، وهو الذى قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حكى:«من أحبّ أن ينظر إلى الشيطان فلينظر إلى نبتل بن الحارث» ، وكان رجلا جسيما أدلم «2» ، ثائر شعر الرأس، أحمر العينين، أسفع «3» الخدّين، وكان يأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتحدث إليه ويسمع منه، ثم ينقل حديثه إلى المنافقين، وهو الذى قال: إنما محمد أذن، من حدثه شيئا صدقه. فأنزل الله تعالى فيه:(وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ، وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)
«4» ، وأخبر جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم به وبصفته فيما حكاه ابن إسحاق. وأبو حبيبة بن الأزعر، وكان ممن بنى مسجد الضّرار. وثعلبة بن حاطب، ومعتّب بن قشير، وهما اللذان عاهدا الله (لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ)
«5» ، ومعتّب هو الذى
قال يوم أحد: لو كان لنا من الأمر شىء ما قتلنا ها هنا، فأنزل الله تعالى فى ذلك من قوله:(وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ)
«1» إلى آخر القصة. وهو الذى قال يوم الأحزاب: كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا لا يأمن أن يذهب إلى الغائط، فأنزل الله فيه:(وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً)
«2» . والحارث بن حاطب- وقال ابن هشام: ثعلبة والحارث ابنا حاطب، هما من بنى أمية بن زيد من أهل بدر، وليسا من المنافقين- والله أعلم. ومنهم عبّاد بن حنيف أخو سهل، وبحزج؛ وهو ممن بنى مسجد الضّرار، وعمرو بن خذام، وعبد الله بن نبتل، وجارية بن عامر ابن العطّاف وابناه زيد ومجّمع؛ وهم ممن بنى مسجد الضّرار. وكان مجمّع غلاما حدثا قد جمع من القرآن أكثره، فكان يصلى بهم فيه، فلما كان فى خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه كلّم عمر فى مجمّع ليصلى ببنى عمرو بن عوف فى مسجدهم، فقال عمر: لا، أو ليس بإمام المنافقين فى مسجد الضّرار! فقال: يا أمير المؤمنين والله الذى لا إله إلا هو ما علمت بشىء من أمرهم إلا على أحسن ما ذكروا؛ فزعموا أن عمر تركه يصلى بقومه. ومن بنى أمية بن زيد بن مالك وديعة بن ثابت وهو ممن بنى مسجد الضّرار، وهو الذى قال: إنما كنا نخوض ونلعب، فأنزل الله فيه وفيمن قال بقوله:(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ)
«3» إلى آخر القصة.
ومن بنى عبيد بن زيد بن مالك خذام بن خالد، وهو الذى أخرج مسجد الضّرار من داره، وبشر ورافع ابنا زيد. ومن بنى النّبيت مربع بن قيظىّ وهو الذى قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أجاز حائطه، ورسول الله
صلى الله عليه وسلم عامد إلى أحد: لا أحلّ لك يا محمد إن كنت نبيّا أن تمرّ بحائطى، وأخذ فى يده حفنة من تراب ثم قال: والله لو أعلم أنى لا أصيب بهذا التراب غيرك لرميتك به؛ فآبتدره القوم ليقتلوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«دعوه، فهذا الأعمى أعمى القلب، أعمى البصيرة» ، وضربه سعد بن زيد بالقوس فشجّه؛ وأخوه أوس بن قيظىّ، وهو الذى قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق: إن بيوتنا عورة، فأذن لنا أن نرجع إليها، فأنزل الله تعالى فيه:(يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً)
«1» . ومن بنى ظفر- واسم ظفر كعب- حاطب بن أمية بن رافع، وبشير بن أبيرق، وهو أبو طعمة سارق الدّرعين الذى أنزل الله فيه:(وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً)
«2» . وقزمان حليف لهم. قال ابن إسحاق بسنده: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «إنه لمن أهل النار» ، فلما كان يوم أحد قاتل قتالا شديدا حتى قتل تسعة من المشركين، وأثبتته الجراحة، فحمل إلى دار بنى ظفر، فقال له رجال من المسلمين: أبشر يا قزمان، فقد أبليت اليوم، وقد أصابك ما ترى فى الله، قال:
بماذا أبشّر، والله ما قاتلت إلا حميّة عن قومى، فلما اشتدّت به جراحه أخذ سهما من كنانته، فقطع به رواهش يده فقتل نفسه. قال ابن إسحاق: ولم يكن فى بنى عبد الأشهل منافق ولا منافقة إلا أن الضحاك بن ثابت أحد بنى كعب رهط سعد بن زيد قد كان يتّهم بالنفاق وحبّ يهود. قال ابن إسحاق: وكان جلاس ابن سويد قبل توبته، ومعتب بن قشير، ورافع بن زيد، وبشر، هم الذين دعاهم رجال من قومهم من المسلمين فى خصومة كانت بينهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعوهم إلى حكّام الجاهلية فأنزل الله فيهم: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ
أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً)
«1» إلى آخر القصة. فهؤلاء الذين ذكرناهم من الأوس.
ومن الخزرج من بنى النجار رافع بن وديعة، وزيد بن عمرو، وعمرو ابن قيس، وقيس بن عمرو بن سهل. ومن بنى جشم بن الخزرج الجدّ بن قيس، وهو الذى يقول: يا محمد ائذن لى ولا تفتنّى، فأنزل الله تعالى فيه:(وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ)
«2» ؛ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال له وهو فى جهازه إلى تبوك:
«يا جدّ، هل لك العام فى جلاد بنى الأصفر» ؟ قال: يا رسول الله، أو تأذن لى ولا تفتنّى؟ فو الله لقد عرف قومى أنه ما من رجل أشد عجبا بالنساء منى، وإنى أخشى إن رأيت نساء بنى الأصفر ألا أصبر. فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:«أذنت لك» ، فأنزل الله تعالى فيه ما أنزل. ومن بنى عوف بن الخزرج عبد الله بن أبىّ بن سلول، وكان رأس المنافقين وكانوا يجتمعون إليه. قال محمد بن إسحاق: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وسيد أهلها عبد الله بن أبىّ بن سلول، لا يختلف عليه فى شرفه من قومه اثنان، لم تجتمع الأوس والخزرج قبله ولا بعده على رجل من أحد الفريقين- حتى جاء الإسلام- غيره؛ قال: ومعه رجل من الأوس هو فى قومه شريف مطاع، وهو أبو عامر عبد الله ابن عمرو بن صيفىّ بن النعمان، أحد بنى ضبيعة بن زيد، وهو أخو حنظلة الغسيل «3» وكان قد ترهّب فى الجاهلية ولبس المسوح، وكان يقال له: الراهب، فشقيا بشرفهما.
فأما عبد الله بن أبىّ فكان قومه قد نظموا له الخرز ليتوّجوه ثم يملّكوه عليهم، فجاءهم الله تعالى برسوله صلى الله عليه وسلم وهم على ذلك، فلما انصرف قومه عنه إلى الإسلام ضغن، ورأى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استلبه ملكا، فلما رأى قومه قد أبوا إلا الإسلام دخل فيه كارها مصرّا على نفاق. وقد روى عن [أسامة ابن زيد «1» ] بن حارثة قال: ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن عبادة يعوده من شكوى أصابته، على حمار عليه إكاف فوقه قطيفة فدكية مختطمة بحبل من ليف، وأردفنى صلى الله عليه وسلم خلفه، قال: فمر بعبد الله بن أبىّ بن سلول، وهو فى ظلّ مزاحم «2» أطمه، وحوله رجال من قومه، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم تذمّم «3» من أن يجاوزه حتى ينزل، فنزل فسلّم ثم جلس فتلا القرآن، ودعا إلى الله عز وجل، وذكّر بالله وحذّر وبشّر وأنذر، قال: وهو زامّ «4» لا يتكلم، حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من مقالته، قال: يا هذا، إنه لا أحسن من حديثك هذا إن كان حقّا، فاجلس فى بيتك فمن جاءك له فحدّثه إياه، ومن لم يأتك فلا تغشه به، ولا تأته فى مجلسه بما يكره منه. فقال عبد الله بن رواحة فى رجال كانوا عنده من المسلمين: بلى فاغشنا به وأتنا فى مجالسنا ودورنا وبيوتنا، فهو والله ما نحبّ، وما أكرمنا الله به وهدانا له، فقال عبد الله حين رأى من خلاف قومه ما رأى:
متى ما يكن مولاك خصمك لم تزل
…
تذلّ ويصرعك الذين تصارع
وهل ينهض البازى بغير جناحه
…
وإن جذّ يوما ريشه فهو واقع
قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل على سعد بن عبادة وفى وجهه ما قال عدوّ الله، فقال سعد: والله يا رسول الله، إنى لأرى فى وجهك شيئا؛ لكأنك