الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى العراق بما يصلحهم، وكتب إلى ملك من ملوك فارس يقال له سابور، فأسكنهم فى الحيرة، فمن بقية ولد ربيعة بن نصر النّعمان بن المنذر.
ومن ذلك ما روى أن مرثد بن عبد كلال قفل من غزاة غزاها بغنائم عظيمة
،
فوفد عليه زعماء العرب وشعراؤها وخطباؤها يهنّونه؛ فرفع الحجاب عن الوافدين، فأوسعهم عطاء، واشتدّ سروره بتقريظ الخطباء والشعراء، فبينا هو على ذلك أرى فى المنام رؤيا أخافته وذعرته وهالته فى حال منامه، فلما انتبه أنسيها حتى ما تذكّر منها شيئا، وثبت ارتياعه فى نفسه لها، فانقلب سروره حزنا، فاحتجب عن الوفود حتى أساءوا الظن به، ثم حشد الكهّان، فجعل يخلو بكاهن كاهن ثم يقول: أخبرنى عما أريد أن أسألك، فيجيبه الكاهن بأن لا علم عندى، حتى لم يدع كاهنا علمه، فتضاعف قلقه، فقالت له أمّه، وكانت قد تكهّنت: أبيت اللعن! إن الكواهن أهدى إلى ما تسأل عنه، لأن أتباع الكواهن من الجن ألطف من أتباع الكهّان، فأمر بحشر الكواهن إليه، وسألهن كما سأل الكهّان فلم يجد عند واحدة منهن علم ما أراد علمه، فلما يئس من طلبته سلا عنها؛ ثم إنه بعد ذلك ذهب يتصيّد فأوغل فى الصيد، وانفرد عن أصحابه، فرفعت له أبيات فى ذرى جبل وقد لفحه الهجير، فعدل إلى الأبيات، وقصد بيتا منها كان منفردا عنها، فبرزت إليه منه عجوز فقالت: انزل بالرّحب والسّعة، والأمن والدّعة، والجفنة المدعدعة، والعلبة المترعة، فنزل عن جواده ودخل البيت، فلما احتجب عن الشمس وخفقت عليه الأرواح نام فلم يستيقظ حتى تصرّم الهجير، فجلس يمسح عينيه فإذا بين يديه فتاة لم ير مثلها جمالا وقواما، فقالت له: أبيت اللّعن أيها الملك الهمام! هل لك فى الطعام؟ فاشتدّ إشفاقه، وخاف على نفسه لما رأى أنها قد عرفته، وتصامم عن كلمتها، فقالت له:
لا حذر، فداك البشر، فجدّك الأكبر، وحظّنا بك الأوفر، ثم قرّبت إليه ثريدا وقديدا وحيسا، وقامت تذب عنه حتى انتهى أكله ثم سقته لبنا صريفا وضريبا فشرب ما شاء، وجعل يتأمّلها مقبلة ومدبرة فملأت عينيه حسنا، وقلبه هوى، ثم قال لها: ما اسمك يا جارية؟ قالت: اسمى عفيراء، قال لها: من الذى دعوته الملك الهمام؟ قالت: مرثد العظيم الشان، الحاشر الكواهن والكهّان، لمعضلة يعلّ بها الجان، قال يا عفيراء: أتعلمين ما تلك المعضلة؟ قالت: أجل أيها الملك الهمام، إنها رؤيا منام، ليست بأضغاث أحلام، قال: أصبت يا عفيراء، فما تلك الرؤيا؟ قالت: رأيت أعاصير زوابع، بعضها لبعض تابع، فيها لهب لامع، ولها دخان ساطع، يقفوها نهر متدافع، وسمعت فيما أنت سامع، دعاء ذى جرس صادع: هلمّوا إلى المشارع، هلموا إلى المشارع، روىّ جارع، وغرق كارع.
قال الملك: أجل هذه رؤياى! فما تأويلها يا عفيراء؟ قالت: الأعاصير «1» الزوابع، ملوك تبابع، والنهر علم واسع، والداعى نبى شافع، والجارع ولىّ له تابع، والكارع عدوّله منازع. قال: يا عفيراء أسلم هذا النبىّ أم حرب؟ قالت: أقسم برافع السماء، ومنزل الماء «2» من العماء، إنه لمبطل الدماء، ومنطق العقائل نطق الإماء. قال الملك: إلام يدعو يا عفيراء؟ قالت: إلى صلاة وصيام، وصلة أرحام، وكسر أصنام، وتعطيل أزلام، واجتناب آثام. قال الملك: يا عفيراء، من قومه؟ قالت: مضر بن نزار، ولهم منه نقع مثار، يتجلّى عن ذبح وإسار، قال:
يا عفيراء: إذا ذبح قومه فمن أعضاده؟ قالت: أعضاده غطاريف يمانون، طائرهم به ميمون، يعزبهم فيعزّون «3» ، ويدمّث بهم الحزون، فإلى نصره يعتزون، فأطرق