الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حتى انتقع «1» لونه، فجاءه جبريل عليه السلام فسكّنه، فقال: خفّض عليك يا رسول الله، وجاءه من الله بجواب ما سألوه عنه:(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. اللَّهُ الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ)
«2» ، فلما تلاها عليهم قالوا: فصف لنا كيف خلقه؟ كيف ذراعه؟ كيف عضده؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد من غضبه الأول، فأتاه جبريل فقال له مثل ما قال له أول مرة، وجاءه من الله بجواب ما سألوه فقال:(وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ)
«3» ، وكانت سؤالات يهود وعنتهم وبغيهم وتحريفهم وتبديلهم كثيرة؛ قد نطق بذلك كله القرآن، وجاء بالردّ عليهم وبتكذيبهم وتفريقهم، ثم سلط الله عليهم المسلمين، وحكّم فيهم سيوفهم فقتلوهم وأجلوهم واستأصلوا شأفتهم، وأسروا وسبوا منهم، على ما نذكر ذلك إن شاء الله تعالى فى الغزوات والسرايا، فلما أيسوا وأبلسوا عمدوا إلى تخيّلات أخر من السّحر والسّم.
ذكر ما ورد من أن يهود سحروا رسول الله صلى الله عليه وسلم
قالوا: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة الحديبية سنة ست من مهاجره، ودخل المحرم سنة سبع، جاءت رؤساء يهود الذين بقوا بالمدينة ممن يظهر الإسلام وهو منافق، إلى لبيد بن الأعصم اليهودىّ حليف بنى زريق، وكان ساحرا، قد علمت ذلك يهود أنه أعلمهم بالسّحر وبالسّموم، فقالوا له: يا أبا الأعصم أنت أسحر منا، وقد سحرنا محمدا، فسحره منا الرجال والنساء فلم نصنع شيئا، وأنت
ترى أثره فينا، وخلافه ديننا، ومن قتل منا وأجلى «1» ، ونحن نجعل لك على ذلك جعلا على أن تسحره لنا سحرا ينكؤه، فجعلوا له ثلاثة دنانير على أن يسحر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فعمد إلى مشط وما يمشط من الرأس من الشعر فعقد فيه عقدا وتفل فيه تفلا، وجعله فى جفّ طلعة «2» ذكر، ثم انتهى به حتى جعله تحت أرعوفة «3» البئر، فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرا أنكره، حتى يخيّل إليه أنه يفعل الشىء ولا يفعله، وأنكر بصره حتى دلّه الله على ذلك «4» ؛ فدعا جبير ابن إياس الزّرقىّ وكان ممن شهد بدرا فدله على موضع فى بئر ذروان «5» تحت أرعوفة البئر، فخرج جبير حتى استخرجه، ثم أرسل إلى لبيد بن الأعصم، فقال:«ما حملك على ما صنعت، فقد دلنى الله على سحرك وأخبرنى بما صنعت» ؟ فقال: حبّ الدنانير يا أبا القاسم. قال محمد بن سعد، قال إسحاق بن عبد الله: فأخبرت عبد الرحمن ابن كعب بن مالك بهذا الحديث، فقال: إنما سحره بنات أعصم أخوات لبيد، وكنّ أسحر من لبيد وأخبث، وكان لبيد هو الذى ذهب به فأدخله تحت أرعوفة البئر، قال: فلما عقدوا تلك العقد أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الساعة بصره، ودسّ بنات أعصم إحداهنّ، فدخلت على عائشة فخبّرتها عائشة- أو سمعت عائشة تذكر ما أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم من بصره- ثم خرجت إلى أخواتها وإلى لبيد فأخبرتهم، فقالت إحداهنّ: إن يكن نبيا فسيخبر، وإن يك
غير ذلك فسوف يدلّهه «1» هذا السحر حتى يذهب عقله، فيكون بما نال من قومنا وأهل ديننا. فدله الله عليه:
وفى الصحيح عن عائشة أمّ المؤمنين رضى الله عنها أن النبىّ صلى الله عليه وسلم سحر «2» ، حتى كان يخيل إليه أنه يصنع الشىء ولم يصنعه، حتى إذا كان ذات يوم رأيته يدعو، فقال:«أشعرت «3» أن الله قد أفتانى فيما استفتيته «4» ، أتانى رجلان فقعد أحدهما عند رأسى، والآخر عند رجلىّ، فقال أحدهما: ما وجع الرجل؟
فقال الآخر: مطبوب «5» ، فقال: من طبّه؟ قال: لبيد بن الأعصم، قال: فيم؟
قال: فى مشط ومشاطة فى جفّ طلعة ذكر، قال: فأين هو؟ قال: فى ذى «6» ذروان» ، فآنطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رجع أخبر عائشة فقال:«كأنّ نخلها رءوس الشياطين، وكأنّ ماءها نقاعة الحنّاء» ، قالت فقلت: يا رسول الله، فأخرجه للناس، قال:«أمّا والله قد شفانى، وخشيت أن أثوّر على الناس منه شرا» «7» .
وعن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما قال: مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخّذ «8» عن النساء وعن الطعام والشراب، فهبط عليه ملكان وهو بين النائم واليقظان فجلس أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجليه؛ فقال: أحدهما لصاحبه: