الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
روى محمد بن إسحاق عن عبادة بن الصامت قال: كنت ممن حضر العقبة الأولى، وكنا اثنى عشر رجلا، فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء- وذلك قبل أن تفترض الحرب- على ألّا نشرك بالله شيئا، ولا نسرق، ولا نزنى، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتى ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيه فى معروف، فإن وفيتم فلكم الجنة، وإن غشيتم من ذلك شيئا فأخذتم بحدّه فى الدنيا فهو كفّارة له، وإن سترتم عليه إلى يوم القيامة فأمركم إلى الله؛ إن شاء عذب، وإن شاء غفر. قال: فلما انصرف عنه القوم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب ابن عمير بن هاشم بن عبد مناف، وأمره أن يقرئهم القرآن، ويعلمهم الإسلام، ويفقههم فى الدين، فكان يسمى المقرئ بالمدينة، وكان منزله على أسعد بن زرارة.
قال محمد بن سعد: ثم انصرفوا إلى المدينة، فأظهر الله الإسلام، وكان أسعد ابن زرارة يجمّع «1» بالمدينة بمن أسلم، وروى أن مصعب كان يجمّع بهم. والله أعلم.
ذكر بيعة العقبة الثالثة وهم السبعون (وترجم عليها ابن سعد بالثانية)
قال محمد بن سعد فى طبقاته الكبرى، عن محمد بن عمر بن واقد، بإسناد إلى عبادة بن الصامت، وسفيان بن أبى العوجاء، وقتادة، ويزيد بن رومان، قال الواقدى: دخل حديث بعضهم فى حديث بعض، قالوا: لما حضر الحج مشى أصحاب النبىّ صلى الله عليه وسلم الذين أسلموا بعضهم إلى بعض يتواعدون المسير إلى الحج، وموافاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإسلام يومئذ فاش بالمدينة، فخرجوا وهم سبعون يزيدون رجلا أو رجلين فى خمر «2» الأوس والخزرج،
وهم خمسمائة حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فسلّموا عليه، ثم وعدهم منى، وسط أيام التشريق ليلة النّفر الأوّل؛ إذا هدأت الرّجل [أن»
] يوافوه فى الشّعب الأيمن إذا انحدروا من منى بأسفل «2» العقبة، وأمرهم ألّا ينبهوا نائما، ولا ينتظروا غائبا. قال: فخرج القوم بعد هدءة يتسلّلون، الرجل والرجلان، وقد سبقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الموضع، معه العباس بن عبد المطلب، ليس معه غيره.
وقال محمد بن إسحاق: إنهم سبقوه إلى الشّعب وانتظروه، وهم ثلاثة وسبعون رجلا وامرأتان: نسيبة بنت كعب، وأسماء بنت عمرو بن عدىّ، حتى أقبل ومعه عمّه العباس.
قال ابن سعد: فكان أوّل من طلع على رسول الله صلى الله عليه وسلم: رافع ابن مالك الزّرقىّ، ثم توافى السبعون، ومعهم امرأتان، فكان أوّل من تكلم العباس ابن عبد المطلب، فقال: يا معشر الخزرج، إنكم قد دعوتم محمدا إلى ما دعوتموه إليه، ومحمد من أعزّ الناس فى عشيرته، يمنعه والله منا من كان على قوله، ومن لم يكن منا على قوله منعه للحسب والشرف، وقد أبى محمد الناس كلّهم غيركم «3» ، فإن كنتم أهل قوّة وجلد وبصر بالحرب؛ واستقلال بعداوة العرب قاطبة، ترميكم عن قوس واحدة، فارتئوا رأيكم «4» ، ولا تفرّقوا إلا عن ملأ منكم واجتماع، فإنّ أحسن الحديث أصدقه.
وقال ابن إسحاق: «1» إنّ العباس قال: يا معشر الخزرج، إنّ محمدا منّا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا ممّن هو على مثل رأينا فيه، فهو فى عزّ من قومه، ومنعة فى بلده، وإنّه قد أبى إلا الانحياز إليكم، واللّحوق بكم؛ فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه، ومانعوه ممّن خالفه، فأنتم وما تحملتم من ذلك، وإن كنتم ترون أنّكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الآن فدعوه، فإنه فى عزّ ومنعة من قومه وبلده.
قال ابن سعد: فقال البراء بن معرور: قد سمعنا ما قلت، وإنا والله لو كان فى أنفسنا غير ما ننطق به لقلناه، ولكنّا نريد الوفاء والصدق، وبذل مهج أنفسنا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن إسحاق- فيما رواه بسنده عن كعب بن مالك: فقلنا له: سمعنا ما قلت، فتكلم يا رسول الله، فخذ لنفسك ولربك ما أحببت، فتكلّم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتلا القرآن، ودعا إلى الله، ورغّب فى الإسلام ثم قال:
«أبايعكم على أن تمنعونى فيما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم» . قال: فأخذ البراء بن معرور بيده، ثم قال: نعم والذى بعثك بالحق لنمنعنّك مما نمنع منه أزرنا «2» - يعنى نساءنا- فبايعنا يا رسول الله، فنحن والله أهل «3» الحروب، وأهل الحلقة ورثناها كابرا عن كابر.
قال ابن سعد: ويقال: إن أبا الهيثم بن التّيهان كان أوّل من تكلم فأجاب إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم «4» ، وقالوا: نقبله على مصيبة الأموال، وقتل الأشراف؛ قال: ولغطوا. فقال العباس وهو آخذ بيد رسول الله صلى الله عليه
وسلم: أخفوا جرسكم فإن علينا عيونا، وقدّموا ذوى أسنانكم فيكونون هم الذين يلون كلامنا منكم، فإنا نخاف قومكم عليكم، ثم إذا بايعتم فتفرّقوا إلى محالكم. فتكلّم البراء بن معرور، فأجاب العباس، ثم قال: ابسط يدك يا رسول الله، وكان أوّل من ضرب على يد رسول الله البراء بن معرور- ويقال: أبو الهيثم بن التيهان، ويقال: أسعد بن زرارة- ثم ضرب السبعون كلّهم على يده وبايعوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنّ موسى أخذ من بنى إسرائيل اثنى عشر نقيبا فلا يجدنّ منكم أحد فى نفسه أن يؤخذ غيره، فإنما يختار لى جبريل» ، ثم قال «1» للنقباء:
«أنتم كفلاء على غيركم، ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم، وأنا كفيل على قومى» ، قالوا: نعم، قال: فلما بايعوا وكملوا، صاح الشيطان على العقبة بأبعد صوت سمع: يا أهل الأخاشب، هل لكم فى محمد والصّبأة معه قد اجتمعوا على حربكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«انفضّوا إلى رحالكم» ، فقال العباس ابن عبادة بن نضلة: يا رسول الله، والذى بعثك بالحقّ لئن أحببت لنميلنّ على أهل منى بأسيافنا، وما أحد عليه سيف تلك الليلة غيره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنا لم نؤمر «2» بذلك فانفضّوا إلى رحالكم» ، فتفرّقوا إلى رحالهم، فلما أصبح القوم غدت عليهم جلّة قريش وأشرافهم حتى دخلوا شعب الأنصار، فقالوا: يا معشر الخزرج، إنا بلغنا أنكم لقيتم صاحبنا البارحة، وواعدتموه أن تبايعوه على حربنا، وايم الله ما حىّ من العرب أبغض إلينا إن شبّت «3» بيننا وبينه الحرب منكم، قال: فانبعث من كان هناك من الخزرج من المشركين يحلفون لهم