الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر أوّل آية أنزلت فى القتال
قال محمد بن إسحاق: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بيعة العقبة الأولى لم يؤذن له فى الحرب، ولم تحلل له الدماء، وإنما أمر بالدعاء إلى الله، والصبر على الأذى، والصفح عن الجاهل، وكانت قريش قد اضطهدت من اتبعه من قومه حتى فتنوهم عن دينهم، وأخرجوهم من بلادهم، فلما عتت قريش على الله؛ أذن الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم فى القتال، فكانت أوّل آية أنزلت فى إذنه تعالى له فى الحرب، قوله تعالى:(أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ. الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ)
«1» . ثم أنزل الله تعالى: (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ)
؛ أى حتى لا يفتن مؤمن عن دينه، (وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ)
«2» ، أى حتى يعبد الله لا يعبد غيره.
ذكر أوّل من هاجر من مكة إلى المدينة
قال محمد بن إسحاق: لما أذن الله تعالى لنبيّه صلى الله عليه وسلم فى الحرب، وبايعه الأنصار على الإسلام، والنصرة له ولمن اتبعه وأوى إليهم من المسلمين، أمر النبىّ صلى الله عليه وسلم أصحابه من المهاجرين من قومه، ومن معه بمكة من المسلمين بالخروج إلى المدينة والهجرة إليها، واللّحوق بإخوانهم من الأنصار؛
وقال: «إن الله قد جعل لكم إخوانا، ودارا تأمنون بها» ، فخرجوا أرسالا «1» ، وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكّة ينتظر الإذن من الله فى الهجرة إلى المدينة، فكان أوّل من هاجر من المهاجرين من قريش: أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد ابن هلال بن عبد الله المخزومىّ، وكانت هجرته قبل بيعة العقبة بسنة، وكان قد قدم من أرض الحبشة، فلما آذته قريش، وبلغه إسلام من أسلم من الأنصار هاجر إلى المدينة، فنزل بقرية بنى عمرو بن عوف بقباء على أحمد بن مبشّر ابن عبد المنذر، ثم كان أوّل من قدمها بعد أبى سلمة عامر بن ربيعة حليف بنى عدىّ بن كعب، معه امرأته ليلى بنت أبى حثمة بن غانم «2» ، ثم عبد الله بن حجش ابن رئاب، حليف بنى أمية ابن عبد شمس، احتمل بأهله وبأخيه عبد بن حجش، وهو أبو أحمد، وكان رجلا ضرير البصر، وكان يطوف مكّة بغير قائد، وكانت عنده الفرعة بنت أبى سفيان بن حرب، نزل هؤلاء كلهم بقباء على أحمد ابن مبشر أيضا، ثم قدم المهاجرون أرسالا، ثم خرج عمر بن الخطاب رضى الله عنه، وعياش بن أبى ربيعة فى عشرين من المسلمين، منهم:
زيد بن الخطّاب أخو عمر، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وخنيس ابن حذافة السهمىّ، وواقد بن عبد الله التميمىّ حليف بنى عدىّ، وعبد الله وعمرو ابنا سراقة بن المعتمر- ويقال: عمر بدل عمرو- وخولىّ بن أبى خولىّ، حليف الخطاب، وأخوه مالك- ويقال: هلال بن أبى خولىّ بدل مالك- وبنو البكير الأربعة: إياس، وعاقل، وخالد، وعامر. ويقال: وكان مع عمر ابنه عبد الله ابن عمر.
قال ابن إسحاق: فنزل عمر بن الخطاب، وعيّاش بن أبى ربيعة فى بنى عمرو ابن عوف بقباء، فجاء أبو جهل والحارث ابنا هشام إلى عيّاش إلى المدينة، وكان ابن عمهما وأخاهما لأمهما، فكلماه فى الرجوع، وقالا: إن أمك قد نذرت أن لا يمشط رأسها مشط، ولا تستظلّ من شمس حتى تراك، فرقّ لها. قال عمر ابن الخطاب: فقلت له: يا عياش، إنه والله إن يريدك القوم إلا [ليفتنوك «1» ] عن دينك فاحذرهم، فو الله لو آذى أمّك القمل لامتشطت، ولو اشتد عليها حرّمكة لاستظلّت. فقال: أبرّ قسم أمى، ولى هناك مال فآخذه. قال عمر: فقلت له:
يا عياش، والله إنك لتعلم أنى من أكثر قريش مالا، فلك نصف مالى ولا تذهب معهما. قال: فأبى إلا أن يخرج معهما، فقلت: أما إذ فعلت فخذ ناقتى هذه فإنها ناقة نجيبة ذلول، فالزم ظهرها، فإن رابك من القوم ريب فانج عليها، فخرج عليها معهما حتى إذا كانوا ببعض الطريق، قال له أبو جهل: يا أخى والله لقد استغلظت بعيرى هذا، أفلا تعقبنى «2» على ناقتك؟ قال: بلى، فأناخ وأناخا ليتحول عليها، فلما استووا بالأرض أوثقاه «3» رباطا، ثم دخلا به [مكة «4» ] ، وفتناه فافتتن.
رواه ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر.
قال ابن إسحاق: ودخلا به مكة نهارا موثقا، وقالا: يا أهل مكة، هكذا فافعلوا بسفهائكم كما فعلنا بسفيهنا هذا. قال ابن عمر فى حديثه فكنا نقول:
ما الله بقابل ممن افتتن صرفا ولا عدلا ولا توبة، قوم عرفوا الله ثم رجعوا إلى
الكفر لبلاء أصابهم، وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أنزل الله فيهم، وفى قولنا وقولهم لأنفسهم: (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ.
وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ)
»
، قال عمر: فكتبتها بيدى فى صحيفة، وبعثت بها إلى هشام بن العاص، فلما قرأها لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة.
قال أبو محمد عبد الملك بن هشام: حدّثنى من أثق به أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو بالمدينة: «من لى بعياش بن أبى ربيعة، وهشام بن أبى العاص» ؟ فقال الوليد بن الوليد بن المغيرة: أنا لك يا رسول الله بهما، فخرج إلى مكة، فقدمها مستخفيا، فلقى امرأة تحمل طعاما فقال لها: أين تريدين يا أمة الله؟
قالت: أريد هذين المحبوسين- تعنيهما- فتبعها حتى عرف موضعهما، وكانا قد حبسا فى بيت لا سقف له، فلما أمسى تسوّر عليهما، ثم أخذ مروة «2» فوضعها تحت قيديهما، ثم ضربهما بسيفه فقطعهما «3» ، ثم حملهما على بعيره وسار بهما، فعثر فدميت إصبعه فقال:
هل أنت إلا إصبع دميت
…
وفى سبيل الله ما لقيت
نعود إلى تتمة أخبار عمر فى هجرته- قال ابن إسحاق: ونزل عمر بن الخطاب حين نزل «4» المدينة ومن لحق به من أهله وقومه، وأخوه زيد بن الخطاب، وعمرو وعبد الله
ابنا سراقة بن المعتمر، وخنيس بن حذافة السهمىّ- وكان صهره على ابنته حفصة خلف عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده- وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وواقد بن عبد الله التميمىّ، حليف لهم، وخولىّ بن خولىّ، ومالك بن خولىّ، حليفان لهم، وبنو البكير الأربعة: إياس، وعاقل، وعامر، وخالد، حلفاؤهم، وهم من بنى سعد بن ليث، على رفاعة بن المنذر بقباء «1» ، ثم تتابع المهاجرون «2» ، فنزل طلحة بن عبيد الله، وصهيب بن سنان على خبيب بن إساف «3» أخى بلحارث بن الخزرج «4» ، ويقال: بل نزل طلحة على أسعد بن زرارة، ونزل حمزة بن عبد المطلب، وزيد بن حارثة، وأبو مرثد كنّاز بن حصين، وابنه مرثد الغنويّان حليفا حمزة ابن عبد المطلب، وأنسة وأبو كبشة موليا رسول الله صلى الله عليه وسلم على كلثوم ابن هدم «5» أخى بنى عمرو بن عوف بقباء- ويقال: بل نزلوا على سعد بن خيثمة، ويقال: بل نزل حمزة على أسعد بن زرارة- ونزل عبيدة بن الحارث بن المطلب، وأخواه الطّفيل والحصين، ومسطح بن أثاثة بن عبّاد بن المطلب، وسويبط بن سعد بن حريملة «6» ، أخو بنى عبد الدار، وطليب بن عمير أخو بنى عبد بن قصىّ، وخبّاب مولى عتبة بن غزوان على عبد الله بن سلمة أخى بلعجلان بقباء، ونزل