الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وخرج إليه جماعة لمتونة وكثير من القبائل. وضيق لثامه هو وجماعته.
ذكر ما قيل فى سبب لثام المرابطين
قيل: إنهم كانوا فى الصحراء يتلثمون لشدة الحر والبرد كما يفعل العرب فى البرية، والغالب على ألوانهم السمرة. فلما ملكوا البلاد ضيقوا ذلك اللثام.
وقيل: إن طائفة منهم من لمتونة فى الصحراء خرجوا للإغارة على عدوهم. فخالفهم العدو إلى بيوتهم، ولم يكن بها إلا الصبيان والمشايخ والنساء. فلما تحقق المشايخ أنه العدو أمروا النساء أن يلبسن ثياب رجالهن، ويتعممن بالعمائم، ويسترن وجوههن باللثام، وأن يضيقنه حتى لا يعرفن. ففعلن ذلك ولبسن السلاح. وتقدم المشايخ والصبيان أمامهن واستدرن هن بالبيوت. فلما أشرف العدو رأى جمعا عظيما هاله وقال:«هؤلاء حول حريمهم يقاتلون عليه قتال نخوة «1» وقد ترجلوا للموت. والرأى أن نسوق النعم ونمضى. فإن تبعونا قاتلناهم خارج البيوت» . فبينما هم فى جمع النعم من مراعيها إذ أقبل رجال الحى، فصار العدو بينهم، فقتلوا شر قتلة ولم يسلم منهم إلا القليل. وقتل النساء منهم «2» أكثر مما قتل الرجال. فاستنّوا اللثام من ذلك الوقت. فلا يزيلونه ليلا ولا
نهارا حتى إن الرجل لا يأكل ولا يشرب مع أهله إلا من تحت اللثاء والمقتول منهم فى المعركة لا يعرفه أصحابه بوجهه بل بلثامه.
قال ابن شداد: ومما رأيت أنه كان لى صديق منهم بدمشق فأتيت يوما إلى زيارته. فدخلت إليه وقد غسل عمامته، وسراويله مشدودة «1» على رأسه، وقد تلثم بخلخاله. هذا بعد أن انقضت دولتهم، وتفرقت جملتهم، وتغربوا «2» فى البلاد.
قال: ولقد حكى لى من أثق به أنه رأى شيخا من الملثمين بالمغرب بعد انقضاء الدولة، منزويا فى ضفة نهر، يغسل خلقانه «3» وهو عريان، وعورته بارزة، ويده اليمنى يغسل بها والأخرى يستر بها وجهه. فقال له:«استر عورتك بيدك» . فقال: «أنا ملثم «4» بها» .
وقال بعض الشعراء فى اللثام:
قوم لهم درك العلى فى حمير
…
وإذا انتموا صنهاجة فهم هم
لما حووا إحراز كلّ فضيلة
…
غلب الحياء عليهم فتلثموا