الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر ولاية أبى يوسف يعقوب بن أبى يعقوب يوسف بن عبد المؤمن
كانت ولايته بعد وفاة أبيه فى شهر ربيع الأول سنة ثمانين وخمسمائة. وكان أبوه قد مات ولم يوص لأحد بالملك، فاجتمع رأى أشياخ الموحدين وأولاد عبد المؤمن على تقديم أبى يوسف يعقوب.
فبايعوه وعقدوا له الولاية وقدموه للأمر، ودعوه بأمير المؤمنين «1» .
فقام بالملك أحسن قيام، ورفع راية الجهاد، وأحسن السيرة.
فاستقامت له الدولة بأسرها مع سعة أقطارها. ورتب ثغور الأندلس، وشحنها بالرجال، ورتّب المقاتلة فى سائر بلادها، وأصلح أحوالها، وعاد إلى مدينة مراكش.
ذكر أخبار الملثمين وما ملكوه من افريقية واستعادة ذلك منهم
قال: ولما بلغ على بن إسحاق بن محمد بن على بن غانية اللمتونى صاحب جزيرة «2» ميورقة، وكان من أعيان الملثمين، وفاة أبى يعقوب، سار إلى بجاية فى عشرين شينيا. وملكها فى شعبان سنة ثمانين «3» وخمسمائة، وأخرج من كان بها من الموحدين. وكان
الأمير بها سليمان «1» بن عبد الله بن عبد المؤمن. وخطب اللمتونى بها للخليفة الناصر لدين الله العباسى.
فاتصل الخبر بأبى يوسف فجهز العساكر واستعادها فى صفر سنة إحدى وثمانين. وكان بها يحيى وعبد الله أخوا على بن إسحاق قد تركهما بها وتوجه لحصار القسنطينة، فخرجا منها هاربين والتحقا بأخيهما. فأقلع إلى جهة إفريقية واجتمع بمن بها من العرب وانضاف إليه الترك الذين كانوا قد دخلوها من مصر. ودخل من مصر مملوك آخر اسمه بوزابه، فانضم إليه، وكثر جمعه، وقويت شوكته.
واتبعوه جميعا لأنه من بيت الملك ولقبوه بأمير المسلمين. فقصد بلاد إفريقية فملكها شرقا وغربا إلا مدينتى تونس والمهدية، فإن الموحدين حفظوهما على خوف وضيق وشدة. وانضاف «2» إلى الملثم كل مفسد يريد الفتنة والفساد والنهب.
فأرسل الوالى على تونس وهو عبد الواحد بن عبد الله الهنتاتى إلى أبى يوسف يعلمه بالحال. فلما ورد عليه الخبر اختار من عساكره عشرين ألف فارس من الموحدين. وقصد قلة العساكر لقلة القوت فى البلاد. وسار فى صفر سنة ثلاث وثمانين «3» ، فوصل إلى مدينة تونس. وأرسل ستة آلاف مع ابن أخيه أبى حفص «4» ، فساروا
إلى على بن إسحاق الملثم وهو بقفصة فوافوه. وكان مع الموحدين جماعة من الترك الذين كانوا مع قراقوش، فلما التقوا خامر الترك عليهم، وانضموا إلى أصحابهم الذين مع الملثم. فانهزم الموحدون وقتل جماعة من مقدميهم.
وذلك فى شهر ربيع الأول سنة ثلاث وثمانين.
قال: فأقام أبو يوسف بمدينة تونس إلى نصف شهر رجب منها.
ثم خرج فى خمسة عشر ألف فارس من الموحدين وسار يريد حرب الملثم. فالتقوا بالقرب من مدينة قابس واقتتلوا. فانهزم الملثم ومن معه. وأكثر الموحدون القتل فيهم حتى كادوا يفنونهم.
ورجع من يومه إلى قابس ففتحها. وأخذ منها أهل قراقوش وأولاده وأمواله فحملهم إلى مراكش «1» .
وتوجه إلى مدينة قفصة فحصرها ثلاثة أشهر «2» ، وقطع أشجارها، وخرب ما حولها. فأرسل إليه الترك الذين كانوا بها فى السر يسألونه الأمان لأنفسهم ولأهل قفصة. فأجابهم إلى ذلك. وخرج الأتراك منها سالمين فسيرهم إلى الثغور لما رآه من شجاعتهم ونكايتهم.
وتسلم يعقوب البلد وقتل من فيه من الملثمين «3» . وهدم أسواره، وترك المدينة مثل قرية. وظهر ما قاله المهدى.
ولما فرغ من أمر قفصة واستقامت له إفريقية، عاد إلى مراكش.
فكان وصوله إليها فى سنة أربع وثمانين.