الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر ظهور زيد بن على بن الحسن ومقتله
كان ظهور زيد ومقتله فى سنة اثنتين وعشرين ومائة. وذلك أنه لما أمر أصحابه بالاستعداد للخروج، أخذ من كان يريد الوفاء بالبيعة يتجهز. فانطلق سليمان بن سراقة البارقى إلى يوسف بن عمر فأخبره. فبعث يوسف فى طلب زيد فلم يوجد.
وخاف زيد أن يؤخذ فتعجل الخروج قبل الأجل الذى جعله بينه وبين أهل الكوفة، وعلى الكوفة يومئذ الحكم بن الصّلت، وعلى شرطته عمرو بن عبد الرحمن «1» من القارة، ومعه عبيد الله بن العباس الكندى فى ناس من أهل الشام، ويوسف بن عمر بالحيرة.
فلما رأى أصحاب زيد بن على أن يوسف بن عمر قد بلغه حاله وأنه يبحث عن أمره، اجتمع إليه جماعة من رؤوسهم فقالوا «رحمك الله، ما قولك فى أبى بكر وعمر؟» قال زيد: «رحمهما الله وغفر لهما. ما سمعت أحدا من أهل بيتى يقول فيهما إلا خيرا وإن أشد ما أقول فيما ذكرتم: أنا كنا أحق بسلطان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الناس أجمعين، فدفعونا عنه. ولم يبلغ ذلك عندنا بهم كفرا. وقد ولوا فعدلوا فى الناس، وعملوا بالكتاب والسنة» قالوا: «فلم يظلمك هؤلاء إذا كان أولئك لم يظلموك فلم تدعو إلى قتالهم؟» فقال: «إن هؤلاء ليسوا كأولئك. هؤلاء ظالمون لى ولأنفسهم ولكم. وإنما ندعوهم إلى كتاب الله وسنة
نبيه صلى الله عليه وسلم، وإلى السنن أن تحيا، وإلى البدع أن تطفأ، فإن أجبتمونا سعدتم، وإن أبيتم فلست عليكم بوكيل» ففارقوه ونكثوا بيعته وقالوا:«سبق الإمام» ، يعنون محمد الباقر، وكان قد مات. وقالوا:«جعفر ابنه إمامنا اليوم بعد أبيه» فسماهم زيد الرافضة. وهم يزعمون أن المغيرة سماهم الرافضة حيث فارقوه. وكانت طائفة أتت جعفر بن محمد الصادق قبل خروج زيد فأخبروه ببيعة زيد. فقال: «بايعوه، فهو والله أفضلنا وسيدنا» فعادوا وكتموا ذلك.
وكان زيد قد واعد أصحابه أول ليلة من صفر سنة اثنتين وعشرين ومائة. فبلغ يوسف بن عمر، فبعث إلى الحكم يأمره أن يجمع أهل الكوفة فى المسجد الأعظم يحصرهم فيه، فجمعهم فيه. وطلبوا زيدا فى دار معاوية بن إسحاق بن زيد بن حارثة «1» الأنصارى، فخرج منها ليلا. ورفعوا النيران ونادوا:«يا منصور «2» » حتى طلع الفجر.
فلما أصبحوا بعث زيد القاسم الحضرمى وآخر من أصحابه يناديان بشعارهم. فلما كانوا بصحراء عبد القيس لقيهم جعفر بن العباس «3» الكندى. فحملوا عليه وعلى أصحابه، فقتل الذى كان
مع القاسم، وارتثّ «1» القاسم وأتى به الحكم فضرب عنقه. فكانا أول من قتل من أصحاب زيد.
فأغلق الحكم دروب السوق وأبواب المسجد على الناس.
وبعث إلى يوسف بالحيرة فأخبره الخبر. فأرسل جعفر بن العباس «2» ليأتيه بالخبر. فسار فى خمسين فارسا حتى بلغ جبانة سالم، فسأل ثم رجع إلى يوسف فأخبره. فسار يوسف إلى تل قريب من الحيرة، فنزل عليه ومعه أشراف الناس. فبعث الريان بن سليمة الإراشى «3» فى ألفين ومعه ثلاثمائة من القيقانية رجالة معهم النشّاب.
وأصبح زيد فكان جميع من وافاه تلك الليلة مائتى رجل وثمانية عشر رجلا. فقال زيد: «سبحان الله! أين الناس؟» فقيل:
«إنهم فى المسجد الأعظم محصورون» . فقال: «والله، ما هذا بعذر لمن بايعنا» وسمع نصر بن خزيمة العبسى النداء فأقبل إليه.
فلقى عمرو بن عبد الرحمن صاحب شرطة الحكم فى خيله من جهينة فى الطريق فحمل عليه نصر، فقتل عمرو وانهزم من كان معه.
وأقبل زيد على جبانة سالم حتى انتهى إلى جبانة الصائديين «4»
وبها خمسمائة من أهل الشام. فحمل عليهم زيد فيمن معه فهزمهم.
وانتهى زيد إلى دار أنس بن عمرو الأزدى، وكان فيمن بايعه، وهو فى الدار. فنودى فلم يجبهم. وناداه زيد فلم يخرج إليه. فقال زيد:«ما أخلّفكم! قد فعلتموها! الله حسيبكم!» ثم انتهى زيد إلى الكناسة فحمل على من بهامن أهل الشام فهزمهم. ثم سار زيد ويوسف ينظر إليه فى مائتى رجل، فلو قصده زيد لقتله، والريان يتبع آثار زيد بالكوفة فى أهل الشام. فأخذ زيد على مصلى خالد حتى دخل الكوفة. وسار بعض أصحابه نحو جبانة مخنف بن سليم فلقوا أهل الشام فقاتلوهم. فأسر أهل الشام منهم رجلا، فأمر به يوسف بن عمر فقتل.
فلما رأى زيد خذلان الناس إياه قال: «يا نصر بن خزيمة، أتخاف أن يكونوا فعلوها حسينية؟» قال: «أما أنا فو الله لأقاتلن معك حتى أموت، وإن الناس بالمسجد فامض بنا إليهم» . فلقيهم عبيد الله بن العباس الكندى عند دار عمر بن سعد» فاقتتلوا فانهزم عبيد الله وأصحابه. وجاء زيد حتى انتهى إلى باب المسجد. فجعل أصحابه يدخلون راياتهم من فوق الأبواب ويقولون: «يا أهل المسجد، اخرجوا من الذل إلى العز، اخرجوا إلى الدين والدنيا فإنكم لستم فى دين ولا دنيا» . فرماهم أهل الشام بالحجارة من فوق المسجد.
وانصرف الريان عند المساء إلى الحيرة. وانصرف زيد فيمن معه. وخرج إليه ناس من أهل الكوفة. فنزل دار الرزق. فأتاه
الريان بن سليمة فقاتله عن دار الرزق. وخرج أهل الشام مساء يوم الأربعاء أسوأ شئ ظنا.
فلما كان الغد أرسل يوسف بن عمر العباس بن سعد «1» المزنى فى أهل الشام، فانتهى إلى زيد فى دار الرزق. فلقيه زيد وعلى مجنبتيه نصر بن خزيمة ومعاوية بن إسحاق بن زيد بن حارثة، فقتتلوا قتالا شديدا. وحمل نائل بن فروة العبسى من أهل الشام على نصر بن خزيمة. فضربه بالسيف فقطع فخذه، وضربه نصر فقتله. ولم يلبث نصر أن مات. واشتد قتالهم فانهزم أصحاب العباس، وقتل منهم نحو من سبعين رجلا.
فلما كان العشى عبأهم يوسف بن عمر ثم سرحهم. فالتقوا هم وأصحاب زيد، فحمل عليهم فى أصحابه، فكشفهم. وتبعهم حتى أخرجهم إلى السبخة ثم حمل عليهم بالسبخة حتى أخرجهم إلى بنى سليم.
وجعلت خيلهم لا تثبت لخيله. فبعث العباس إلى يوسف يعلمه ذلك وقال له: «ابعث إلى الناشبة» . فبعثهم إليه، فجعلوا يرمون أصحاب زيد. فقاتل معاوية بن إسحاق الأنصارى بين يدى زيد قتالا شديدا فقتل. وثبت زيد ومن معه إلى الليل. فرمى زيد بسهم فأصاب جانب جبهته اليسرى فثبت فى دماغه. ورجع أصحابه.
ولا يظن أهل الشام أنهم رجعوا إلا للمساء والليل.
ونزل زيد فى دار من دور أرحب. وأحضر أصحابه طبيبا، فانتزع
النصل فضج زيد. فلما نزع مات زيد رحمه الله. فقال أصحابه:
«أين ندفنه؟» فقال بعضهم: «نطرحه فى الماء» . وقال بعضهم:
«بل نقطع رأسه ونلقيه فى القتلى» . فقال ابنه يحيى: «والله، لا يأكل لحم أبى الكلاب» . وقال بعضهم: «ندفنه فى الحفرة التى يؤخذ منها الطين ونجعل عليه الماء «1» » . ففعلوا. فلما دفنوه أجروا الماء عليه. وقيل: دفن بنهر يعقوب: سكر «2» أصحابه الماء.
ودفنوه وأجروا الماء. وكان معهم مولى لزيد سندى «3» ، وقيل:
رآهم قصار، فدل عليه. وتفرق الناس عنه.
وسار ابنه يحيى نحو كربلاء. فنزل نينوى «4» على سابق مولى بشر بن عبد الملك بن بشر. ثم إن يوسف بن عمر تتبع الجرحى فى الدور. فدله السندى مولى زيد يوم الجمعة على زيد. فاستخرج من قبره فقطع رأسه وسير إلى يوسف بن عمر، وهو بالحيرة، سيره إليه الحكم بن الصلت. فأمر يوسف أن يصلب، فصلب زيد بالكناسة، هو ونصر بن خزيمة ومعاوية بن إسحاق وزياد النهدى.
وأمر بحراستهم. وبعث الرأس إلى هشام بن عبد الملك، فصلب على باب مدينة دمشق. ثم أرسل إلى المدينة. وبقى البدن مصلوب إلى أن مات هشام وولى الوليد، فأمر بإنزاله وإحراقه.
وقيل: كان خراش «5» بن حوشب بن يزيد الشيبانى على
شرطة يوسف بن عمر «1» ، وهو الذى نبش زيدا «2» وصلبه.
فقال السيد الحميرى:
بت ليلى مسهّدا
…
ساهر العين مقصدا «3»
ولقد قلت قولة
…
وأطلت التّبلّدا:
لعن الله حوشبا
…
وخراشا ومزيدا
ويزيدا فإنه
…
كان أعتى وأعتدا «4»
ألف ألف وألف أل
…
ف من اللعن سرمدا
إنهم حاربوا الإل
…
هـ وآذوا محمدا
شركوا فى دم الحسين وزيد تعبّدا «5»
…
ثم عالوه فوق جذ
ع صريعا مجردّا
…
يا خراش بن حوشب
أنت أشقى الورى غدا
وأما يحيى بن زيد بن على فإنه قيل فيه غير ما قدمناه. وهو أنه لما قتل زيد قال له رجل من بنى أسد من أهل خراسان: «إن بخراسان لكم شيعة، والرأى أن تخرج إليها» . قال: «وكيف لى بذلك؟» قال: «تتواري حتى يسكن الطلب ثم تخرج» . فواراه عنده.