الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وثمانين وثلاثمائة، وصل من مصر الشريف الداعى على بن عبد الله العلوى المعروف بالتّيهرتى «1» . وكان أبو مناد بعث فى حشد عساكره وأجناده، فلم يبق بإفريقية وأعمالها فارس ولا راجل إلا وصل إلى المنصورية. فنزل أبو مناد بهم إليه فى هذا اليوم، فكانوا صفوفا من باب قصر السلطان بالمنصورية إلى باب قلشانة. فرأى الداعى من العساكر والعدد ما لم ير مثله. وأتى بسجلين قرئا على منبر المنصورية والقيروان: أحدهما بولاية أبى مناد باديس، وتلقيبه نصير الدولة؛ والثانى بوفاة نزار، وولاية ابنه الحاكم، والجواب عن وفاة المنصور والعزاء عن نزار وعن المنصور. وكان معه سجل ثالث بأخذ البيعة على باديس وجماعة بنى مناد للحاكم. فأنزل الشريف بدار الأمير يوسف بجوار قصر السلطان. ثم جلس باديس بعد ذلك وأحضر الشريف. ودعا بنى مناد وسائر قبائل صنهاجة وأخذ عليهم البيعة.
ثم كان الشريف يجلس فى الدار التى نزل فيها، ويأخذ البيعة على كل من أتاه من الصنهاجيين وغيرهم. ثم وصله أبو مناد بمال جليل وتخوت ثياب وبراذين بسروج محلاة، وصرفه إلى مصر. ثم جهز هدية بعده.
ذكر خروج محمد بن أبى العرب الى زنانة
قال: وفى سنة تسع وثمانين وثلاثمائة، وصل كتاب يطّوفت بن يوسف بن زيرى إلى ابن أخيه أبى مناد يعرفه أن زيرى بن عطية الزناتى
قد نزل عليه بتيهرت، وسأله أن يمده بالعساكر. فأمر باديس محمد ابن أبى العرب بالخروج فنهض بالعساكر الثقيلة حتى بلغ آشير فأقام بها أياما يسيرة. ثم رحل ورحل معه حماد بن يوسف عاملها بعساكر عظيمة حتى وصلا إلى تيهرت. فاجتمعا بيطوفت فى غرة «1» جمادى الأولى من السنة. وكان زيرى بن عطية بموضع يقال له أمسان «2» على مرحلتين من تيهرت فزحفوا إليه واقتتلوا قتالا شديدا. وكان معظم جيش حماد التّلكّاتيين «3» ، وقد أساء عشرتهم، وكلف بأمورهم غلامه خلفا الجيزى «4» فسامهم الخسف. فلما حمى الوطيس واشتد البأس ولوا منهزمين، واتبعهم الناس. فكانت الهزيمة على الجميع.
ورام محمد رد الناس فلم يقدر على ذلك. ووصلوا إلى آشير، وقد أسلموا عساكرهم وما فيها من بيوت الأموال وخزائن السلاح والمضارب وغير ذلك فاحتوى زيرى على جميع ذلك وأمر ألا يتّبعوا. ووقف على باب تيهرت، فخرج إليه أهلها. فوعدهم الجميل وأطلق خلقا كثيرا ممن أسر فى المعركة أو لجأ إلى تيهرت، فمضوا حتى وصلوا إلى آشير.
وكانت هذه الهزيمة يوم السبت لأربع خلون من جمادى الأولى منها.
قال: وبلغ خبر الهزيمة الأمير باديس، فبرز بنفسه من رقادة للقاء زيرى بن عطية، وذلك لليلتين خلتا من جمادى الآخرة. فلما
وصل إلى قرب طبنة بعث فى طلب فلفل بن سعيد بن خزرون. فخاف وأرسل يعتذر. وسأل أن يكتب له سجل بولاية طبنة إلى أن يقدم باديس. فكتب له سجلا بولايتها وبعث به إليه. وتمادى أبو مناد فى مسيره. فلما علم فلفل أنه أبعد عنه أتى إلى طبنة فأكل ما حولها ونهب وأفسد. ومضى إلى تيجس «1» وما والاها فنهبها. وتمادى إلى باغاية فحصرها أياما ثم رحل عنها، وباديس فى هذا مستمر السير «2» إلى آشير. فلما بلغ المسيلة «3» ، رحل زيرى بن عطية عن آشير إلى تيهرت. فرحل إليها باديس. فلما بلغها توغل زيرى هاربا منه إلى داخل المغرب.
فعند ذلك ولى أبو مناد على تيهرت وآشير عمه يطوفت.
فاستخلف يطوفت على تيهرت ابنه أيوبا وتركه فى أربعة آلاف فارس.
ثم رجع باديس إلى آشير وعمه يطوفت معه. فبلغه ما فعل فلفل ابن سعيد. فأرسل إليه أبا زعبل وجعفر بن حبيب ومحمد بن حسن فى عسكر.
ثم رحل بعدهم من آشير، وبقى يطوفت ومعه أولاد زيرى وقد سألوا باديس أن يتركهم أعوانا ليطوفت. فأبى ذلك وقال:«لا بد من رحيلكم معى» . فقالوا: «لنا أمور نقضيها ونلحق بك» . فتركهم على هذا ورحل ومعه أبو البهار بن زيرى حتى وصل إلى المسيلة، فعيّد
بها عيد الفطر. فبينا هو فى صلاة العيد، إذ وصل إلى أبى البهار رسول أخبره أن إخوته ماكسن وزاوى ومغنين وعرما «1» نافقوا بآشير، وقبضوا على يطوفت، وأنه أفلت منهم بحيلة بعد أن عزموا على قتله. فخاف أبو البهار أن يصل يطوفت إلى باديس فيتهمه بمباطنة إخوته، فهرب لوقته. وطلب فلم يدرك. فلقى يطوفت فى طريقه فعرّفه ما كان من إخوته، فحلف أنه لم يعاقدهم على ذلك، وأنه إنما هرب خوفا على نفسه. وفارقه والتحق بإخوته. وسار يطوفت حتى لحق بابن أخيه الأمير باديس وهو بالمسيلة. فرحل إلى إفريقية، فاتصل به أن فلفل بن سعيد قتل أبا زعبل، وهزم أصحابه، وأسر حميد بن أبى زعبل فمثّل به ثم قتله، وأن فلفلا تمادى إلى القيروان.
فرحل باديس إلى باغاية فوصل إليها لإحدى عشرة بقيت من شوال. فأقام بها بقية الشهر. ورحل فى غرة ذى القعدة حتى وصل إلى مرمجنة.
فلما صار إلى بنى سعيد، زحف إليه فلفل فى يوم الخميس لست خلون من ذى القعدة. فلم يلقه باديس ولم يلتفت إليه. فلما كان يوم الاثنين، زحف فلفل إليه. فالتقيا بوادى اغلان «2» ، فكانت بينهم من الحروب العظيمة ما لم يسمع بمثلها. وقد كان اجتمع لفلفل من قبائل البربر ما لا يحصى كثرة، وكذلك من زناتة، وكلهم أصحاب خسائف. فثبتت صنهاجة بين يدى باديس. وظهر منه فى ذلك اليوم ما قرت به أعينهم. ثم أجلت الحرب عن هزيمة زناتة والبربر هزيمة
فاحشة. وهرب فلفل واتبعته صنهاجة والعبيد حتى حال بينهم الليل.
ورحل باديس من الغد فنزل فى مناخ فلفل. وقتل من زناتة فى ذلك اليوم تسعة آلاف رجل سوى من قتل من البربر. ثم رحل باديس فوصل إلى المنصورية فى يوم الأربعاء لعشر بقين من ذى القعدة.
ثم وصل الخبر أن فلفل بن سعيد وأولاد زيرى بن مناد عمومة والدباديس تصالحوا وتعاقدوا على قتال باديس. فلما تحقق ذلك خرج إلى رقادة سنة تسعين وثلاثمائة. ورحل حتى انتهى إلى قصر الإفريقى. فبلغه أن أولاد زيرى رجعوا إلى المغرب خوفا منه، وأنه ما بقى مع فلفل منهم سوى ما كسن وولده محسن فرجع باديس الى المنصورية.
وفى سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة «1» ، دخل باديس إلى المغرب فى طلب فلفل بن سعيد. فهرب منه إلى الرمال وافترق جمعه. فرجع باديس إلى إفريقية ومعه أبو البهار بن زيرى عم أبيه، وكان قبل ذلك قد أتاه معتذرا بأنه لم يدخل فى شىء مما دخل فيه إخوته. فقبل عذره وطيب قلبه. وأما فلفل بن سعيد فإنه سار إلى طرابلس، فقبله أهلها أهلها أحسن قبول، فاستوطن بها.
وفى سنة اثنتين وتسعين «2» ، وصل رسول ابن يوسف «3» إلى ابن أخيه باديس، يذكر أنه زحف إليه عمه ماكسن وأولاده
ومن معهم. فكانت بينهم وقعة شديدة فقتل فيها ماكسن وأولاده محسن وباديس وحباسة.
ثم توفى زيرى بن عطية الزناتى بعد ذلك بتسعة أيام.
وفى سنة خمسة وتسعين، اشتد الغلاء بإفريقية وأعقبه وباء عظيم. وكان يدفن فى اليوم الألف والأكثر والأقل «1» .
وفى سنة أربعمائة مات فلفل بن سعيد الزناتى من علة أصابته.
وولى أخوه ورّو، فأطاعته زنانة. ثم سار باديس فى عساكر عظيمة لقتال زناتة. فلقيه فى بعض الطريق عبد الله وسواشى «2» أولاد ينال التركى وأصحابهما. فعرفوه أنهم لما علموا بخروجه أغلقوا أبواب طرابلس ومنعوا الزناتيين منها. فسر بذلك ووصلهم وأحسن إليهم. وسار إلى طرابلس فتلقاه أهلها فدخلها. ثم جاءته رسل ورو ابن سعيد ومن معه من الزناتيين، يرغبون فى الأمان، ويسألون أن يجعلوا عمالا كسائر رجال الدولة. ووصل جماعة منهم «3» ، فأحسن إليهم، وأعطاهم نفزاوة على أنهم يرحلون عن أعمال طرابلس.
وأعطى النّعيم «4» قصطيلية. ورجع إلى المنصورية.
ثم تغير ورو ومن معه وخلعوا الطاعة فى سنة إحدى وأربعمائة، ورحلوا عن نفزاوة. ولم يتغير النعيم. فأضاف باديس نفزاوة إلى النعيم.
وفى سنة خمس وأربعمائة، وصلت رسل الحاكم بأمر الله إلى