الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلما بلغ ذلك الدمستق، أمر بالحشود، وجهز العساكر صحبة منويل، وأمرهم بالتعدية إلى صقلية. فابتدئوا بالتعدية يوم الأربعاء لثلاث خلون من شوال سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة. وأقاموا يعدون تسعة أيام فى عدد عظيم. وحفروا خندقا حول مدينة مسّينى وشيدوا أسوارها. وكاتب الحسن بن عمار بذلك، فخرج الأمير أحمد بالجيوش. ورحل الكفرة من مسينى قاصدين الحسن بن عمار بقلعة رمطة.
ذكر وقعة الحفرة على رمطة
قال: وفى النصف من شوال سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة، زحف منويل بجميع عسكره من المجوس والأرمن والروس، فى جمع لم يدخل الجزيرة مثله قط. فلما علم الحسن بن عمار بتقدمهم استعد للقاء، وجعل عسكرا فى مضيق ميقش «1» وعسكرا فى مضيق دمنّش. فبلغ ذلك منويل فوجه عسكرين بإزائهما، ووجه عسكرا ثالثا إلى طريق المدينة يمنع من يصل إليهم «2» بنجدة. ورتب الحسن المقاتلة على القلعة وبرز بالعساكر للقاء الكفرة. وقد عزموا على الموت.
وزحف الكفرة فى ستة مواكب. وأحاطوا بالمسلمين من كل ناحية. ونزل أهل رمطة إلى من يليهم. والتقوا وقاتلت كل طائفة
من يليها. فقاتلوا «1» حتى دخل المسلمون خيام أنفسهم «2» وأيقن العدو بالظفر. فاختار المسلمون الموت، ورأوا أنه أسلم لهم وأوفر لحظوظهم، فحميت الحرب. ونادى الحسن بن عمار بأعلى صوته:«اللهم، إن بنى آدم أسلمونى فلا تسلمنى» . وحمل بمن معه حملة رجل واحد. فصاح منويل بالكفرة يقول: «أين افتخاركم بين يدى الملك؟ أين ما ضمنتم له فى هذه الشرذمة القليلة؟» . فحمى الوطيس عند ذلك. وحمل منويل وقتل رجلا من المسلمين. فطعن عدة طعنات فلم تعمل فيه شيئا لحصانة ما عليه من اللباس. فحمل عليه رجل من المسلمين فطعن فرسه فعقره، وقتل. وجاءت سحابة ذات برق ورعد وظلمة، وأيد الله المسلمين «3» بنصره. فانهزم الكفرة وركبهم المسلمون بالقتل. فمالوا إلى موضع ظنوه سهلا، فوقعوا فى الوعر، وأفضى بهم إلى حرف خندق عظيم كالحفرة من بعد قعره. فسقطوا فيها وقتل بعضهم فيها بعضا.
وامتلأت الحفرة منهم على طولها وعرضها وعمقها حتى مرت الخيل عليهم «4» مسرعة. وحصل من بقى منهم فى مواضع وعرة وخنادق هائلة. وكانت الحرب من أول النهار إلى بعد صلاة الظهر، وتمادت هزيمة من بقى إلى الليل. وبات المسلمون يقتلونهم فى كل ناحية وأسر جماعة من أكابرهم، وغنم المسلمون من الأموال والخيل
والسلاح ما لا يحد. وبلغ القتلى «1» فوق العشرة آلاف. وكان فيما غنموه سيف فيه منقوش: «هذا سيف هندى وزنه مائة وسبعون مثقالا، طالما ضرب به بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم» . فبعث به الحسن إلى المعز لدين الله، مع مائتى علج من وجوههم، ودروع وجواشن وسلاح كثير. ونجا من الكفرة نفر يسير فركبوا المراكب. وجاء الخبر إلى الأمير أحمد بالهزيمة قبل وصوله إلى ابن عمار.
وفى أثر هذه الوقعة توفى الحسن بن على بن أبى الحسين والد الأمير أحمد.
قال: وبلغ «2» الدمستق خبر هذه الوقعة وكسرة أصحابه، وهو بالمصيصة وقد ضيّق على أهلها، فرجع مسرعا إلى القسطنطينية.
ودام الحصار على رمطة أشهرا. فنزل منها ألف نفس من شدة ما نالهم من الجوع. فوجه بهم الحسن بن عمار إلى المدينة وبقيت المقاتلة ثم فتحت رمطة.
وكان بين المسلمين بعد ذلك وبين الكفار وقائع كثيرة، منها وقعة الأسطول بالمجاز، قتل فيها من الكفار فى الماء حتى احمر المجاز.
ثم وقع الصلح بعد ذلك بين المعز والدمستق فى سنة ست وخمسين وثلاثمائة وأتته هداياه. ووصل كتاب المعز إلى الأمير