الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر أخبار جزيرة أقريطش
هذه الجزيرة دون جزيرة صقلية، وهى كثيرة الخصب «1» مستطيلة الشكل.
وأول من غزاها فى الإسلام ابن أبى أمية الأزدى، فى أيام معاوية ابن أبى سفيان.
فلما كان فى أيام الوليد فتح بعضها.
ثم غزاها حميد بن معيون «2» الهمدانى فى أيام الرشيد ففتح بعضها.
ثم غزاها أبو حفص عمر بن شعيب «3» الأندلسى المعروف بالاقريطشى فى أيام المأمون. ففتح منها «4» حصنا واحدا. ولم يزل يفتح شيئا بعد شىء حتى لم يبق بها من الروم أحد، وأخرب حصونهم وتداولها بنوه بعده.
ولما جرى لأهل قرطبة مع الحكم بن هشام الأموى وقعة الربض التى ذكرناها فى سنة ثمان وسبعين ومائة «5» ، أخرج جماعة منهم.
فوصلوا إلى الإسكندرية وأقاموا بها، فعمرت بهم وصار فيها منهم خلق كثير. فغلبوا على الإسكندرية وملكوها إلى أن جاء عبد الله بن
طاهر إلى الإسكندرية وأخرجهم منها كما ذكرنا ذلك فى أخبار الدولة العباسية فى أيام المأمون بن الرشيد. فصالحهم على مال ونقلهم إلى جزيرة أقريطش. فعمروها وملكوا عليهم رجلا منهم «1» . وعمروا فيها أربعين قطعة. وغزوا جميع ما حولها من جزائر القسطنطينية ففتحوا أكثر الجزائر وغنموا وسبوا.
ولم يكن لملك القسطنطينية بهم قبل، فأفكر فيما يفعله معهم من المكر والخديعة. فأقبل الملك أرمانوس «2» إلى عبد العزيز بن شعيب ابن عمر «3» صاحب جزيرة أقريطش. وتقرب إليه بالهدايا والتحف، وأظهر له المودة والمحبة. فلما استحكمت الوصلة بينهم وتأكدت، أنفذ أرمانوس رجلا من المسلمين ومعه هدية جليلة. فلما حضر بين صاحب أقريطش وقدم الهدية، قال له:«الملك يسلم عليك ويقول لك: نحن جيران وأصدقاء «4» ، وهؤلاء المساكين سكان الجزائر «5» قوم ضعفاء فقراء، وقد خلا أكثرهم من خوفك، وقلوبهم تحن إلى أوطانهم. ولى ولك بهم راحة وفائدة. فإن خفّ عليك أن تحسب ما يحصل لك من غزوهم فى كل عام وأنا أضاعفه لك أضعافا، وتؤمنهم وترفع عنهم الغزو وتفسح لهم فى السفر إلى
جزيرتك، ويتوجه التجار إليك، ويحصل لك من الحقوق أضعاف ما يحصل لك من الغزو» . فأجابه إلى سؤاله. وتحالفا وتصالحا واتفقا على مال يؤدّى فى كل عام. فوفى له أرمانوس بجميع ذلك. وألزم التجار بالسفر إلى اقريطش والقسطنطينية وجميع الجزائر. فكثرت أموال صاحبها وأخذ فى جمع الأموال واختصر العطاء للجند.
ثم وقع بالقسطنطينية قحط وغلاء. فأنفذ الملك إلى صاحب اقريطش رسولا يقول: «قد وقع بالبلاد ما اتصل بك من الجدب.
ولنا خيل عراب «1» برسم النتاج تعزّ علينا، فإن رأيت أن أنفذها «2» إلى الجزيرة، وما نتجت من الذكور تكون للملك، وما نتجت من الإناث فهو لك» . فأجابه «3» إلى ذلك. فأرسل إلى الجزيرة خمسمائة فرس فى المراكب ومعها رعاتها.
فلما استقرت الخيل بالجزيرة، عبأ»
العساكر على تلطف واستخفاء، وقدم عليها نخفور «5» الدمستق وأنجاد رجاله، وذلك فى غرة المحرم سنة خمس وثلاثمائة. فدخل الأسطول إلى الجهة التى فيها الأفراس. ونزل كل فارس بسرجه ولجامه وشدوا له على فرس وفاجئوا أهل الجزيرة على غرة وغفلة. فملكوها وقتلوا صاحبها ومن معه من الجند، وعفوا عن قتل الرعية. ووجدوا الأموال التى كانوا