الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ورتب عبد المؤمن أمرها وأخذ جميع ما فيها من سلاح.
وسير سرية إلى مكناسة فحصروها مدة ثم سلمها أهلها بالأمان، فوفوا لهم.
ثم سار عبد المؤمن إلى مدينة سلا ففتحها.
وحضر إليه جماعة من أعيان سبتة، فدخلوا فى طاعته وسألوا أمانه فأمنهم، وذلك فى أول سنة إحدى وأربعين «1» .
ذكر ملك عبد المؤمن مراكش وقتله اسحاق بن على وانقراض دولة الملثمين
قال: ولما فرغ عبد المؤمن من مدينة فاس وتلك النواحى، سار إلى مدينة مراكش، وهى كرسى مملكة الملثمين، وبها إسحان بن على ابن يوسف بن تاشفين، وهو صبى. فنازلها فى سنة إحدى وأربعين وخمسمائة. وضرب خيامه فى غربيها على جبل صغير، وبنى عليه مدينة له ولعسكره وجامعا. وجعل لنفسه بناء عاليا يشرف منه على المدينة ويري أحوال أهلها وأحوال المقاتلين. فأقام عليها أحد عشر «2» شهرا والقتال مستمر، ومن بها من المرابطين يخرجون ويقاتلون ظاهر البلد. فاشتد الجوع على أهله وتعذرت الأقوات عندهم.
ثم زحف إليهم يوما، وجعل لعسكره كمينا، وقال لعسكره:
«قاتلوهم ثم انهزموا لهم» . وقال للكمين: «لا تخرجوا حتى تسمعوا الطبل» . وجلس هو على المنظرة يشاهد القتال. وتقدم أصحابه للقتال فقاتلوا وصبروا ثم انهزموا. وتبعهم أهل مراكش حتى جاوزوا الكمين ووصلوا إلى مدينة عبد المؤمن وهدموا أكثر سورها. وصاحت المصامدة ليضرب الطبل. فقال عبد المؤمن: «اصبروا حتى يخرج كل طامع من البلد» . فلما خرج أكثر أهله أمر بضرب الطبل فضرب وخرج الكمين عليهم وعطفت المصامدة. فقتلوا الملثمين كيف شاءوا وتمت الهزيمة. فمات فى زحمة الأبواب خلق كثير.
وكان شيوخ الملثمين يدبرون «1» دولة إسحاق لصغر سنه.
فاتفق أن إنسانا من جملتهم يقال له عبد الله بن أبى بكر استأمن إلى عبد المؤمن، وأطلعه على عورة البلد وضعف من فيه، وقوى طمعه فيهم. فنصب عبد المؤمن عليه المجانيق والأبراج. وفنيت الأقوات فأكلوا دوابهم، ومات من العامة بالجوع ما يزيد على مائة ألف «2» إنسان. فجاف «3» البلد من جثثهم.
وكان بمراكش جيش من الفرنج «4» كان المرابطون «5» قد استنجدوا بهم وأتوهم نجدة. فلما طال الأمر عليهم راسلوا عبد المؤمن يطلبون الأمان فأمنهم. ففتحوا له بابا من أبواب البلد يقال له باب أغمات. فدخلت عساكر عبد المؤمن بالسيف، وملكوا المدينة عنوة،
وقتلوا من وجدوه. ووصلوا إلى دار أمير المسلمين، فأخرجوا إسحاق وجميع من معه من المرابطين. وقدموهم للقتل وإسحاق يرتعد ويسأل العفو عنه رغبة فى البقاء، ويدعو لعبد المؤمن ويبكى. فقام إليه الأمير سير بن الحاج، وكان إلى جانبه مكتوفا، فبصق فى وجهه وقال:«تبكى على أمك أم أبيك. اصبر صبر الرجال «1» فهذا رجل لا يخاف الله تعالى ولا يدينه بدين» . فقام الموحدون إليه فضربوه بالخشب حتى مات، وكان من الشجعان. وضربت عنق إسحاق.
وذلك فى سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة أو ثلاث وأربعين «2» .
قال: وأقام عبد المؤمن بمدينة مراكش واستوطنها واستقر ملكه بها. وقتل من أهلها فأكثر، واختفى كثير منهم. فلما كان بعد أسبوع أمر فنودى بالأمان، فخرج من اختفى من أهلها. فأراد المصامدة قتلهم، فمنعهم وقال:«هؤلاء صناع وأهل الأسواق ومن ينتفع به» . فتركوا وبنى بالقصر جامعا «3» كبيرا وزخرفه وأتقن عمله. وأمر بهدم الجامع الذى بناه أمير المسلمين يوسف بن تاشفين.