الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المنصورية، وهما عبد العزيز بن أبى كدية وأبو القاسم بن حسين، ومعهما خلع سنية، وسيف مكلّل، وسجل من الحاكم إلى المنصور بن باديس بولاية ما يتولاه أبوه فى حياته وبعد وفاته، ولقّبه عزيز الدولة.
فقرئ السجل على الناس بالمنصورية والقيروان. وسرّ باديس به.
وتقرب وجوه الدولة إلى المنصور بالهدايا الجليلة والأموال.
ذكر خلاف حماد بن يوسف وأخيه ابراهيم على ابن أخيهما الأمير باديس
قال: كان سبب ذلك أنه- لما وصل سجل الحاكم إلى المنصور ابن باديس ولقّب- أراد أبوه أن يقدمه ويرفع قدره، ويضيف إليه أعمالا يستخدم له فيها أتباعه وصنائعه. وكانت قد اتصلت به عن حماد أمور أنكرها وأراد اختبار حقيقة ما هو عليه. فكتب إليه كتابا لطيفا يأمره فيه أن يسلم العمل الذى بيد أبى زعبل «1» ، وهو مدينة تيجس وقصر الإفريقى وقسطنطينة إلى خليفة ولده المنصور. ودعا باديس هاشم بن جعفر فخلع عليه وأعطاه الطبول والبنود. وأمره بالخروج إلى هذا العمل. فخرج بخزائن وعدد.
وبعث باديس إلى عمه إبراهيم بن يوسف يشاوره «2» : من يمضى بالكتاب إلى حماد؟ فقال إبراهيم: «لا يجد سيدنا من عبيده أنصح
له ولا أنهض بخدمته منى» . وضمن ذلك «1» وأكد على نفسه العهود والمواثيق تبرعا منه. وذكر أنه لا يقيم فى مضيه وعوده بإحكام هذا الأمر إلا أقل من عشرين يوما. فأشار على باديس ثقاته أن يعتقل «2» إبراهيم حتى يرى ما يكون من طاعة أخيه. فأبت نفسه ذلك، وقال له:«امض إلى أخيك يا عم. فإن كنت صادقا فيما عقدته على نفسك ووفيت بعهدك، وإلا فاجعل يدك فى يده وافعلا ما تقدران عليه وتستطيعانه» .
فخرج إبراهيم بمال جملته أربعمائة ألف دينار عينا وبجميع خزائنه وذخائره ورجاله وعبيده. وكان خروجه على تلك الحال من أدل الأشياء على نفاقه. وذلك لإحدى عشرة ليلة بقيت من شوال سنة خمس وأربعمائة. وصحبه هاشم بن جعفر، وقد أضمر إبراهيم الغدر إذا صار إلى الموضع الذى يدخل منه إلى عمل أخيه. فلما قرب منها ترك هاشما واعتذر إليه بأشغال له بباجة، وعدل إلى طريقها، ووعده أن يلحق به «3» . ومضى إبراهيم حتى وصل إلى مدينة تامديت فكاتب أخاه حمادا بالذى فى نفسه. فوصل إليه فى ثلاثين ألف فارس. فاجتمعت كلمتهما على خلع الطاعة وأظهرا النفاق.
فانتهى ذلك إلى باديس فرحل لخمس خلون من ذى الحجة «4»
منها. ونزل رقادة «1» ووضع العطاء. ثم رحل بعد عيد الأضحى وكتب إلى هاشم بن جعفر أن يصعد إلى قلعة شقبنا رية»
فيتحصن بها ففعل. فحاصره حماد وإبراهيم بها. ووقع بينهم قتال شديد فانهزم هاشم ومن معه إلى باجة. واحتوى حماد وإبراهيم على جميع ما كان معه من الأموال والخزائن والأثقال والخدم، ونجا هو بأولاده ووجوه أصحابه.
ورحل باديس حتى نزل بمكان يسمى قبر الشهيد. فوصل إليه جماعة كثيرة من عسكر حماد. ثم ورد عليه كتاب من حماد على يد أبى مغنين الوتلكاتى يذكر فيه أنه على الطاعة، وأنه كان قد هيأ هدية فى جملتها ألفا برذون وغير ذلك لينفذها إلى المنصور، إلى أن وافاه إبراهيم واعتذر أعذارا كثيرة، فخالفها ما يظهر من أفعاله. وذلك أنه أحرق الزرع، وسبى الذرارى، وسفك الدماء. وتواترت أصحابه واصلين إلى باديس متنصلين من فعله.
ورحل باديس حتى صار بينه وبين حماد مرحلة واحدة، وقد بلغ عسكر حماد ثلاثين ألف فارس، غير من لحق بباديس وغير الراجل.
قال: وورد الخبر وهو بتامديت بوفاة ابنه المنصور بجدرى أصابه فكتم أصحابه عنه ذلك. فبعث إليه إبراهيم يقول: «إن ولدك الذى طلبت له ما طلبت قد مات» . فما تضعضع لذلك، وتلقاه بالصبر والشكر، وجلس للعزاء، وذلك لخمس خلون من صفر.
ثم سار ونزل بمدينة دكمة «1» . وجاءه جماعة من أقارب حماد وخواصه ورجال دولته، وكتاب من قبل خلف الجيزى «2» ، وهو الوالى على مدينة آشير، وكان عند حماد أقرب من الولد لا يوازيه فى رتبته أحد، يذكر أنه منع حمادا من الدخول إلى مدينة آشير وأغلقها دونه. فكان ذلك أول الفتح وأعظم الظفر.
قال: فلما رأى حماد مخالفة خلف عليه مضى إلى تاهرت. ورحل باديس يوم الجمعة «3» الثانى من شهر ربيع الأول. فنزل مدينة المحمدية «4» وهى المسيلة. فأقام بها ستة أيام ثم زحف إلى القلعة.
ورجع من غير قتال.
ثم أنفذ باديس أخاه كرامت إلى المدينة التى أحدثها حماد. فخرج إليها فى عسكر كثير، فهدم قصورها ومساكنها جزاء لما فعله حماد وأخوه فى البلاد. ولم يتعرض لأخذ مال ولا سفك دم. واتصل ذلك بإبراهيم، فأقبل يهدم كل قصر كان لأخيه خارجا عن القلعة، مخافة أن يسبقه كرامت إليه. وهرب من القلعة جماعة إلى باديس وتركوا نساءهم وأولادهم وأموالهم «5» . فأقبل إبراهيم يذبح الأولاد على صدور أمهاتهم، ويشق بطونهم. وفعل أفعالا شنيعة.
قال: ورحل باديس إلى آشير ثم منها إلى وادى شلف. ونزل حماد فى الجبهة الأخرى من الوادى. ورتب كل منهما عساكره وعبأها
وتهيأ للحرب. والتقوا فى يوم الأحد غرة جمادى الأولى. وكان حماد قد أسند ظهره إلى جبل بنى واطيل، وهو جبل منيع صعب المرتفى، وبينه وبين عسكر باديس الوادى، وهو واد عميق لا يطمع فى تعديته لشدة توعره وعمق قعره وصعوبة انحداره وكثرة مائه. فلما رأى باديس ذلك حمل بفرسه واقتحم الوادى. فتبعته العساكر وعدت الرجالة سباحة. فما كان إلا كرجع الطّرف حتى صاروا فى الجهة الأخرى مع عساكر حماد «1» . ثم اصطفوا واقتتلوا واشتد القتال وكثر القتل. فانكشف حماد وتفرق أصحابه عنه بعد قتال شديد.
فولّى منهزما لا يلوى على شىء، وقتل حرمه بيده. فوقف باديس عليهن وهن قتيلات. وخلص حماد فيمن ثبت معه من عبيده إلى قلعه مغيلة فى خمسمائة فرس. ولولا اشتغال الناس بالنهب لما فاتهم. وأصبح باديس فبعث فى طلب حماد فسبقهم إلى القلعة. وأراد التحصن «2» بها إن أدركته العساكر. ثم سار عنها إلى قلعته فوصل إليها لسبع مضين من جمادى الأولى، واستعد للحصار.
وسار باديس إلى المحمدية فوصل إليها لليلتين بقيتا من الشهر.
فأتاه رسول عمه إبراهيم بالاعتذار ويذكّر باديس بما سلف لحماد من الخدمة فى دولته، وأنه هو الذى سد ثغور المغرب، وقام محاميا عن هذه الدولة كقيام الحجاج بن يوسف بدولة بنى أمية، واعترف بالخطأ. فرد عليه باديس رسله بجواب. واختلفت الرسائل إليه منهما طلبا للمدافعة. فأمر باديس بالبناء. وبذل لرجاله «3» الأموال