الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر اخبار خلف بن خير
«1»
قال: وفى سنة أربع وستين وثلاثمائة صعد خلف بن خير من بنى هراش إلى قلعة منيعة من ناحية بلده. واجتمع إليه خلق عظيم «2» من سائر قبائل البربر. وخرج إليه كل من كان قد خالف مع ابن القديم. فكتب عبد الله إلى أبى الفتوح كتابا يذكر فيه أن إفريقية قد استوت كلها له، وأنه لا خوف بها إلا من الذين اجتمعوا مع ابن خير فى القلعة. فرحل يوسف إلى القلعة ونازلها، فى عساكر عظيمة. فظفر بها فى اليوم الرابع من منازلتها، وهرب خلف، وقتل فى القلعة ما لا يحصى. وبعث منها سبعة آلاف رأس طوفها عبد الله فى القيروان ثم بعثت إلى مصر «3» . ونفى «4» أكثر ممن قتل. وغنم جميع ما فيها. وسار خلف بن خير إلى بلد كتامة. فبعث إليهم يوسف يقول:«برئت الذمة ممن دفع عنه وآواه، ومن فعل جازيته» . فأخذه القوم الذين انتهى إليهم ومعه ابنه وأخوه وخمسة من بنى عمه، وأتوا بهم إلى يوسف. فأحسن صلة من جاء بهم. وبعثهم إلى عبد الله الكاتب وأمره أن يشهرهم ويطوف بهم على الجمال. ففعل ذلك بهم ثم صلبهم وضرب أعناقهم، وبعث برؤوسهم إلى مصر.
قال: ولما فتح أبو الفتوح هذه القلعة، اختار من عبيدهم أربعة آلاف من الشجعان فشح بقتلهم لشجاعتهم وقربهم، وأراد أن يجعلهم فى جملة عبيده. فاتفق أن أحدهم سأل عن أبى الفتوح وقال:«عندى نصيحة» . فأشاروا إليه إلى ابن عم لأبى الفتوح ولا يشك الذى أشار إليه أنه هو. فأتاه وقال له: «إنى أريد أن أخبرك بنصيحة» . فلما دنا منه، ضربه بسكين كانت معه فشق بطنه وأخرج أمعاءه فسقط من ساعته ميتا. وكان ذلك الغلام لرجل ممن قتله أبو الفتوح فى تلك القلعة. فعندها أمر بقتل أولئك فقتلوا فى ساعة واحدة.
ثم بعث عشرة من أهل القيروان إلى باغاية يحذرهم المخالفة ويطلب منهم النزول على حكمه، وإلا فعل بهم ما فعل بأهل القلعة فأجابوه إلى الطاعة ونزلوا على حكمه. فحكم أن يسلموا إليه المدينة «1» ويمضوا حيث شاؤوا. ففعلوا ذلك ووفى لهم. وأخرب المدينة القديمة التى عليها السور، وترك «2» الربض ثم أتى إفريقية.
وأتاه الخبر بوفاة المعز لدين الله وولاية ابنه نزار بن معد فكتب إليه يوسف فى سنة سبع وستين، يسأله «3» فى طرابلس وسرت وأجدابية، فأجابه ودفع ذلك إليه.
وفى سنة تسع وستين، رحل أبو الفتوح إلى فاس «4» ،
وسجلماسة وأرض الهبط. فملك ذلك كله وطرد منه عمال بنى أمية.
ثم بعث إلى سبتة فى طلب من لجأ إليها من زناتة. فلقى فيما قرب منها جبالا شامخة وشعارى غامضة فأمر بقطعها وإطلاق النيران فيها حتى وجد العسكر فيها مسلكا. وأمر عساكره بالوقوف. ومضى هو بنفسه وخواص أصحابه حتى أشرف على سبتة من جبل عال مطل عليها. فخاف أهل سبتة منه وغلقوا أبوابهم. فنظر إليها ورأى منعتها، فعلم أنه لا يستطيعها إلا بالمراكب، فرجع عنها «1» .
ومضى يريد البصرة، بصرة المغرب. فلما علمت به زناتة رحلوا بأجمعهم إلى الرمال والصحارى هاربين منه. ودخل البصرة وكانت قد عمرت عمارة عظيمة مع بنى الأغلب. فأمر بنهبها وهدمها، فهدّمت وحرقت «2» .
ورحل بعساكره إلى بلد برغواطة، وكان ملكهم عيسى بن أبى الأنصار «3» شعوذيا ساحرا، فسحر من عقولهم حتى جعلوه نبيا وأطاعوه فى كل ما أمرهم به، وشرع لهم شريعة، وأتاهم بغير دين الإسلام. فاتبعوه فضلّ وأضلّهم. فغزاهم أبو الفتوح، وكانت بينهم حرب شديدة لم ير مثلها، كان الظفر للمسلمين. وقتل