الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجارود من القيروان فى مستهل صفر، واستخلف عليها عبد الملك بن عباس «1» . وكانت أيام ابن الجارود سبعة أشهر.
وأقبل العلاء بن سعيد ويحيى بن موسى متسابقين إلى القيروان، فسبقه العلاء إليها. فقتل منها «2» جماعة من أصحاب ابن الجارود. فبعث إليه يحيى:«إن كنت على الطاعة ففرّق جموعك» . فأمر من معه بالانصراف إلى مواضعهم. وسار فى نحو ثلاثمائة من خاصته إلى طرابلس. وكان ابن الجارود قد وصل إليها قبل وصوله وخرج مع يقطين بن موسى نحو المشرق حتى وصل إلى هارون الرشيد.
قال: وكتب العلاء إلى منصور وهرثمة أنه الذى أخرج ابن الجارود من إفريقية. فكتب إليه هرثمة بالقدوم، وأجازه بجائزة سنية. وبلغ خبره هارون، فكتب إليه بمائة ألف درهم صلة سوى الكسا، فلم يلبث إلا يسيرا حتى توفى بمصر.
ذكر ولاية هرثمة بن أعين
قال: وقدم هرثمة القيروان فى مستهل شهر ربيع الآخر سنة تسع وسبعين ومائة «3» فأمن الناس وسكنهم وأحسن إليهم.
وهو الذى بنى القصر الكبير بالمنستير «4» فى سنة ثمانين
ومائة. وبنى أيضا سور مدينة طرابلس مما يلى البحر. وواتر الكتب إلى الرشيد أن يعفيه من إفريقية لما رأى الاختلاف بها وسوء طاعة أهلها. فكتب إليه بالقدوم إلى المشرق. فرجع فى شهر رمضان سنة إحدى وثمانين ومائة «1» .
ذكر ولاية محمد بن مقاتل بن حكيم «2» العكى
قال: ولما كتب هرثمة إلى هارون يسأله الإعفاء وجه محمد بن مقاتل أميرا للمغرب «3» ، وكان رضيع هارون «4» .
فقدم القيروان فى شهر رمضان سنة إحدى وثمانين ومائة. ولم يكن بالمحمود السيرة، فاضطربت عليه أحواله واختلف جنده، وكان سبب الاضطراب عليه أنه اقتطع من أرزاق الجند وأساء السيرة فيهم وفى الرعية. فقام فلاح القائد، ومشى فى أهل الشام وخراسان حتى اجتمع رأيهم على تقديم مرة بن مخلد الأزدى «5» .
وخرج عليه بتونس تمام بن تميم التّميمى- وكان عامله عليها- فبايعه جماعة من القواد وأهل الشام وأهل خراسان. فخرج فى النصف من شهر رمضان سنة ثلاث وثمانين ومائة إلى القيروان. وخرج إليه ابن العكى فيمن معه، فقاتله قتالا
شديدا فى منية الخيل، فانهزم ابن العكى ودخل القيروان، وتحصن فى دار كان قد بناها، وجلا عن دار الإمارة. وأقبل تمام ودخل القيروان فى يوم الأربعاء لخمس بقين من شهر رمضان. فأمّنه تمام على دمه وماله، على أنه يخرج عنه.
فخرج تلك الليلة وسار حتى وصل إلى طرابلس ثم مضى إلى سرت. وعاد إلى طرابلس بمكاتبة بعض أهل خراسان فنهض إبراهيم بن الأغلب من الزاب على تمام غضبا للعكى.
فلما بلغ تماما إقباله جلا عن القيروان، ودخلها إبراهيم بن الأغلب.
فخطب الناس وأعلمهم أن أميرهم محمد بن مقاتل. وكتب إليه بالرجوع، فرجع.
ثم أخذ تمام فى مراسلة الناس وإفسادهم على العكى فمالوا إليه. فكثر جمعه وطاب نفسا بقتال العكى. وكتب إليه.
«أما بعد. فإن إبراهيم بن الأغلب لم يبعث إليك فبردك من كرامتك عليه ولا للطاعة التى يظهرها، ولكنه كره «1» أن يبلغك أنه أخذ البلاد فترجع إليه. فإن منعك كان مخالفا، وإن دفعها إليك كان كارها. فبعث إليك لترجع ثم يسلمك إلى القتل.
وغدا تعرف ما جربت من وقعتنا أمس» . وفى آخره:
وما كان إبراهيم من فضل طاعة
…
يرد عليك الثّغر إلا لتقتلا «2»
فلو كنت ذا عقل وعلم بكيده
…
لما كنت منه يابن عك لتقبلا «1»
فلما وصل كتابه، قرأه العكى ودفعه إلى إبراهيم بن الأغلب.
فقرأه وضحك وقال: «قاتله الله! ضعف عقله زيّن له ما كتب به» فكتب إليه ابن العكى:
«من محمد بن مقاتل إلى الناكث تمام.
أما بعد، فقد بلغنى كتابك، ودلنى ما فيه على قلة رأيك.
وفهمت قولك فى إبراهيم. فإن كنت كتبت نصيحة، فليس من خان الله ورسوله وكان من المفسدين بمقبول منه ما يتنصّح به.
وإن كانت خديعة فأقبح الخدائع ما فطن له. وأما ما ذكرت من من إسلام إبراهيم إذا التقينا، فلعمر أبيك ما يلقاك أحد غيره.
وأما قولك: إنا جربنا من وقعتك أمس ما سنعرفه غدا، فإن الحرب «2» سجال: فلنا يا تمام عليك العقبى إن شاء الله» وفى أسفله:
وإنى لأرجو إن لقيت ابن أغلب
…
غداة المنايا أن تفل وتقتلا «3»
تلاقى فتى يستصحب الموت فى الوغى
…
ويحمى بصدر الرمح مجدا مؤئلا «4»
فأقبل تمام من تونس فى جمع عظيم. وأمر ابن العكى من كان معه من أهل الطاعة بالخروج إليه وتقدمة إبراهيم بن الأغلب.
والتقوا واقتتلوا فانهزم تمام إلى تونس، وقتل جماعة من أصحابه.
وانصرف العكى إلى القيروان ثم أمر إبراهيم بالمسير «1» إلى تمام بتونس، وذلك فى شهر المحرم سنة أربع وثمانين ومائة.
فلما بلغ تماما إقباله كتب إليه يسأله الأمان، فأمنه. وأقبل به إلى القيروان يوم الجمعة لثمان خلون من الشهر. فلما صار الأمر إلى إبراهيم بن الأغلب بعث تمام بن تميم وغيره من وجوه «2» الجند الذين شأنهم الوثوب على الأمراء إلى بغداد، فحبسوا فى المطبق.
قال: ودام محمد بن مقاتل فى القيروان إلى أن عزله الرشيد واستعمل إبراهيم بن الأغلب، على ما نذكره فى أخبار دولة بنى الأغلب إن شاء الله تعالى.