الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيها لأبى جعفر، وهو أول سواد لبس بإفريقية- فأمر بتخريقها وحرقها. وأمر كاتبه خالد بن ربيعة أن يكتب كتابا بخلعه، ويقرأ على المنابر فى سائر بلاد المغرب، ففعل ذلك.
ذكر مقتل عبد الرحمن بن حبيب وولاية أخيه الياس بن حبيب وقتله وولاية حبيب بن عبد الرحمن وقتله
كان سبب قتل عبد الرحمن أنه لما قتل مروان بن محمد الحمار هرب جماعة من بنى أمية ومعهم حريمهم نحو إفريقية، فتزوج عبد الرحمن وإخوته منهم. وكان ممن قدم عليه ابنان للوليد بن يزيد ابن عبد الملك، يقال لأحدهما العاص «1» والآخر [عبد]«2» المؤمن. وكانت ابنة عمهما تحت إلياس بن حبيب. فأنزلهما عبد الرحمن بدار شيبة «3» بن حسان. وتسلك عليهما ليسمع كلامهما وكانا على نبيذ، وغلامهما يسقيهما. فقال العاص:«ما أغفل عبد الرحمن! أيظن أنه يتهنى معنا بولاية ونحن أولاد الخلفاء؟» .
فنزل وانصرف ولم يعلما به «4» ثم أمر بقتلهما. فقالت ابنة عمهما لزوجها إلياس: «إنه قتل أختانك تهاونا بك، وجعل العهد من بعده لابنه حبيب وأنت صاحب حربه وسيفه الذى يصول به» ! ولم تزل
تغريه به. وكان عبد الرحمن إذا ثار عليه ثائر أو خرج عليه خارجى يرسل «1» أخاه إلياس لقتاله. فإذا ظفر، نسب الظفر لابنه حبيب وجعل العهد فيه. فاجتمع رأى إلياس بن حبيب وعبد الوارث أخيه على قتل عبد الرحمن أخيهما. ووالاهما على ذلك جماعة من أهل القيروان والعرب «2» وغيرهم، على أن يكون الأمر لإلياس، والدعاء لأبى جعفر المنصور. فأتاه إلياس ليلا فاستأذن عليه بعد العشاء الآخرة. فقال:«ما جاء به وقد ودعنى؟» وكان إلياس قد عزم على الخروج إلى تونس. وأذن له، فدخل «3» عليه وهو فى غلالة وردية وابن له صغير فى حجره. فقعد طويلا وعبد الوارث يغمز. فلما قام يودعه، أكب عليه يعانقه، فوضع السكين بين كتفيه حتى صارت إلى صدره. فصاح عبد الرحمن وقال:«فعلتها يا ابن اللخناء؟» .
ثم ضربه إلياس بالسيف. فاتقاه «4» بمرفقه، فأبان يده. وضربه حتى أثخنه. ودهش إلياس وخرج هاربا. فقال له أصحابه:
«ما فعلت؟» . قال: «قتلته» . فقالوا: «ارجع وحزّ رأسه، وإلا قتلنا عن آخرنا» . ففعل. وثارت الصيحة. وأخذ إلياس «5» أبواب دار الإمارة.
وسمع حبيب بن عبد الرحمن الصيحة فهرب من القيروان.
وأصبح بقرب تونس فدخلها، واجتمع مع عمه عمران بن حبيب.
ولحق بهما موالى عبد الرحمن من كل ناحية. فخرج إليهما إلياس إلى سمنجة. فوافياه بمن معهما، وهموا بالقتال «1» . ثم اصطلحوا على أن يعود عمران إلى ولاية تونس وصطفورة والجزيرة، ويكون حبيب على قفصة وقصيطلة ونفزاوة، ولإلياس سائر إفريقية والمغرب.
ومضى إلياس مع عمران إلى تونس، وانصرف حبيب إلى القيروان. فوثب إلياس على أخيه عمران، وعلى عمر بن نافع بن أبى عبيدة الفهرى، وعلى الأسود بن موسى بن عبد الرحمن بن عقبة وعلى ابن قطن، فشدهم وثاقا، ووجههم فى سفينة إلى الأندلس إلى يوسف بن عبد الرحمن بن عقبة «2» .
وانصرف إلى القيروان فبلغه عن حبيب أخبار كرهها. فأغرى إلياس به، وأرسل إليه من زين له الخروج إلى الأندلس، ففعل.
وجهزه إلياس فى سفينة. فتعذّرت عليهم الريح. فكتب إلى إلياس أن الريح قد ردته، وأن المسير لا يمكنه. فاتهمه إلياس وخاف ناحيته. وكتب إلى عامله «3» سليمان بن زياد الرّعينى يحذره أمره.
فاجتمع إلى حبيب موالى أبيه، فأسروا سليمان بن زياد وشدوه وثاقا وكان معسكرا يحارس حبيبا. وأخرجوا حبيبا إلى البر وأظهروا أمره.
فتوجه إلى الأربس «4» فأخذها.
وبلغ خبره إلياس فتوجه إليه. واجتمع لكل واحد منهما جماعة.
فلما التقيا، قال حبيب لعمه إلياس:«لم نقتل موالينا وصنائعنا بيننا وهم لنا حصن؟ ولكن ابرز أنت وأنا، فأينا قتل صاحبه استراح منه: إن قتلتنى ألحقتنى بأبى، وإن قتلتك أدركت ثأرى منك» . فارتاب إلياس ساعة. فنادى الناس: «قد أنصفك فلاتجبن، فإن ذلك سبّة «1» عليك وعلى ولدك من بعدك» . فخرج كل منهما إلى صاحبه والتقيا ساعة. فضرب إلياس حبيبا فأعمل السيف فى ثيابه ودرعه ووصل إلى جسمه «2» . فعطف حبيب عليه وضربه بالسيف ضربة سقط بها عن فرسه إلى الأرض. فألقى حبيب نفسه عليه فحز رأسه ثم أمر برفعه على رمح. وهرب عبد الوارث بن حبيب ومن كان معه إلى بطن من البربر يقال لهم ورفجومة «3» ودخل حبيب القيروان وبين يديه رأس إلياس، ورأس محمد بن أبى عبيدة بن عقبة بن نافع عم أبيه، ورأس محمد بن المغيرة بن عبد الرحمن القرشى. وجاءه محمد بن عمرو بن مصعب الفزارى وهو زوج عمة أبيه مهنئا له، فضرب عنقه. وكان ذلك كله فى شهر رجب سنة ثمان وثلاثين ومائة.
قال: ولما وصل عبد الوارث بن حبيب ومن معه إلى ورفجومة نزلوا على عاصم بن جميل الورفجومى. فكتب إليه حبيب يأمره أن يوجه بهم إليه، فلم يفعل، فنهد «4» إليه حبيب. ولقيه عاصم واقتتلوا فانهزم حبيب. وكان قد استخلف على القيروان أبا كريب جميل بن
كريب القاضى. فقوى أمر ورفجومة، وكاتبهم بعض وجوه القيروان خوفا منهم على أنفسهم. فزحف عاصم بن جميل وأخوه مكرّم بالبربر «1» وبمن لجأ «2» إليهم وصاروا بناحية قابس. فلما قربوا من القيروان، خرج إليهم أبو كريب القاضى بأهل القيروان. حتى إذا دنوا من بعضهم، خرج من عسكر عاصم جماعة من أهل القيروان، فخذلوا الناس ودعوهم إلى عاصم. فافترق أكثر الناس عن أبى كريب ورجعوا إلى القيروان. وثبت أبو كريب فى نحو ألف رجل من وجوه الناس، وأهل البصائر والخشية والدين. وقاتلوا فقتل أبو كريب.
وقاتل من معه حتى قتلوا. ودخلت ورفجومة القيروان. فاستحلوا المحارم وارتكبوا العظائم. ونزل عاصم بعسكره بالموضع الذى يسمى مصلى روح.
واستخلف على القيروان عبد الملك بن أبى جعدة «3» النّفزى.
وسار إلى حبيب وهو بقابس. فقاتله فانهزم حبيب ولحق بجبل أوراس وهم أخوال أبيه. فسار عاصم فى طلبه إلى أوراس، والتقوا واقتتلوا، فهزم عاصم وقتل هو وأكثر أصحابه. وأقبل حبيب إلى القيروان. فخرج إليه عبد الملك بن أبى جعدة والتقوا. فقتل حبيب فى المحرم سنة أربعين ومائة. فكانت ولاية عبد الرحمن بن