الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر وفاة عبد المؤمن بن على وشىء من أخباره
كانت وفاته فى العشر الآخر «1» من جمادى الآخر «2» سنة ثمان وخمسين وخمسمائة بمدينة سلام. وكانت مدة ولايته ثلاثا وثلاثين سنة وأشهرا. وخلف ستة عشر «3» ولدا ذكورا.
وكان عاقلا، حازما، سديد الرأى، حسن السياسة للأمور، كثير البذل للأموال، إلا أنه كان كثير السفك لدماء المسلمين على صغار الذنوب. وكان يعظّم أمر الدين ويقويه، ويلزم الناس فى سائر بلاده بالصلاة. ومن رئى فى وقت الصلاة غير مصلّ قتل.
وجمع الناس على مذهب الإمام مالك بن أنس رحمه الله فى الفروع، وعلى مذهب أبى الحسن الأشعرى فى الأصول. وكان الغالب على مجلسه أهل العلم والدين، وإليهم المرجع والكلام معهم.
قال ابن شداد: وقفت على كتاب كتبه عنه بعض كتابه، يقول فيه بعد البسملة:«من الخليفة المعصوم الرّضى الهاشمى «4» الزّكى، الدى وردت البشارة به من النبى صلى الله عليه وسلم، العربى «5» القامع لكل مجسّم غوى، الناصر لدين الله العلى «6» ، أمير المؤمنين الولى، عبد المؤمن بن على» .
وحكى أيضا قال: أخبر رجل من أهل المهدية اجتمعت به بمدينة صقلية سنة إحدى وخمسين وخمسمائة، قال: لما فتح عبد المؤمن مدينة بجاية وجميع ملك بنى حماد، وافق ذلك وصولى بعد أيام من المهدية إلى بجاية بأحمال متاع مع قفل «1» ، فبتنا «2» على مرحلة من بجاية. فلما أصبح الصباح فقدت شدّة من المتاع، فحمدت الله «3» وسألته الخلف. ودخلنا البلد وبعت المتاع أحسن بيع وأفدت «4» فيه فائدة كبيرة»
. فقلت لصاحب الحانوت الذى بعت على يديه: «فقدت من هذا المتاع شدة، وأخلف الله على فى الباقى» . فقال لى: «وما أنهيت ذلك إلى أمير المؤمنين عبد المؤمن؟» قلت: «لا» . قال: «والله، إن علم «6» ذلك من غيرك لحقك الضرر بسترك على المفسدين. فاتق الله فى نفسك» . فرحت «7» إلى القصر واستأذنت عليه وأعلمته. ثم خرجت فسألنى خادم عن منزلى فوصفته له. ورجعت إلى صاحب الحانوت «8» فأخبرته.
فقال: «خرجت «9» من العهدة» .
فلما كان صبيحة اليوم الثالث من وصولى إليه، جاءنى غلام
أسود فقال: «أجب أمير المؤمنين» . فخرجت معه. فلما وصلنا باب القصر وجدت جماعة كبيرة «1» والمصامدة دائرة عليهم بالرماح. فقال لى الأسود «تعلم «2» من هؤلاء؟» قلت: «لا» .
قال: «هم أهل المكان الذى أخذ متاعك فيه» . فدخلت وأنا خائف، فأجلست بين يديه. واستدعى مشايخهم وقال لى:«كم «3» صح لك فى الشدة التى فقدت أختها» . فقلت: «كذا وكذا» .
فأمر من وزن لى المبلغ ثم قال لى: «قم. أنت أخذت حقك وبقى حقى وحق الله عز وجل» . وأمر بإخراج المشايخ وقتل الجميع. وقال: «هذه طريق شوك أزيلها عن المسلمين» . فأقبلوا يبكون ويتضرعون ويقولون: «يؤاخذ سيدنا الصلحاء بالمفسدين؟» فقال: «نخرج كل طائفة منكم من فيها من المفسدين» . فصار الرجل يخرج ولده وأخاه وابن عمه «4» إلى أن اجتمع منهم نحو خمسمائة فأمر أهلهم أن يتولوا قتلهم، ففعلوا ذلك. وخرجت أنا إلى صقلية خوفا على نفسى من أولياء المقتولين.
قال: وكان عبد المؤمن لا يداهن فى دولته، ويأخذ الحق من ولده إذا وجب عليه.
قال: ولا مشرك فى بلاده ولا كنيسة فى بقعة منها، لأنه كان إذا ملك بلدا إسلاميا لم يترك فيه ذميا إلا عرض عليه الإسلام. فمن