الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على الجبل المشرف عليها. وبنى سورا على الجبل إلى البحر، وعمل عليه خندقا، فصارت المدينة والحصن الذى فيه الفرنج محصورين بهذا السور والجبل. لا يمكن أن يصل إليها من ينجدها.
وجمع السليطين ملك الفرنج بالأندلس الجيوش وجاء إليها، فلم يتمكن منها ورجع ومات قبل وصوله إلى طليطلة. وتمادى الحصار على المرية ثلاثة أشهر، فقلّت الأقوات على الفرنج فطلبوا الأمان. فأمنهم أبو سعيد وتسلّم الحصن. ورحلوا فى البحر عائدين إلى بلادهم. وكانت مدة ملكهم المرية عشر سنين.
ذكر ملك عبد المؤمن مدينة المهدية من الفرنج وجميع بلاد افريقية
كان الفرنج قد تغلبوا على مدينة المهدية وملكوها فى سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة، كما قدمناه فى أخبار الحسن بن على بن يحيى بن تميم بن المعز بن باديس «1» ، وفعلوا بمدينة زويلة الأفعال الشنيعة من القتل والنهب والتخريب. فسار أهلها إلى عبد المؤمن وهو بمراكش يستنجدونه ويستجيرون به فأكرمهم.
وأخبروه بما جرى على المسلمين وأنه ليس فى ملوك الإسلام من يقصد غيره. فأطرق ثم رفع رأسه وقال: «أبشروا لأنصرنكم ولو بعد حين» .
وأمر بإنزالهم وأطلق لهم ألفى دينار.
ثم أمر بعمل الروايا «2» والقرب والحياض وما يحتاج إليه
العساكر. وكتب إلى جميع نوابه ببلاد المغرب وكان قد ملك إلى قريب تونس، فأمرهم بتحصيل الغلات، وأن تترك فى سنبلها وتخزن فى مواضعها، وأن يحفروا الآبار فى الطرق. ففعلوا ذلك فصارت كأنها تلال.
فلما كان فى صفر سنة أربع وخمسين وخمسمائة «1» ، وسار من مراكش يريد إفريقية ومعه من العساكر مائة ألف مقاتل ومن السوقة والأتباع أمثالهم. وبالغ فى حفظ العساكر حتى كانوا يسيرون بين الزروع فلا تتأذى بهم سنبلة واحدة. وإذا نزلوا صلوا جميعهم مع إمام واحد بتكبيرة واحدة لا يتخلف منهم أحد.
وقدم بين يديه الحسن بن على بن يحيى بن تميم الذى كان صاحب المهدية وإفريقية.
فسار حتى وصل إلى مدينة تونس فى الرابع والعشرين من جمادى الآخرة. وأقبل الأسطول فى البحر فى سبعين شينيا وطريدة وشلندى. فنازلها وأرسل إلى أهلها يدعوهم إلى الطاعة. فامتنعوا وقاتلوا أشد قتال. فلما جاء الليل خرج إليهم سبعة عشر رجلا «2» من أعيان أهلها، وسألوا عبد المؤمن الأمان لأهل بلدهم. فأجابهم إلى الأمان لهم فى أنفسهم وأهلهم وأموالهم لمبادرتهم إلى الطاعة «3» وأما من عداهم من أهل البلد فأمنهم فى أنفسهم وأهليهم «4» ،
ويقاسمهم أموالهم وأملاكهم نصفين، وأن يخرج صاحب البلد هو وأهله. فاستقر ذلك وتسلم «1» البلد. وأرسل أمناء ليقاسموا الناس على أموالهم. وأقام عليها ثلاثة أيام. وعرض الإسلام على من بها من اليهود والنصارى، فمن أسلم سلم، ومن أبى قتل.
وسار عبد المؤمن إلى المهدية والأسطول يحاذيه فى البحر.
فوصل إليها فى ثانى عشر «2» شهر رجب من السنة. وبها أولاد ملوك الفرنج وأبطال الفرسان، وقد أخلوا مدينة زويلة وبينها وبين المهدية غلوة سهم «3» . فدخلها عبد المؤمن، وامتلأت بالعساكر والسوقة فصارت مدينة معمورة فى ساعة واحدة. ومن لم يكن له من العسكر موضع نزل بظاهرها. وانضاف إليهم «4» من صنهاجة والعرب وأهل البلاد ما يخرج عن الإحصاء. وأقبلوا على قتال من بالمهدية، وهى لا يؤثر فيها شى لحصانتها وقوة سورها وضيق موضع القتال عليها لأن البحر دائر بأكثرها، وهى كأنها كف فى البحر وزندها متصل بالبر. فكانت شجعان الفرنج تخرج إلى أطراف العسكر فينالون منه ويسرعون العود. فأمر عبد المؤمن ببناء سور من غربى المدينة يمنعهم من الخروج. وأحاط الأسطول بها فى البحر. وهال عبد المؤمن ما رأى من حصانة البلد، وعلم أنها لا تفتح بقتال، وليس لها غير المطاولة. وقال للحسن:«كيف نزلت عن هذا الحصن؟» فقال: «لقلة من يوثق به وعدم القوت
وحكم القدر» . فقال: «صدقت» . وأمر بجمع الغلات فلم يمض غير قليل حتى صار فى العسكر كالجبلين من الحنطة والشعير.
وتمادى الحصار.
وفى مدته أطاع عبد المؤمن أهل سفاقس وطرابلس وجيال نفوسة وقصور إفريقية وما والاها. وفتح مدينة قابس وأتاه يحيى ابن تميم صاحب قفصة ومعه جماعة من أعيانها. ولما قدموا عليه دخل حاجبه عبد السلام الكومى «1» يستأذنه عليهم. فقال له عبد المؤمن:
«أتى عليك «2» ليس هؤلاء أهل قفصة» . فقال: «لم يشتبه على وإنهم أهلها» . فقال عبد المؤمن: «كيف يكون ذلك والمهدى يقول: إن أصحابنا يقطعون أشجارها ويهدمون أسوارها؟
ومع هذا فنقبل منهم ونكف عنهم وننتظر ما يكون، ليقضى الله أمرا كان مفعولا» «3» وقضى شغلهم وأرسل معهم طائفة من الموحدين، وفيهم زكرى بن يومون «4» ، وولاه عليها. وورد فى جملة أهل قفصة شاعر «5» منهم، فمدحه بقصيدة أولها:
ما هزّ عطفيه بين البيض والأسل
…
مثل الخليفة عبد المؤمن بن على
فلما أنشده هذا البيت قال: «حسبك» ووصله بألف دينار «6» .
قال: ولما كان فى يوم الاثنين لثمان بقين من شعبان سنة أربع وخمسين، جاء أسطول صاحب صقلية فى مائة وخمسين شينيا غير الطرائد، فقاتلهم أسطول عبد المؤمن فانهزموا. وتبعهم المسلمون وأخذوا منهم سبعة شوان. فحينئذ أيس من بالمهدية من النجدة.
وصبروا على الحصار إلى آخر ذى الحجة من السنة حتى فنيت أقواتهم وأكلوا خيلهم. فنزل عشرة من فرسانهم إلى عبد المؤمن وسألوه الأمان لمن فيها من الفرنج على أنفسهم وأموالهم، ليخرجوا منها ويعودوا إلى بلادهم. فعرض عليهم الإسلام، فأبوا. ولم يزالوا يستعطفونه حتى أجابهم وأمنهم. وأعطاهم سفنا فنزلوا فيها.
وساروا إلى جزيرة صقلية. وكان الفصل شتاء، فغرق أكثرهم ولم يصل منهم إلى صقلية إلا القليل. وكان صاحب صقلية قد قال:
«إن قتل عبد المؤمن أصحابنا بالمهدية قتلنا المسلمين الذين بجزيرة صقلية وأخذنا حرمهم وأموالهم» . فأهلك الله الفرنج غرقا وكان مدة استيلاء الفرنج على المهدية اثنتى عشرة سنة.
ودخل عبد المؤمن مدينة المهدية بكرة عشوراء سنة خمس «1» وخمسين وخمسمائة. وسماها عبد المؤمن سنة الأخماس. وأقام بالمهدية عشرين يوما. ورتب أحوالها، ونقل إليها الذخائر من الأقوات والسلاح والعدد والرجال. واستعمل عليها أبا عبد الله محمد ابن فرج. وجعل معه الحسن بن على بن يحيى الذى كان صاحبها.