الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: وكان مقام الجيش بإفريقية خمسة عشر شهرا «1» ، ولم يفقد من المسلمين إلا ناس قلائل «2» . ثم كان بعد ذلك من مقتل عثمان وخلاف علىّ ومعاوية ما قدمنا ذكره «3» ، إلى أن استقر أمر معاوية فاستعمل معاوية بن حديج.
ذكر ولاية معاوية بن حديج الكندى وفتح افريقية ثانيا
«4»
كانت ولايته فى سنة خمس وأربعين من الهجرة. وسبب ذلك أن هرقل صاحب القسطنطينية كان يؤدّى إليه من كل ملك من ملوك البر والبحر إتاوة معلومة فى كل سنة. فلما بلغه ما صالح عليه أهل إفريقية عبد الله «5» بن سعد بن أبى سرح، بعث بطريقا إلى إفريقية يقال له «أوليمة» وأمره أن يأخذ من أهلها ثلاثمائة قنطار ذهبا كما أخذ منهم ابن أبى سرح. فنزل البطريق قرطاجنّة وأخبرهم بأمر الملك. فأبوا عليه ونابذوه وقالوا: «الذى كان بأيدينا من الأموال فدينا به أنفسنا، والملك فهو سيدنا يأخذ منا كما كنا نعطيه فى
كل سنة» . وكان القائم بأمر إفريقية بعد جرجير رجل يقال له «جناحة» «1» ، فطرد أوليمة البطريق.
ثم اجتمع أهل إفريقية وولوا على أنفسهم رجلا يقال له «الأطريون» وقيل فيه: «الأطيلون» . فسار جناحة إلى الشام إلى معاوية بن أبى سفيان. فذكر له حال إفريقية وسأله أن يبعث معه جيشا من العرب. فوجه معه معاوية بن حديج فى جيش كثيف. فلما انتهى إلى الإسكندرية هلك جناحة.
ومضى ابن حديج حتى انتهى إلى إفريقية، وهى حرب، وقد صارت نارا. وكان فى عسكره عبد الملك بن مروان، ويحيى بن الحكم، وكريب بن إبراهيم بن الصباح «2» ، وخالد بن ثابت الفهمى «3» . وقيل: كان معه عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله ابن الزبير، وأشراف من جند الشام ومصر. فقدم ولا يشك أهل إفريقية أن جناحة معه. فنزل معاوية غربى قمونية «4» فى سفح جبل على عدة فراسخ «5» منها. فأصابه فيه نوء شديد فقال: «إن
جبلنا هذا لممطور» فسمّى الجبل ممطورا «1» إلى اليوم. ثم قال:
«اذهبوا بنا إلى ذلك القرن» فسمى أيضا القرن «2» .
وبعث ملك الروم بطريقا يقال له نجفور «3» فى ثلاثين ألف مقاتل. فنزل على ساحل البحر بسنطبريّة «4» . فبعث ابن حديج إليه خيلا. فقاتلوه فانهزم وأقلع فى البحر.
وقاتل معاوية أهل جلّولاء «5» على باب المدينة. فكان يقاتلهم صدر النهار، فإذا مال الفىء «6» انصرف إلى معسكره بالقرن.
فقاتلهم ذات يوم. فلما انصرف نسى عبد الملك بن مروان قوسا «7» له معلقة بشجرة. فانصرف ليأخذها، وإذا جانب المدينة قد انهدم.
فصاح فى أثر الناس فرجعوا. وكانت بينهم حرب شديدة وقتال عظيم حتى دخلوا المدينة عنوة، واحتووا على جميع ما فيها، وقتلوا المقاتلة، وسبوا الذرية. وقيل: بل كان معاوية بن حديج مقيما بالقرن وبعث عبد الملك «8» بن مروان إلى جلولاء، فى ألف فارس «9» . فحاصرها أياما فلم يظفربها. وانصرف الناس منكسرين