الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر وفاة المهدى محمد بن تومرت
كانت وفاته فى سنة أربع وعشرين وخمسمائة «1» ، وذلك أنه مرض بعد إرسال الجيش لحصار مراكش واشتد مرضه. وأتاه خبر الهزيمة وقتل الونشريسى، فسأل عن عبد المؤمن. فقيل:«هو سالم» . فقال: «ما مات أحد، والأمر قائم، وهو الذى يفتح كل البلاد» . ووصى أصحابه بتقديمه، واتباعه، وتسليم الأمر إليه، والانقياد له. ولقبه أمير المؤمنين ثم مات. وكان عمره إحدى وخمسين سنة، وقيل: مات وله خمس وخمسون سنة. ومدة ولايته عشر سنين «2» .
ذكر ولاية عبد المؤمن بن على
«3»
كانت ولايته بعد وفاة المهدى محمد بن تومرت فى سنة أربع وعشرين وخمسمائة، بوصية من المهدى كما ذكرناه «4» . وكان فى الغزو فعاد إلى تينمل وتسلم «5» الأمر، وتلقّب بأمير المؤمنين على ما لقّبه به المهدى قبل وفاته. وأقام يتألف القلوب ويحسن إلى الناس إلى «6» سنة ثمان وعشرين وخمسمائة.
ذكر خروجه للغزو «1» وما فتحه من البلاد ومن «2» أطاعه من القبائل
قال: وفى هذه السنة ابتدأ عبد المؤمن بالغزو. وسار فى جيش كثيف، وجعل يمشى فى الجبل إلى أن وصل إلى تادلة «3» .
فمانعه أهلها وقاتلوه فهزمهم وفتحها. وتم منها إلى البلاد التى تليها.
ومشى فى الجبال يفتح «4» ما امتنع عليه. وأطاعه صنهاجة الجبل.
قال: فعند ذلك جعل أمير المسلمين على بن يوسف ولده تاشفين بن على ولى عهده، وأحضره من الأندلس، وكان أميرا عليها، وندبه لقتال عبد المؤمن، وذلك فى سنة إحدى وثلاثين «5» . فسار تاشفين لحربه «6» ، فكان يمشى فى الصحراء وعبد المؤمن فى الجبال.
وفى سنة اثنتين وثلاثين، كان عبد المؤمن بجيشه فى النواظر- وهو جبل عال مشرف- وتاشفين فى الوطأة، ويخرج من الطائفتين قوم يتطاردون ويترامون، ولم يكن بينهم لقاء. وسمى هذا عام النواظر، ويؤرخونه به.
وفى سنة ثلاث وثلاثين، توجه عبد المؤمن مع الجبل «1» فى الشّعراء «2» حتى انتهى إلى جبل كرانطة «3» . فأقام به فى أرض صلبة بين شجر، وتاشفين قبالته فى الوطأة فى أرض لينة «4» لا نبات بها. وكان الفصل شتاء، فتوالت الأمطار أياما كثيرة. فصار الموضع الذى فيه تاشفين وعسكره كالسباخ لا يستطيع الماشى أن ينقل فيها قدما. وقلّت الأقوات عندهم فهلكوا جوعا وبردا حتى وقدوا رماحهم وقرابيس سروجهم، وعبد المؤمن ومن معه فى تلك الأرض الصلبة والميرة تصل إليهم.
وفى ذلك الوقت سير عبد المؤمن جيشا إلى وجدة «5» من أعمال تلمسان. وقدم عليهم أبا عبد الله محمد بن رفوا «6» من آية خمسين.
فبلغ خبرهم إلى محمد بن يحيى متولى تلمسان. فخرج إليهم بجيش من الملثمين فالتقوا بموضع يعرف بمرج الحمر «7» . واقتتلوا فهزمهم الموحدون. وقتل محمد بن يحيى وكثير من أصحابه، وغنم الموحدون ما معهم ورجعوا بأسلابهم إلى عبد المؤمن.
فتوجه عبد المؤمن بجميع جيشه إلى جبال غمارة فأطاعوه قبيلة بعد قبيلة. وأقام عندهم مدة.
وما برح يمشى فى الجبال وتاشفين يحاذيه فى الصحارى إلى سنة خمس وثلاثين وخمسمائة، فتوفى على بن تاشفين بمراكش، وملك بعده ابنه تاشفين. فقوى طمع عبد المؤمن فى البلاد إلا أنه لم ينزل «1» الصحراء.
وفى سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة، توجه عبد المؤمن إلى تلمسان.
فنازلها وضرب خيامه فى جبل عال بأعلاها يسمى بين الصخرتين.
ونزل تاشفين خارج مدينة تلمسان على باب القرمادين. وكان بين أقوام من العسكرين مراماة ومطاردة مع الأيام. ودام ذلك أشهرا. ولم يكن بينهم مناجزة.
ورحل عبد المؤمن فى سنة تسع وثلاثين «2» إلى جبل تاجرة.
ووجه جيشا مع عمر بن يحيى الهنتاتى إلى مدينة وهران. فهاجمها بغتة وصار هو وجيشه فيها. فسار إليه تاشفين فخرج الهنتاتى منها.
ونزل تاشفين على الجانب الآخر من البلد. وذلك فى شهر رمضان سنة تسع وثلاثين وخمسمائة.
فلما كان فى ليلة سبع وعشرين من الشهر. وهى ليلة معظمة سيما بالمغرب، وبظاهر وهران ربوة مطلة على البحر، وبأعلاها ثنية يجتمع فيها المتعبدون- وهو موضع معظم عندهم- فسار «3» إليه تاشفين فى
نفر قليل من خاصة أصحابه «1» . وصعد إلى ذلك المعبد سرا بالليل، ولم يعلم به إلا النفر الذين معه. وقصد التبرك بحضور ختم القرآن مع الصالحين. فانتهى خبره إلى الهنتاتى، فسار لوقته بجميع عساكره إلى ذلك المعبد، وأحاطوا به وملكوا الربوة. فخاف تاشفين على نفسه أن يأخذوه، فركب فرسه وحمل به إلى جهة البحر من جرف عال فسقط على حجارة فهلك. ورفعت جثته على خشبة، وقتل من كان معه.
وقيل: إن تاشفين قصد حصنا هناك على رابية وله فيه «2» بستان كبير فيه من كل الفواكه. واتفق أن الهنتاتى سير سرية إلى ذلك الحصن لضعف من فيه، ولم يعلم أن تاشفين هناك. فألقوا النار فى باب الحصن فاحترق. فركب تاشفين فرسه وأراد الهرب.
فوثب به الفرس من داخل الحصن إلى خارج السور فسقط فى النار.
فأخذ تاشفين فعرف. فأرادوا حمله إلى عبد المؤمن فمات لوقته.
وتفرق عسكره واحتمى بعضهم بمدينة وهران.
قال: وأرسل المرحدون بالخبر إلى عبد المؤمن. فجاء من تاجرة فى يومه «3» ، ودخل وهران بالسيف وقتل من فيها.