الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيقال: إنه كان بين الجند والبربر من لدن قتالهم عمر بن حفص إلى انقضاء أمرهم ثلاثمائة وخمس وسبعون وقعة.
ذكر ولاية يزيد بن حاتم بن قبيصة ابن المهلب بن أبى صفرة
قال: ولما اتصل بأبى جعفر المنصور حال عمر بن حفص وحصره ثم بلغه أنه قتل، غمّه ذلك وساءه. فوجه يزيد بن حاتم فى ثلاثين ألفا من أهل خراسان، وستين ألفا من أهل البصرة والكوفة والشام «1» . فأقبل حتى صار إلى سرت. فاجتمع بجميل ابن صخر وبمن معه من الجند القادمين عليه من القيروان، وسار نحو طرابلس. فسار أبو حاتم إلى جبال نفوسة. وجعل يزيد على مقدمته سالم بن سوادة التّميمى. فالتقى سالم هو وأبو حاتم، واقتتلوا قتالا شديدا. فانهزم سالم وأصحابه، ورجعوا إلى عسكر يزيد.
وهال أبو حاتم أمر يزيد فطلب أوعر المنازل وأمنعها، فعسكر فيها، وخندق على عسكره. فأتاه يزيد من ناحية الخندق، والتقوا واقتتلوا. فقتل أبو حاتم وأهل البصائر من أصحابه، وانهزم الباقون.
وطلبهم يزيد فقتلهم قتلا ذريعا. وبعث خيله فى طلبهم بكل ناحية.
فكان عدة من قتل منهم ثلاثين ألفا. ويقال: إنه لم يقتل من الجند
إلا ثلاثة. وذلك فى يوم الاثنين لثلاث بقين «1» من شهر ربيع الأول سنة خمس وخمسين ومائة. وأقام يزيد بمكانه ذلك نحوا من شهر.
وبث خيله فى طلب الخوارج فقتلهم فى كل سهل وجبل.
ثم رحل حتى نزل قابس فدخلها لعشر بقين من جمادى الآخرة «2» .
واستقامت له الأمور بعد أن قتل البربر بكل ناحية. وبنى يزيد المسجد الأعظم بالقيروان، وجدده فى سنة سبع وخمسين «3» . ورتب أسواق القيروان، وجعل كل صناعة فى مكانها، حتى لو قيل: إنه الذى مصّرها، لم يبعد من الحق.
ولم تزل البلاد مستقيمة والأمور ساكنة مدة حياته إلى أن توفى فى شهر رمضان سنة سبعين ومائة «4» فى خلافة الرشيد. وكان كريما شجاعا نافذ الرأى، بعيد الصيت، غاية فى الجود. وهو القائل:
لا يألف الدرهم المضروب خرقتنا
…
إلا لماما قليلا ثم ينطلق «5»
يمر مرا عليها وهى تلفظه
…
إنى امرؤ لم يحالف خرقتى الورق «6»
وله أخبار بإفريقية تدل على كرمه وبعد همته. فمن مشهورها أن بعض وكلائه أتاه يوما فقال: «أعز الله الأمير! أعطيت فى الفول الذى زرعناه بفحص القيروان كذا وكذا!» . وذكر ما لا جليلا.
فسكت وأمر قهرمانه وطباخه أن يخرجا إلى ذلك الموضع. وأمر فراشيه أن يضربوا قبة، فضربوا مضارب كثيرة. وخرج مع أصحابه فتنزه فيه وأطعم. فلما أراد الانصراف دعا بالوكيل وأمر بأدبه وقال له:
«يا ابن اللّخناء، أردت أن أعيّر بالبصرة فيقال: يزيد بن حاتم باقلانى! أمثلى يبيع الفول، لا أمّ لك؟» . ثم أمر بإباحته. فخرج الناس إليه من بين آكل وشارب ومتنزه حتى أتوا على جميعه.
ومن أخباره المشهورة أنه خرج متنزها إلى منية الخيل، فنظر فى طريقه إلى غنم كثيرة. فقال:«لمن هذه؟» قالوا: «لابنك إسحاق» . فدعا به فقال له: «ألك هذه الغنم؟» . قال: «نعم» .
قال: «لم أردتها؟» . قال: «آكل من خرافها وأشرب من ألبانها وأنتفع بأصوافها» . قال: «فإذا كنت أنت تفعل هذا، فما بينك وبين الغنامين والجزارين فرق» . وأمر أن تذبح وتباح للناس.
فانتهبوها وذبحوها وأكلوا لحومها. وجعلوا جلودها على كدية، فهى تعرف بكدية الجلود «1» .
وله مكارم يطول شرحها رحمه الله تعالى.