الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتب المذهب بعد أن يجرد منها الحديث والقرآن. فحرق منها جملة فى سائر البلاد كالمدونة وكتاب ابن يونس، ونوادر ابن أبى زيد، ومختصره، والتهذيب للبرادعى، والواضحة. وأمر بجمع الحديث من المصنفات كالبخارى، ومسلم، والترمذى، والموطأ، وسنن أبى داود، والبزار، وابن أبى شيبة، والدار قطنى، والبيهقى، فجمع ذلك كله. فكان يمليه بنفسه على الناس ويأخذهم بحفظه. قال:
وانتشر هذا المجموع فى بلاد المغرب، وحفظه العوام والخواص.
وكان يجعل لمن حفظه الجوائز السنية. وكان قصده أن يمحو مذهب مالك من بلاد المغرب، ويحمل الناس على الظاهر من الكتاب والسنة.
وكان له من الأولاد محمد وهو ولى عهده، وإبراهيم، وعبد الله، وعبد العزيز، وأبو بكر، وزكريا، وإدريس، وعيسى، وموسى، وصالح، وعثمان، ويونس، وسعد، ومساعد. فهؤلاء أربعة عشر ولدا.
ولما مات ولى بعده ابنه محمد.
ذكر ولاية أبى عبد الله محمد بن أبى يوسف يعقوب بن أبى يعقوب يوسف بن عبد المؤمن ابن على الملقب الناصر لدين الله
كان أبوه قد ولاه العهد فى حياته. واستقل بالملك بعده، واستقام أمر دولته، وأطاعه الناس، وذلك فى جمادى الأولى سنة خمس وتسعين وخمسمائة. ولما ولى اتصل به فساد إفريقية. فأنفذ عمه أبا العلاء فى سبعين شينيا مشحونة بالعدد والمقاتلة. وجهز جيشا فى
البر مع أبى الحسن على بن أبى حفص «1» عمر بن عبد المؤمن فوصل إلى قسنطينة الهواء. ووصل الأسطول إلى بجاية. فلما اتصل خبرهم بعلى بن إسحاق «2» ومن معه من العرب هربوا وتركوا إفريقية ودخلوا إلى الصحراء. وتمادى بعض الأسطول إلى المهدية، فقبح مقدمهم على محمد بن عبد الكريم فعله. فشكا إليه ما ناله من أبى سعيد، وقال:«أنا فى طاعة سيدنا أمير المؤمنين محمد، وما أسلم المهدية إلا له أو لمن يأمرنى بتسليمها إليه. وأما أبو سعيد فلا أسلمها إليه أبدا» .
فأرسل محمد من تسلمها منه. وعاد إلى الطاعة.
قال: وجهز محمد جماعة من العرب إلى الأندلس واحتاط. واحترز.
فأتاه جماعة رسل من ملوك الفرنج يطلبون دوام الهدنة ويشاهدون أحوال الدولة. فأنزلهم على العادة، وحضروا مجلسه فطلبوا دوام الهدنة التى كانت بينهم وبين أبيه، واستقراض مائة ألف دينار.
فقال لهم: «المال والحمد لله لدينا والرجال، ونحن نجيب إلى ذلك بشرط أن ترهنوا عندنا معاقل على المال تكون بأيدينا إلى حين الوفاء.
وإن كان هذا منكم امتحانا فالسيوف التى تعرفون ما ردّت فى أغمادها والرماح ما حصلت على أوتادها» . فانصرفوا وقد ملأ قلوبهم رعبا.
وأبقوا الهدنة على ما كانت وأعرضوا عن ذكر السلف.
قال: وخرج أقارب يحيى بن إسحاق الميورقى من ميورقة لما علموا
بموت يعقوب فى أسطول كبير إلى جزيرة منرقة، وهى فى طاعة محمد.
ففتحوها واحتووا على أموالها، وتركوا فيها جندا يحفظونها. فاتصل ذلك بالأمير محمد. فجهز أسطولا فى غير أوان ركوب البحر فى كانون، وقدم عليهم أبا زيد. فوصل إلى منرقة ففتحها عنوة بالسيف وقتل بعض من فيها «1» . وتوجه إلى جزيرة ميورقة «2» ففتحها وقتل بعض من بها من الجند. وأسر ثلاثة من أقارب يحيى ابن إسحاق وقتل منهم واحد فى المعركة. وذلك كله فى سنة خمس «3» وتسعين وخمسمائة.
انتهى تاريخ ابن شداد وابن الأثير «4» فى أخبار المغرب إلى هذه الغاية.
وقال غيرهما ممن أرخ للمغاربة: وفى سنة سبع وتسعين وخمسمائة، قام بالسوس رجل جزولى يعرف بأبى قصبة، ودعا لنفسه، واجتمع عليه خلق كثير ثم هزمه الموحدون وأسلمه أصحابه، وقتل.
وفى سنة إحدى وستمائة، تجهز محمد بن يعقوب فى جيوش عظيمة لقصد إفريقية، وكان يحيى بن غانية اللمتونى قد استولى عليها ما خلا قسنطينة وبجاية. فنزل إفريقية وملكها، ولم يمتنع عليه منها إلا المهدية. فأقام عليها أربعة أشهر، وكان فيها الحسن بن على بن عبد الله بن محمد بن غانية «5» واليا لابن عمه يحيى. فلما طال عليه
الحصار سلمها وخرج يقصد ابن عمه. ثم بداله فراسل الأمير محمدا فقبله أحسن قبول ووصله بالصّلات السنية.
ثم ترك بإفريقية من يقوم بحمايتها، واستعمل عليها أبا محمد عبد الواحد. ورجع إلى مراكش فى سنة أربع «1» وستمائة. وأقام بها إلى أول سنة سبع «2» وستمائة. فقصد بلاد الروم بالغزو، ونزل على قلعة تسمى شلب ترّة «3» ففتحها. فجمع له الأذفنش «4» جموعا عظيمة من الأندلس والشام «5» والقسطنطينية. فالتقيا بموضع يعرف بالعقاب. فدهم الأدفنش المسلمين وهم على غير أهبة.
فانهزموا وقتل من الموحدين خلق كثير. وثبت الأمير محمد ثباتا لم ير من ملك قبله. ولولا ذلك لا ستؤصلت تلك الجموع. ثم رجع إلى مراكش. وكانت الهزيمة فى يوم الاثنين منتصف صفر «6» سنة تسع وستمائة. وانفصل الأدفنش، وقصد بياسة فوجدها خالية.
فقصد أبّذة فوجد فيها من المسلمين عددا كثيرا من المنهزمين وأهل بياسة. فأقام عليها ثلاثة عشر يوما، ودخلها عنوة وسبى وغنم.
فكانت هذه أشد على المسلمين من الهزيمة.