الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأمره أن يقتدى برأيه فى أفعاله. وأقطع الحسن بها إقطاعا وأعطاه دورا بالمهدية. ورتّب لأولاده وعبيده أرزاقا. ثم رحل عبد المؤمن من المهدية فى غرة «1» صفر سنة خمس وخمسين وخمسمائة.
ذكر ايقاع عبد المؤمن بالعرب
كان سبب ذلك أنه- لما أراد العود إلى بلاد المغرب بعد فراغه من أمر المهدية- جمع أمراء العرب من بنى رياح الذين كانوا بإفريقية، وقال لهم:«إنه قد وجب علينا نصرة الإسلام، وإن المشركين قد استفحل أمرهم بجزيرة الأندلس. واستولوا على كثير منها مما كان بيد المسلمين، وما يقاتلهم أحد مثلكم، فبكم فتحت البلاد أول الإسلام، وبكم دفع عنها العدو الأول «2» . ونريد منكم عشرة آلاف فارس من أهل النجدة والشجاعة يجاهدون فى سبيل الله» .
فأجابوه بالسمع والطاعة فحلّفهم على ذلك.
وساروا معه حتى انتهوا إلى مضيق جبل زغوان «3» . وكان منهم إنسان يقال له يوسف بن مالك، وهو من أمرائهم ورؤوس القبائل فيهم. فجاء إلى عبد المؤمن بالليل وقال له سرا: «إن العرب قد كرهت المسير إلى الأندلس وقالوا: ما غرض عبد المومن إلا
إخراجنا من بلادنا، وإنهم لا يفون بأيمانهم» . فقال:«يأخذ الله تعالى الغادر» . فلما كانت الليلة الثانية، هربوا إلى عشائرهم ودخلوا البر، ولم يبق منهم إلا يوسف بن مالك، فسماه عبد المؤمن يوسف الصادق. ولم يحدث فى أمرهم شيئا.
وسار مغربا يحث السير حتى قرب من القسنطينة، ونزل فى موضع مخصب يقال له وادى النساء «1» . فأقام به وضبط الطرق فلا يسير أحد البتة «2» ودام هناك عشرين يوما. وانقطع خبره عن جميع الناس لا يعرفون للعسكر خبرا مع كثرته وعظمه، ويقولون:
«ما أزعجه إلا خبر وصله من الأندلس» . فعادت العرب الذين أجفلوا منه من البرية إلى البلاد لما أمنوا جانبه.
فلما علم برجوعهم جهز إليهم ولديه أبا محمد وأبا عبد الله فى ثلاثين ألفا من أعيان الموحدين وشجعانهم. فجدوا السير وقطعوا المفاوز. فما شعرت العرب إلا والجيش قد أقبل، وجاء من ورائهم من جهة الصحراء من يمنعهم من الدخول إليها، وكانوا قد نزلوا جنوبا من القيروان عند جبل القرن، وهم زهاء ثمانين ألف بيت، ومشاهير مقدميهم محرز بن زياد وجبارة بن كامل ومسعود بن زمام وغيرهم. فلما أطلت عليهم العساكر اضطربوا وماجوا واختلفت كلمتهم. ففر «3» مسعود وجبارة ومن معهما من
عشائرهما. وثبت محرز بن زياد ومعه جمهور العرب. فناجزهم الموحدون القتال. وذلك فى العشر الأوسط من شهر ربيع الاخر سنة ست وخمسين «1» . واشتد القتال وكثرت القتلى. فانجلت الحرب عن قتل محرز وانهزم العرب.
ولما انهزموا أسلموا البيوت والحريم والأولاد والأموال «2» .
فحمل جميع ذلك إلى عبد المؤمن وهو بتلك المنزلة. فأمر بحفظ النساء العربيات الصّرائح. وحملن معه تحت الحفظ والبر والصيانة إلى بلاد المغرب. ثم أقبلت إليه وفود رياح، فأجمل لهم الصنيع ورد إليهم الحريم. فلم يبق منهم إلا من صار له كالعبد الطائع، وهو يخفض لهم الجناح ويبذل فيهم الإحسان.
ثم جهزهم إلى ثغور الأندلس على الشرط الأول.
قال: وجمعت عظام من قتل من العرب عند جبل القرن فبقيت دهرا طويلا كالتل يلوح للناظرين من مكان بعيد. وبقيت بلاد إفريقية بيد نواب عبد المومن آمنة ساكنة، لم يبق من العرب خارج عن الطاعة إلا مسعود بن زمام وطائفة فى أطراف البلاد.
وفى سنة ست وخمسين، توجه عبد المؤمن إلى جبل طارق، وهو على ساحل الخليج مما يلى الأندلس، فعبر المجاز إليه. وبنى عليه مدينة حصينة «3» . وأقام بها أشهرا «4» ثم انصرف إلى مراكش.