الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر خروج كسيلة وقتل عقبة بن نافع واستيلائه على القيروان
كان كسيلة هذا من أكابر البربر. وكان قد أسلم فى ولاية أبى المهاجر وحسن إسلامه. وقدم عقبة فعرّفه أبو المهاجر بحال كسيلة وعظمه فى البربر وانقيادهم إليه. فلم يعبأ به «1» عقبة واستخف به وأهانه. فكان من إهانته له أنه أتى بغنم فأمر بذبحها، وأمر كسيلة أن يسلخ منها شاة. فقال:«أصلح الله الأمير! هؤلاء فتيانى وغلمانى يكفوننى المؤونة» . فسبه عقبة وأمره بالقيام. فقام مغضبا وذبح الشاة. وجعل يمسح لحيته بما على يديه من دمها. فجعلت العرب يمرون به ويقولون له: «يا بربرى، ما هذا الذى تصنع؟» . فيقول: «هذا جيد للشعر» . حتى مربه شيخ من العرب فقال: «كلا، إن البربرى يتواعدكم» . فقال أبو المهاجر لعقبة: «ما صنعت؟ أتيت إلى رجل جبار فى قومه وبدار عزه، وهو قريب عهد بالشّرك، فأفسدت قلبه.
أرى أن توثقه كتافا، فإنى أخاف عليك من فتكه «2» » . فتهاون به عقبة.
فلما رأى كسيلة الروم قد راسلوه ورأى فرصة، وثب وقام فى بنى عمه وأهله ومن اجتمع إليه من الروم. فقال أبو المهاجر لعقبة:
«عاجله قبل أن يجتمع أمره «3» » . وأبو المهاجر مع ذلك كله صحبة
عقبة وهو فى الحديد. فزحف عقبة إلى كسيلة فتنحى عنه. فقال البربر له: «لم تنحيت من بين يديه ونحن فى خمسة آلاف «1» ؟» فقال: «إنكم كل يوم فى زيادة وهو فى نقصان، ومدد الرجل قد افترق عنه. فإذا طلب إفريقية زحفت إليه» . وأما أبو المهاجر فإنه تمثل بقول أبى محجن الثقفى «2» :
كفى حزنا أن تمزع الخيل بالقنا «3»
…
وأترك مشدودا علىّ وثاقيا
إذا قمت غنانى الحديد وأغلقت «4»
…
مصارع من دونى تصم المناديا
فبلغ ذلك عقبة بن نافع. فأطلقه «5» وقال له: «الحق بالمسلمين فقم بأمرهم وأنا أغتنم الشهادة» . فقال أبو المهاجر: «وأنا أغتنم ما اغتنمت» . فصلى عقبة ركعتين وكسر جفن سيفه. وفعل أبو المهاجر كفعله. وكسر المسلمون أغماد سيوفهم. وأمر عقبة أن ينزلوا عن خيلهم، ففعلوا وقاتلوا قتالا شديدا. وكثر عليهم العدو فقتلوا عن آخرهم ولم يفلت منهم أحد «6» .