الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنه لا يعيدها إليه. فأرسل ابن الثمنة يطلبها فلم يردها إليه، فجمع عساكره، وكان قد استولى على أكثر الجزيرة وخطب له بالمدينة وسار لحرب ابن الجواش بقصريانة. فخرج إليه وقاتله. فانهزم ابن الثمنة، وتبعه وقتل من أصحابه فأكثر. فلما رأى ابن الثمنة أن عساكره قد تمزقت أراد لانتصار بالكفار.
ذكر استيلاء الفرنج- خذلهم الله تعالى- على جزيرة صقلية
كان سبب ذلك أنه لما وقعت الحرب بين ابن الثمنة وابن الجواش وانهزم ابن الثمنة، سار إلى مدينة ملطية «1» ، وكانت بيد الفرنج ملكوها فى سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة. وكان ملكها حينئذ رجار «2» الفرنجى. فوصل إليه وقال:«أنا أملّكك الجزيرة» . فسار معه فى شهر رجب سنة أربع وأربعين وأربعمائة. فلم يلقوا من يدافعهم، واستولوا على مامروا عليه فى طريقهم. وقصد بهم «3» قصريانة فقاتلهم ابن الجواش. فهزمه الفرنج «4» فرجع إلى الحصن. فرحلوا عنه واستولوا على مواضع كثيرة. ففارق الجزيرة كثير من العلماء والصالحين.
وسار جماعة من أهل صقلية إلى المعز بن باديس، وذكروا له
ما الناس فيه بالجزيرة من الخلف وغلبة الفرنج على كثير منها.
فعمر أسطولا كبيرا وشحنه بالرجال والعدد. وكان الزمان شتاء، فساروا إلى قوصرة «1» . فهاج عليهم البحر، فغرق أكثرهم ولم ينج إلا القليل. وكان ذهاب هذا الأسطول مما أضعف المعز بن باديس وقوى العرب عليه حتى أخذوا البلاد منه. فملك حينئذ الفرنج أكثر البلاد على مهل وتؤدة لا يمنعهم أحد. واشتغل المعز بما دهمه من العرب.
ثم مات فى سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة وولى ابنه تميم. فبعث أسطولا وعسكرا إلى الجزيرة، وقدّم عليه ولديه أيوب وعليا.
فوصلوا إلى صقلية. فنزل أيوب والعسكر المدينة، ونزل على جرجنت. ثم انتقل أيوب إلى جرجنت فأحبه أهلها. فحسده ابن الجواش فكتب إلى أهلها ليخرجوه، فلم يفعلوا. فسار إليه فى عسكره وقاتله. فقتل ابن الجواش بسهم غرب «2» أصابه. وملك أيوب ابن تميم. ثم وقع بعد ذلك بين أهل المدينة «3» وبين عسكر أيوب فتنة، أدت إلى القتال. ثم دار الشر «4» بينهم وتراقى، فرجع أيوب وأخوه فى الأسطول إلى إفريقية، وذلك فى سنة إحدى وستين وأربعمائة. وصحبهم جماعة من أعيان صقلية.
فلم يبق للفرنج مانع ولا ممانع، فاستولوا على الجزيرة. ولم يثبت
بين أيديهم غير قصريانة وجرجنت. فحصرهما الفرنج وضيقوا على المسلمين حتى أكلوا الميتة وعدموا ما يأكلونه. فأما أهل جرجنت فسلموها إلى الفرنج فى سنة إحدى وثمانين وأربعمائة. وبقيت قصريانة بعد ذلك ثلاث سنين. فلما اشتد الأمر عليهم أذعنوا إلى التسليم. فتسلمها الفرنج خذلهم الله تعالى فى سنة أربع وثمانين وأربعمائة. وملك رجار جميع الجزيرة، وأسكنها الروم والفرنج مع المسلمين. ولم يترك لأحد من أهلها حماما ولا دكانا ولا طاحونا ولا فرنا.
ومات رجار بعد ذلك قبل التسعين وأربعمائة «1» ، وملك بعده ولده روجار «2» . فسلك طريق ملوك المسلمين من الجنائب والسلاحية والجاندارية «3» وغير ذلك. وخالف عادة الفرنج. وجعل له ديوانا للمظالم يرفّع إليه شكوى المظلومين، فينصفهم ولو من ولده، وأكرم المسلمين، ومنع عنهم الفرنج فأحبوه. وعمر أسطولا كبيرا وملك الجزائر التى بين المهدية وصقلية مثل مالطة وقوصرة وغيرهما.
وتطاولوا بعد ذلك إلى سواحل إفريقية وملكوا المهدية وغيرها. ثم استرجعت منهم على ما ذكرناه فى أخبار عبد المؤمن بن على «4» .