الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر أخبار عبد الرحمن بن حبيب وتغلبه على افريقية ورجوع حنظلة الى المشرق
كان عبد الرحمن بن حبيب بن أبى عبيدة بن عقبة بن نافع الفهرى قد هرب إلى الأندلس عند هزيمة كلثوم. فلم يزل يحاول أن يغلب «1» على الأندلس، وهو لا يمكنه ذلك، إلى أن وجّه حنظلة بن صفوان أبا الخطار بن ضرار الكلبى إلى الأندلس وأطاعه الناس ودانت له البلاد. فخاف عبد الرحمن على نفسه. فخرج مستترا وركب فى البحر إلى تونس. فنزل بها فى جمادى الأولى سنة سبع وعشرين ومائة «2» . ودعا الناس إلى نفسه فأجابوه.
وسار حتى نزل سمنجة «3» . فأراد أصحاب حنظلة الخروج لقتاله فمنعهم حنظلة كراهة لهراقة دماء المسلمين، وكان رجلا ورعا زاهدا لا يرى بذل السيف إلا فى الكفرة والصّفرية الذين يستبيحون دماء المسلمين. فوجه حنظلة إلى عبد الرحمن جماعة من وجوه أهل إفريقية يدعوه إلى مراجعة الطاعة والرجوع عما هو عليه. فلما قدموا عليه أوثقهم فى الحديد. وقال:«إن رمانى أحد من أوليائهم بحجر قتلتهم» فبلغ ذلك من الناس كل مبلغ «4» . فلما رأى حنظلة ذلك دعا القاضى وجماعة من أهل الدين والفضل. وفتح بيت المال بحضرتهم
وأخذ منه ألف دينار وترك الباقى. وقال: «ما آخذ منه إلا بقدر ما يكفينى ويبلّغنى» ثم شخص عن إفريقية فى جمادى الآخرة «1» سنة سبع وعشرين ومائة «2» .
وأقبل عبد الرحمن بن حبيب ودخل القيروان ونادى مناديه ألا يخرج أحد إلى حنظلة ولا يشيعه. وكان حنظلة مجاب الدعوة فقال:
«اللهم لا تهنّ عبد الرحمن بن حبيب هذا الملك ولا أهله، واسفك دماءهم بأيديهم، وابعث عليهم شرار خلقك» . ودعا على أهل إفريقية «3» . فوقع الوباء والطاعون بها سبع سنين لا يكاد يرتفع إلا إلا وقتا فى الشتاء ووقتا فى الصيف.
قال: ولما ولى عبد الرحمن، ثار عليه جماعة من العرب والبربر ثم ثار عليه عروة بن الوليد الصّدفى «4» واستولى على تونس. ثم ثار عليه عرب الساحل. وقام ابن عطّاف الأزدى «5» حتى نزل بطبيناس.
وثارت البربر من الجبال. وثار ثابت الصنهاجى بباجة فأخذها.
وخرج بناحية طرابلس رجلان يقال لأحدهما عبد الجبار والآخر الحارث، وهما من البربر على دين الخوارج. فقاتل كل من خرج عليه، طائفة بعد أخرى بنفسه وبجيوشه، حتى دوّخ المغرب كله،
وأذلّ من به من القبائل. ولم ينهزم له عسكر ولا ردّت له راية. وخافه جميع أهل المغرب.
وكتب إلى مروان بن محمد، وأهدى له هدية، وتقوّل على حنظلة، ونسب إليه ما لم يقع منه. فكتب إليه مروان بولاية إفريقية والمغرب كله والأندلس.
ثم قتل مروان وانقرضت الدولة الأموية وقامت الدولة العباسية. فكتب عبد الرحمن إلى أبى العباس السفاح بطاعته، وأقام الدعوة العباسية.
فلما صار الأمر إلى أبى جعفر المنصور كتب إلى عبد الرحمن يدعوه إلى الطاعة. فأجابه وكتب بطاعته، وأرسل إليه بهدية نزرة كان فيها بزاة وكلاب. وكتب إليه:«إن إفريقية اليوم إسلامية كلها، وقد انقطع السبى منها. فلا تسألنى ما ليس قبلى» . فغضب أبو جعفر المنصور وكتب إليه يتوعده. فلما وصل كتابه إليه غضب غضبا شديدا. ثم نادى: «الصلاة جامعة» . فاجتمع الناس فى المسجد الجامع. ثم خرج عبد الرحمن فى مطرف خزّ، وفى رجليه نعلان.
فصعد المنبر. فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على محمد نبيه صلى الله عليه وسلم. ثم أخذ فى سب أبى جعفر. ثم قال:«إنى ظننت هذا الخائر «1» يدعو إلى الحق ويقوم به، حتى تبين لى منه خلاف ما بايعته عليه من إقامة الحق والعدل. وأنا الآن قد خلعته كما خلعت نعلىّ هاتين» . وقذفهما وهو على المنبر. ثم دعا بخلعة أبى جعفر التى كان أرسلها إليه، وفيها سواده- وكان قد لبسها قبل ذلك ودعا