الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالحجارة. وانضم إلى ابن الأغلب من كان قد بقى بعد زيادة الله من رجاله ممن خاف على نفسه، ولحقوا زيادة الله.
ثم دخل الشيعى رقادة وانقرضت دولة بنى الأغلب.
ذكر ما كان من أخبار زيادة الله وقتله عبد الله ابن الصائغ ومسيره الى بلاد الشرق ووفاته
قال: ولما خرج زيادة الله من رقادة، ولحق به إبراهيم بن أبى الأغلب فيمن انضم إليه، فاجتمع «1» معه خلق كثير. فسار بهم إلى طرابلس فدخلها ونزل دار الإمارة. وافتقد ابن الصائغ فلم يره، فتحقق ما كان يرمى به من مكاتبة الشيعى. وأكثر أصحابه القول فيه. وكان قد ركب فى مركب له يريد صقلية، فصرفته الريح إلى طرابلس. فدخل على زيادة الله فعاتبه على تخلّفه. فاعتذر أنه كانت معه أثقال لم يطق حملها «2» فى البر. فلما علم أصحاب زيادة الله أنه قرب ابن الصائغ ساءهم ذلك وغمهم. فأتوه وقالوا:«إنه كذبك وإنما كان يريد صقلية» . واجتمعوا كلهم وقالوا: «هذا الذى أخرجك من ملكك، وعمل فى ذهاب دولتك، وكاتب الشيعى عليك» .
فنقم عليه وأمر بتسليمه إلى راشد- وهو أحد المتعصبين عليه- فضرب عنقه بيده. وتلاعب الصبيان برأسه حتى وقع فى قناة حمام.
وحكى عن الشيعى أنه قال: «والله ما كاتبنى قط» .
قال: وأقام زيادة الله بطرابلس سبعة عشر «1» يوما وخرج منها يريد مصر. وكان قد نقم على إبراهيم بن أبى الأغلب لما أراده من العقد لنفسه بمدينة القيروان، فاطرحه وأعرض عنه وعن أبى المصعب بن زرارة.
وسعى بهما عنده أنهما يقعان فيه وينالان منه، وقيل له:«هذا قولهما فيك وهما معك وفى قبضتك، فكيف إذا وصلا إلى مصر؟» فعزم على قتلهما. فهربا إلى الإسكندرية واستجارا بعاملها. فأجارهما ووجه بهما إلى مصر. فدخلا قبل زيادة الله، واجتمعا بعيسى النوشرى عاملها، ووقعا عنده فى زيادة الله، وذكروا سوء فعله وأنه يطمع نفسه بمصر.
فهم النوشرى أن يصد زيادة الله عن مصر إلى أن يكتب إلى بغداد.
فأتى زيادة الله الخبر من عيون كانت له بمصر، فأرسل ابن القديم بكتاب إلى النوشري، يبجّله فيه ويسأله أن ينظر له دارا «2» ينزل فيها، ويخبره أنه يقيم إلى أن يصل إليه الرسول. ثم سار زيادة الله فى أثر ابن القديم وجاء إلى مصر «3» . فأنزله النوشرى فى دار ابن الجصاص، وأنزل رجاله فى دور كثيرة.
وأقام بمصر ثمانية أيام ثم خرج يريد بغداد. فتخلف عنه بمصر جماعة ممن كان معه «4» . فسار حتى وصل إلى الرملة ففقد وجوه رجاله، فوجدهم هربوا عنه. وهرب له غلام بمائة ألف دينار، وصار إلى النوشرى والتحق بغلمانه. فكتب زيادة الله إلى بغداد بذلك. فورد
الجواب إليه، وإلى النوشرى يؤمر فيه أن يبعث إليه بكل من تخلف عنه. ففعل النوشرى ورد غلمانه وأصحابه إليه.
وسار زيادة الله حتى وصل إلى الرقة. وكتب إلى ابن الفرات الوزير أن يستأذن له المقتدر بالله فى الدخول إلى الحضرة. فأتاه كتاب يؤمر فيه بالإقامة فى الرقة حتى يأتيه رأى المقتدر. فأقام بها سنة فتفرق عنه رجاله وتشتت أمره. وباع عليه قاضى الرقة بعض خصيانه، وذلك أنه كان معه خصيان لهم وضاءة وجمال. فلما أقام بالرقة أدمن شرب الخمر وسماع الملاهى. فاحتسب عليه محتسب عند القاضى، وأقام بينة شهدت عليه أنه يفجر بأولئك الصقالبة. فباعهم عليه.
وتلطف زيادة الله فى الدخول على المقتدر بالله فلم يؤذن له. وصرفه إلى النوشرى وابن بسطام بمصر. وكتب المقتدر إليهما بتقويته بالرجال وأن يعطى من خراج مصر ما يقيم أود عسكره حتى يعود إلى المغرب ويطلب بثأره ويسترجع دولته.
فلما وصل إلى مصر شقها متقلدا بسيفين. فأخرجه النوشرى إلى ظاهرها «1» وقال له: «تكون متبرّزا حتى تأتيك الرجال والأموال» .
وجعل يمطله ويسوّف به ويتحفه بالهدايا والخمور. فأقام على اتباع شهواته والانهماك على لذاته حتى أنفق ما كان معه وباع السلاح والعدة.
ثم اعتل فيقال إن بعض عبيده سمه فى طعام فسقط. شعر لحيته
ورأسه. فانصرف إلى البيت المقدس فمات هناك «1» . وتفرق آل الأغلب وانقرضت دولتهم بخروج زيادة الله من الملك.
وكانت مدة ولاية زيادة الله منذ أفضى إليه الأمر بعد أبيه وإلى أن هرب إلى رقادة خمس سنين وعشرة أشهر «2» . وانقرضت دولتهم كأن لم تكن. فسبحان من لا يزول ملكه ولا ينقضى دوامه.
وبانقراض دولة بنى الأغلب زال ملك بنى مدرار بسجلماسة، وكان له مائة سنة وستون سنة، وزال ملك بنى رستم من تيهرت، وله مائة سنة وثلاثون سنة.