المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر اعتزال ابراهيم الملك وزهده وغزوه ووفاته - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ٢٤

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الرابع والعشرون

- ‌مقدمة

- ‌[تتمة الفن الخامس في التاريخ]

- ‌[تتمة القسم الخامس من الفن الخامس في أخبار الملة الإسلامية]

- ‌الباب السادس من القسم الخامس من الفن الخامس فى أخبار أفريقية وبلاد المغرب

- ‌ذكر فتوح افريقية

- ‌ذكر ولاية معاوية بن حديج الكندى وفتح افريقية ثانيا

- ‌ذكر ولاية عقبة بن نافع الفهرى وفتح افريقية الفتح الثالث وبناء القيروان

- ‌ذكر بناء مدينة القيروان

- ‌ذكر ولاية مسلمة بن مخلد

- ‌ذكر ولاية عقبة بن نافع ثانية

- ‌ذكر خروج كسيلة وقتل عقبة بن نافع واستيلائه على القيروان

- ‌ذكر ولاية زهير بن قيس البلوى وقتل كسيلة البربرى

- ‌ذكر ولاية حسان بن النعمان الغسانى افريقية

- ‌ذكر فتح قرطاجنة وتخريبها

- ‌ذكر حروب حسان والكاهنة وتخريب افريقية وقتل الكاهنة

- ‌ذكر ولاية موسى بن نصير افريقية وما كان من حروبه وآثاره

- ‌ذكر فتح جزيرة الأندلس وشىء من أخبارها

- ‌ذكر غزو جزيرة سردانية

- ‌ذكر ولاية محمد بن يزيد مولى قريش ومقتل عبد العزيز بن موسى بن نصير

- ‌ذكر ولاية اسماعيل بن عبد الله ابن أبى المهاجر مولى بنى مخزوم

- ‌[عبيدة بن عبد الرحمان السلمى]

- ‌[عبيد الله بن الحبحاب مولى بنى سلول]

- ‌[حنظلة بن صفوان الكلبى]

- ‌ذكر أخبار عبد الرحمن بن حبيب وتغلبه على افريقية ورجوع حنظلة الى المشرق

- ‌ذكر مقتل عبد الرحمن بن حبيب وولاية أخيه الياس بن حبيب وقتله وولاية حبيب بن عبد الرحمن وقتله

- ‌ذكر تغلب ورفجومة على افريقية وما كان منهم ومن ولى بعدهم الى أن ولى محمد بن الأشعث

- ‌ذكر ولاية محمد بن الأشعث الخزاعى

- ‌ذكر ولاية الأغلب بن سالم ابن عقال بن خفاجة التميمى

- ‌ذكر ولاية يزيد بن حاتم بن قبيصة ابن المهلب بن أبى صفرة

- ‌ذكر ولاية داود بن يزيد بن حاتم

- ‌ذكر ولاية روح بن حاتم بن قبيصة ابن المهلب بن أبى صفرة

- ‌ذكر ولاية نصر بن حبيب المهلبى

- ‌ذكر ولاية الفضل بن روح

- ‌ذكر أخبار عبد الله بن الجارود

- ‌ذكر ولاية هرثمة بن أعين

- ‌ذكر ابتداء دولة بنى الأغلب

- ‌ذكر ولاية ابراهيم بن الأغلب بن سالم ابن عقال بن خفاجة التميمى

- ‌ذكر ولاية أبى العباس عبد الله ابن ابراهيم بن الأغلب

- ‌ذكر ولاية أبى محمد زيادة الله ابن ابراهيم بن الأغلب

- ‌ذكر ولاية أبى العباس محمد بن الأغلب ابن ابراهيم بن الأغلب

- ‌ذكر ولاية أبى ابراهيم أحمد بن محمد ابن الأغلب بن ابراهيم بن الأغلب

- ‌ذكر ولاية أبى عبد الله محمد بن أحمد بن محمد ابن الأغلب المكنى بأبى الغرانيق

- ‌ذكر ولاية أبى اسحاق ابراهيم بن أحمد بن محمد بن الأغلب

- ‌ذكر انتقال ابراهيم الى تونس

- ‌ذكر اعتزال ابراهيم الملك وزهده وغزوه ووفاته

- ‌ذكر ولاية أبى مضر زيادة الله بن أبى العباس

- ‌ذكر انهزام زيادة الله الى المشرق وانقراض دولة بنى الأغلب

- ‌ذكر ما كان من أخبار زيادة الله وقتله عبد الله ابن الصائغ ومسيره الى بلاد الشرق ووفاته

- ‌ذكر أخبار من ملك المغرب بعد بنى الأغلب الى أن قامت دولة بنى زيرى بن مناد

- ‌ذكر ابتداء دولة بنى زيرى بن مناد ونسبهم ومبدأ أمرهم ومن ملك منهم الى انقضاء دولتهم

- ‌ذكر أخبار زيرى بن مناد

- ‌ذكر بناء مدينة آشير

- ‌ذكر الحرب بين زيرى وزناتة

- ‌ذكر مقتل زيرى

- ‌ذكر أخبار أبى الفتوح يوسف بلكين ابن زيرى بن مناد

- ‌ذكر ولاية أبى الفتوح يوسف بلكين بلاد المغرب

- ‌ذكر ولاية عبد الله بن محمد الكاتب

- ‌ذكر اخبار خلف بن خير

- ‌ذكر وفاة أبى الفتوح يوسف

- ‌ذكر ولاية أبى الفتح المنصور ابن يوسف بلكين بن زيرى

- ‌ذكر مقتل عبد الله بن محمد وولده يوسف

- ‌ذكر أخبار أبى الفهم حسن بن نصرويه الخرسانى

- ‌ذكر وفاة المنصور أبى الفتح بن يوسف

- ‌ذكر ولاية حماد بن يوسف مدينة آشير

- ‌ذكر خروج محمد بن أبى العرب الى زنانة

- ‌ذكر خلاف حماد بن يوسف وأخيه ابراهيم على ابن أخيهما الأمير باديس

- ‌ذكر وفاة باديس

- ‌ذكر ولاية أبى تميم المعز بن أبى مناد باديس ابن المنصور بن يوسف بن زيرى

- ‌ذكر قتل الروافض

- ‌ذكر مسير المعز لحرب حماد

- ‌ذكر الصلح بين المعز وحماد عم أبيه

- ‌ذكر مقتل القائد محمد بن حسن

- ‌ذكر خروج العرب الى المغرب والسبب الموجب لذلك

- ‌ذكر وفاة لقائد بن حماد وولاية ابنه وقتله وولاية بلكين بن محمد

- ‌[بقية أخبار المعز بن باديس]

- ‌ذكر الحرب بين المعز والعرب وانتصار العرب عليه

- ‌ذكر انتقال المعز الى المهدية ومحاصرة العرب القيروان واستيلائهم عليها

- ‌ذكر وفاة المعز بن باديس

- ‌ذكر ولاية تميم بن المعز بن باديس ابن المنصور بن يوسف بن زيرى

- ‌ذكر خروج حمو عن طاعة الأمير تميم وحربه وانهزامه

- ‌ذكر الحرب بين بنى حماد والعرب وانتصار العرب عليهم

- ‌ذكر بناء مدينة بجاية والسبب فيه

- ‌ذكر استيلاء تميم على مدينة تونس

- ‌ذكر استيلاء مالك بن علوى الصخرى على القيروان وأخذها منه، وعودها الى تميم

- ‌ذكر ملك الروم مدينة زويلة وعودهم عنها

- ‌ذكر خلاف مثنى بن تميم على أبيه

- ‌ذكر ملك تميم مدينة قابس

- ‌ذكر وفاة تميم بن المعز

- ‌ذكر ولاية يحيى بن تميم بن المعز بن باديس ابن المنصور يوسف بن زيرى

- ‌ذكر وفاة يحيى بن تميم وشىء من أخباره

- ‌ذكر ولاية على بن يحيى بن تميم بن المعز ابن باديس بن المنصور بن يوسف بن زيرى

- ‌ذكر حصار رافع المهدية وانهزامه

- ‌ذكر ولاية الحسن بن على بن يحيى بن تميم بن المعز ابن باديس بن المنصور بن يوسف بن زيرى

- ‌ذكر استيلاء الفرنج على جزيرة جربة

- ‌ذكر ملك الفرنج مدينة طرابلس

- ‌ذكر استيلاء الفرنج على مدينة المهدية وسفاقس وسوسة

- ‌ذكر انقراض دولة بنى زيرى من افريقية وما اتفق للحسن بن على بعد خروجه من المهدية

- ‌ذكر ما اتفق للحسن بن على بعد خروجه من المهدية

- ‌ذكر ابتداء دولة الملثمين وأخبارهم ومن ملك منهم

- ‌ذكر ولاية أبى بكر بن عمر اللمتونى

- ‌ذكر مقتل الجوهر الجدالى

- ‌ذكر خروج الملثمين الى السوس أولا وثانيا ومقتل عبد الله بن ياسين

- ‌ذكر ولاية يوسف بن تاشفين

- ‌ذكر بناء مدينة مراكش

- ‌ذكر ما قيل فى سبب لثام المرابطين

- ‌نرجع الى أخبار يوسف بن تاشفين

- ‌ذكر استيلائه على مدينة أغرناطة من جزيرة الأندلس

- ‌ذكر ملك أمير المسلمين جزيرة الأندلس

- ‌ذكر حيلة لأمير المسلمين ظهرت ظهورا عجيبا

- ‌ذكر ولاية أمير المسلمين من قبل الخليفة أمير المؤمنين المستظهر بالله

- ‌ذكر ولاية على بن يوسف بن تاشفين

- ‌ذكر محاربة الفرنج خذلهم الله تعالى وانهزامهم

- ‌ذكر الفتنة بقرطبة

- ‌ذكر ولاية تاشفين بن على بن يوسف بن تاشفين

- ‌[اسحاق بن على]

- ‌ذكر ابتداء دولة الموحدين وأخبارهم وسبب ظهورهم

- ‌ذكر أخبار المهدى محمد بن تومرت

- ‌ذكر خبر أبى عبد الله الونشريسى

- ‌ذكر ترتيب أصحاب المهدى

- ‌ذكر حصار مراكش ووقعة البحيرة ومقتل أبى عبد الله الونشريسى

- ‌ذكر وفاة المهدى محمد بن تومرت

- ‌ذكر ولاية عبد المؤمن بن على

- ‌ذكر استيلاء عبد المؤمن على تلمسان وفاس ومكناسة وسلا وسبتة

- ‌ذكر ملك عبد المؤمن مراكش وقتله اسحاق بن على وانقراض دولة الملثمين

- ‌ذكر ظفره بدكالة

- ‌ذكر حصار الفرنج مدينة قرطبة ورجوعهم عنها

- ‌ذكر ملكه مدينة بجاية وملك بنى حماد وانقراض دولتهم

- ‌ذكر ظفره بصنهاجة وملكه قلعة حماد

- ‌ذكر الحرب بين عبد المؤمن والعرب وظفر عساكر عبد المؤمن بهم

- ‌ذكر البيعة لمحمد بن عبد المؤمن بولاية العهد بعد أبيه

- ‌ذكر استعمال عبد المؤمن أولاده على البلاد وأعماله

- ‌ذكر ملكه مدينة المرية من الفرنج وأغر ناطة من الملثمين

- ‌ذكر ملك عبد المؤمن مدينة المهدية من الفرنج وجميع بلاد افريقية

- ‌ذكر ايقاع عبد المؤمن بالعرب

- ‌ذكر وفاة عبد المؤمن بن على وشىء من أخباره

- ‌ذكر ولاية أبى يعقوب يوسف بن عبد المؤمن ابن على

- ‌ذكر غزوة الفرنج

- ‌ذكر ملك أبى يعقوب مدينة قفصة

- ‌ذكر وفاة أبى يعقوب يوسف

- ‌ذكر ولاية أبى يوسف يعقوب بن أبى يعقوب يوسف بن عبد المؤمن

- ‌ذكر أخبار الملثمين وما ملكوه من افريقية واستعادة ذلك منهم

- ‌ذكر ملك الفرنج مدينة شلب وعودها الى المسلمين

- ‌ذكر غزوة الفرنج بالأندلس والوقعة الكبرى والثانية وحصر طليطلة

- ‌ذكر ما فعله الملثم بافريقية

- ‌ذكر وفاة أبى يوسف يعقوب

- ‌ذكر ولاية أبى عبد الله محمد بن أبى يوسف يعقوب بن أبى يعقوب يوسف بن عبد المؤمن ابن على الملقب الناصر لدين الله

- ‌ذكر وفاة أبى عبد الله محمد وشىء من أخباره

- ‌ذكر ولاية يوسف بن محمد بن يعقوب ابن يوسف بن عبد المؤمن بن على

- ‌ذكر وفاة يوسف بن محمد

- ‌ذكر ولاية أبى محمد عبد العزيز بن يوسف ابن عبد المؤمن

- ‌جامع أخبار دولة الموحدين

- ‌ذكر تسمية ملوك بنى مرين

- ‌أول من غزا جزيرة صقلية فى الاسلام

- ‌ذكر ولاية محمد بن أبى الحوارى

- ‌ذكر فتح مدينة بلرم

- ‌ذكر وفاة محمد بن عبد الله بن الأغلب وولاية العباس بن الفضل بن يعقوب

- ‌ذكر فتح قصريانة وهى دار مملكة الروم بجزيرة صقلية

- ‌ذكر ولاية أبى سعيد موسى بن أحمد

- ‌ذكر ما فتح من بلاد قلورية

- ‌ذكر فتح قلعة طبرمين

- ‌ذكر وقعة الحفرة على رمطة

- ‌ذكر اخلاء طبرمين ورمطة

- ‌ذكر ولاية أبى القاسم نيابة عن أخيه أحمد واستقلاله

- ‌ذكر ولاية أبى الفتح يوسف الملقب بثقة الدولة

- ‌ذكر وثوب أهل صقلية بالأمير جعفر واخراجه

- ‌ذكر استيلاء الفرنج- خذلهم الله تعالى- على جزيرة صقلية

- ‌ذكر أخبار جزيرة أقريطش

- ‌ذكر تنصر أهل اقريطش

- ‌ذكر ما استولى عليه الفرنج- خذلهم الله تعالى- من البلاد الاسلامية بجزيرة الأندلس بعد أخذ طليطلة

- ‌الباب السابع من القسم الخامس من الفن الخامس فى أخبار من نهض فى طلب الخلافة من الطالبيين فى الدولة الأموية والدولة العباسية فقتل دونها

- ‌ذكر ظهور زيد بن على بن الحسن ومقتله

- ‌ذكر مسير يحيى بن زيد بن على الى خراسان ومقتله

- ‌ذكر ظهور عبد الله بن معاوية بن عبد الله ابن جعفر بن أبى طالب

- ‌ذكر غلبته على فارس وأخذها منه وقتله

- ‌مراجع التحقيق

- ‌فهرس موضوعات الجزء الرابع والعشرون

الفصل: ‌ذكر اعتزال ابراهيم الملك وزهده وغزوه ووفاته

‌ذكر اعتزال ابراهيم الملك وزهده وغزوه ووفاته

وكان سبب ذلك أن رسول الخليفة المعتضد بالله العباسى قدم عليه فى سنة تسع وثمانين «1» ومائتين من بغداد إلى تونس. فخرج إبراهيم إليه وضربت له فازة «2» سوداء فى سبخة تونس. فخلا بالرسول وكان بينهما محاورة ولم يأته بكتاب. وكان المعتضد قد أرسله على غضب وسخط لشكوى أهل تونس منه، وصياحهم على المعتضد، ووصفهم له ما صنع بهم إبراهيم، وقالوا:«أهدى إليك نساءنا وبناتنا» . فغضب المعتضد، وأمره باللحاق به وأن يعتزل عن إفريقية. وولى عليها ابنه أبا العباس.

فكره إبراهيم المسير إلى المعتضد. وأظهر التوبة، ورفض الملك، ولبس الخشن من الثياب. وأمر بإخراج من فى سجونه. وقطع القبالات «3» . وبعث إلى ابنه أبى العباس وهو بصقلية ليصير إليه الملك، ويخرج له من الأمر. فقدم عليه فى شهر ربيع الأول فسلم إليه الأمر وخرج من تونس. وأظهر أنه يريد الحج. ووصل إلى سوسة، ووجه رسله إلى بغداد بذلك. ثم بعث من يذكر رجوعه عن الحج وخروجه إلى الجهاد «4» خشية من بنى طولون لئلا تسفك بينهما الدماء. واستقر الناس، ودعاهم إلى الجهاد، ووسع على من أتاه.

وخرج من سوسة لئلاث عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الآخرة.

ص: 135

فنزل نوبة ففرق الخيل والسلاح على أصحابه وأمر بالعطاء. فأعطى الفارس عشرين دينارا والراجل عشرة.

وخرج من نوبة إلى طرابنش «1» فى البحر. فأقام بها سبعة عشر يوما يعطى الأرزاق لمن معه.

ثم رحل فدخل مدينة بلرم «2» لليلتين بقيتا من شهر رجب.

وأمر برد المظالم. وأقام بصقلية أربعة عشر يوما يعطى أهلها ومن بها من البحريين الأرزاق.

وارتحل لتسع خلون من شعبان. فنزل على طبرمين «3» وحاصرها.

وكان بينه وبين أهلها قتال شديد حتى أثخنت الجراح فى الفريقين.

وهمّ المسلمون بالانحياز فقرأ قارىء: «هذان خصمان اختصموا فى ربهم» . الآية «4» فحمل حماة العسكر وأهل البصائر بنيات صادقة. فانهزم الكفرة هاربين. فقتلهم المسلمون أبرح قتل، وقفوا آثارهم فى بطون الأودية ورؤوس الجبال. ودخل إبراهيم ومن معه طبرمين فقتل وسبى.

وبعث زيادة الله ابن ابنه»

أبى العباس إلى قلعة ميقش «6» .

ص: 136

وبعث أبا الأغلب ولده بعسكر إلى دمنيش «1» . فوجد أهلها قد هربوا على وجوههم، فأخذ جميع ما كان بها «2» .

وبعث ابنه أبا حجر «3» إلى رمطة «4» . فطلب القوم الأمان.

وأجابوا إلى الجزية.

وبعث سعدون الجلوى بطائفة إلى لياج «5» فدعوا القوم جميعا.

فأجابوا إلى أداء الجزية. فلم يجبهم ولم يرضه إلا نزولهم عن الحصون، فنزلوا. وهدم جميع القلاع ورمى حجارتها إلى البحر.

ثم تمادى بالعساكر إلى مسّينى «6» فأقام بها يومين.

وأمر الناس بالتعدية إلى قلّورية «7» لأربع بقين من شهر رمضان وتمادى فى رحيله إلى أن قرب من مدينة كسنتة «8» . فجاءته الرسل يطلبون الأمان فلم يجبهم. وسار إلى أن وصل كسنتة وقدم العساكر وبقى فى الساقة لضعف أصابه. فنزلت العساكر بالوادى. وأمر الناس بالزحف لخمس بقين من شوال. وفرق أولاده وخاصته على

ص: 137

أبوابها، فقاتلوا «1» من كل ناحية، ونصبوا المجانيق.

واشتدت علة إبراهيم، وكانت علته البطن. وعرض له الفواق فأيس أصحابه منه. فقلدوا الأمر إلى زيادة الله بن ابنه أبى العباس سرا. وكانت وفاة الأمير إبراهيم فى ليلة السبت لاثنتى عشرة «2» ليلة بقيت من ذى القعدة سنة تسع وثمانين ومائتين. فركب القواد إلى أبى مضر زيادة الله، وهو أكبر أولاد أبى العباس بن إبراهيم، فقالوا له:«تولّ هذا الأمر حتى تصل إلى أبيك» . فقال لعمه أبى الأغلب «3» : «أنت أحق بحق أخيك» . فلم يتقدم على زيادة الله، وكان يحب السلامة.

ثم طلب أهل كسنتة الأمان، وهم لا يعلمون بوفاة الأمير، فأمّنوا.

وأقام المسلمون حتى قدم عليهم من كان توجه إلى الجهات. فلما قدموا ارتحلوا بأجمعهم وعادوا إلى مدينة بلرم. ونقلوا إبراهيم معهم فدفنوه بها «4» . وبنى على قبره قصر. وعادوا إلى إفريقية بأجمعهم.

وكان مولد إبراهيم يوم الأضحى سنة خمس وثلاثين ومائتين.

فكان عمره ثلاثا وخمسين سنة وأحد عشر شهرا وأياما «5» . ومدة

ص: 138

ولايته إلى حين وفاته ثمانى وعشرين سنة وستة أشهر واثنى عشر يوما «1» .

وكان لإبراهيم محاسن ومساوى ذكرها ابن الرقيق، ونحن نذكر لمعة من محاسن أفعاله ومساوئها، تدل على ما كان عليه. ونترك الإطالة جريا على القاعدة «2» فى الاختصار.

قال: كان على حالة محمودة من الحزم والضبط للأمور. وأقام سبع «3» سنين من ولايته، وهو على ما كان عليه أسلافه من حسن السيرة وجميل الأفعال، إلى أن خرج لمحاربة العباس بن طولون. فلما كفى مؤنته تغيرت حاله وحرص على جمع الأموال. ثم اشتد أمره فأخذ فى قتل أصحابه وكفاته وحجابه. ثم قتل ابنه وبناته وأتى بأمور لم يأت غيره بمثلها.

فمن محاسن أعماله أنه كان أنصف الملوك للرعية، لا يرد عنه متظلم يأتيه «4» . وكان يجلس بعد صلاة الجمعة، وينادى مناديه:

«من له مظلمة» . فربما لم يأته أحد لكفّ بعض الناس عن بعض.

وكان يقصد ذوى الأقدار والأموال فيقمعهم ويقول: «لا ينبغى أن يظلم إلا الملك، لأن هؤلاء إذا أحسوا من أنفسهم قوة بما عندهم من الأموال لم يؤمن شرّهم وبطرهم. فإذا كف الملك عنهم وأمنوا دعاهم ذلك إلى منازعته وإعمال الحيلة عليه. وأما الرعية فهم مادة الملك،

ص: 139

فإن أباح ظلمهم لم يصل إليه نفعهم، ولحقه الضرر، وصار النفع لغيره» .

ووقف له رجلان من أهل القيروان، وهو بالمقصورة فى جامع رقادة. فأدناهما إليه وسألهما عن حالهما فقالا له:«كنا شريكين للسيدة. «يعنيان أمه» فى جمال وغيرها. فاحتبست لنا ستمائة دينار» .

فأرسل إليها خادما فقالت: «نعم هو كما ذكرا إلا أن بينى وبينهما حسابا. وإنما احتبست هذا المال حتى أحاسبهما. فإن بقى عليهما شىء وإلا دفعت مالهما إليهما» . فقال للخادم: «ارجع إليها وقل لها: والله لئن لم توجهى بالمال وإلا أوقفتك الساعة معهما بين يدى عيسى بن مسكين» . فوجهت بالمال إليه. فدفعه إليهما وقال:

«أما أنا فقد أنصفتكما فيما ادعيتما، فاذهبا واقطعا حسابها وإلا فأنتما أعلم» .

وكان إذا تبين له الظلم قبل أحد من أهل بيته وولده بالغ فى عقوبته والإنصاف منه. فكان ولده ورجاله يوم الخميس يأمرون «1» عبيدهم ورجالهم أن يطوفوا فى الأزقة والفنادق، ويسألوا: هل أتى شاك أو متظلّم من عبد أو وكيل؟ فإذا وجدوا أحدا أتوا به إلى دار ولد الأمير أو قرابته فينصفه.

ومن مساوىء أفعاله أنه أسرف فى سفك دماء أصحابه وحجابه حتى يقال إنه افتقد منديلا كان يمسح به فمه من شرب النبيذ- وكان قد سقط من يد بعض جواريه فأصابه خادم- فقتله وقتل بسببه ثلاثمائة خادم. وهذا غاية فى الجور ونهاية فى الظلم.

ص: 140

وقتل ابنه المكنى بأبى الأغلب «1» لظنّ ظنّه به، فضرب عنقه بين يديه صبرا. وقتل ثمانية إخوة كانوا له رجالا، ضربت أعناقهم بين يديه صبرا. وكان أحدهم ثقيل البدن فسأله واسترحمه. فقال:

«لا يجوز أن تخرج عن حكم الجماعة» . وقتله. ثم قتل بناته.

وأتى بأمور لم يأت بها أحد قبله ولم يتقدمه إلى مثلها ملك ولا أمير.

فكانت أمه إذا ولد له ابنة من أحد جواريه أخفتها عنه وربتها حتى اجتمع عندها منهن ست عشرة جارية. فقالت له ذات يوم، وقد رأت منه طيب نفس:«يا سيدى، قد ربيت لك وصائف ملاحا، وأحب أن تراهن» . فقال: «نعم، قرّبيهن منى» . فأدخلتهن إليه فاستحسنهن. فقالت: «هذه ابنتك من جاريتك فلانة، وهذه من فلانة» . حتى عدّتهن عليه. فلما خرج قال لخادم له أسود كان سيافا يقال له ميمون: «امض فجئنى برؤوسهن» . فتوقف استعظاما منه لذلك. فسبّه وقال: «امض وإلا قدمتك قبلهن» . فمضى إليهن.

فجعلن يصحن ويبكين ويسترحمن، فلم يغن ذلك عنهن شيئا. وأخذ رؤوسهن وجاء بهن معلقة بشعورهن، فطرحها بين يديه.

ومن قبيح «2» أفعاله ما كان عليه من أمر الأحداث، وكان له نيّف وستون حدثا. وقد رتب لكل واحد منهم مرقدا ولحافا. فإذا جاء وقت النوم، طاف عليهم الموكل بهم فسقى كل واحد منهم ثلاثة أرطال، وينام كل واحد منهم فى مكانه. فبلغه أن بعضهم يمشى فى الليل إلى بعض. فجلس بباب القصر على كرسى وأمر بإحضارهم.

ص: 141

فبعضهم أقر وبعضهم جحد، حتى مر به صبى كان يحبه فقال:

«والله يا مولاى ما كان من هذا شىء» . فضربه بعمود من حديد فطار دماغه. وأمر بتنور فأحمى. فكان يطرح فيه كل يوم خمسة أو ستة حتى أفناهم. وأدخل عددا منهم الحمام وأغلق عليهم البيت السخن، فماتوا من ساعتهم.

وقتل بناته وجواريه بأنواع من العذاب: منهن من بنى عليها البناء حتى ماتت جوعا وعطشا، ومنهن من أمر بخنقها، ومنهن من ذبحها، حتى لم يبق فى قصره أحد. فدخل على أمه فى بعض الأيام فقامت إليه ورحبت به. فقال لها:«إنى أحب طعامك» . فسرت بذلك وأحضرت الطعام. فأكل وشرب وانبسط. فلما رأت سروره قالت له: «إن عندى وصيفتين ربيتهما لك وادخرتهما لمسرتك. وقد طال عهدك بالأنس بعد قتل الجوارى وهما يحسنان القراءة بالألحان.

فهل لك أن أحضرهما للقراءة بين يديك؟» . قال: «افعلى» .

فأمرت بإحضارهما فأحضرتا. وأمرتهما بالقراءة فقرأتا أحسن قراءة. ثم قالت له أمه: «هل لك أن ينشداك الشعر؟» قال:

«نعم» . فغنتا بالعود والطنبور أبدع غناء حتى عمل فيه الشراب وأراد الانصراف. فقالت له: «هل لك أن تمشيا خلفك حتى تصل إلى مكانك ويقفا على رأسك ويؤنساك، فقد طال عهدك بالأنس» . قال:

«نعم.» فمضى وهما خلفه. فلم يكن إلا أقل من ساعة حتى أقبل خادم وعلى رأسه طبق وعليه منديل. فظنت أنه وجه إليها بهدية.

فوضع الخادم الطبق بين يديها ورفع المنديل، وإذا برأسيهما.

ص: 142

فصرخت أمه وغشى عليها. وأفاقت بعد ساعة طويلة، وهى تدعو عليه وتلعنه. وأخباره فى أمثال «1» هذا طويلة.

وفى أيامه ظهر أبو عبد الله الشيعى الداعى، وكان من أمره ما نذكره إن شاء الله عز وجل.

ذكر ولاية أبى العباس عبد الله بن ابراهيم «2» ابن أحمد بن محمد بن الأغلب

ولى الأمر كما قدمناه فى حياة أبيه ثم استقل بالأمر بعد وفاته.

وكان على خوف شديد من أبيه لسوء أخلاقه وجرأته على قتل من قرب منه أو بعد. فكان يظهر له من الطاعة والتذلل أمرا عظيما. فكان إبراهيم يكرمه ويفضله على سائر أولاده.

وكانت ولايته بعد أبيه فى يوم الاثنين لثلاث عشرة ليلة بقيت من ذى القعدة سنة تسع وثمانين ومائتين. فجلس للناس للمظالم «3» .

وليس الصوف، وأظهر العدل والإحسان والإنصاف. ولم يسكن قصر أبيه. ولكنه اشترى دارا مبنية بالطوب فسكنها إلى أن اشترى داره التى عرف بها.

وخاف من قيام ابنه زيادة الله عليه فحبسه هو وخلقا من رجاله.

ص: 143

وولى أبا العباس محمد بن الأسود الصدينى «1» قضاء القيروان والأحكام والنظر فى العمال وجباة الأموال. فكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. وكان قويا فى قضائه، شديدا على رجال السلطان، رفيقا بالضعفاء والمظلومين. ولم يكن واسع العلم، فكان يشاور العلماء، فلا يقطع حكما إلا برأى ابن عبدون «2» القاضى. وكان يظهر القول بخلق القرآن فكرهه العامة.

ولم تطل أيام أبى العباس حتى وثب به ثلاثة من خدمه كان زيادة الله قد وضعهم عليه، فقتلوه وهو نائم. وأتوا بحداد إلى زيادة الله ليقطعوا قيده ويسلموا عليه بالإمارة. فخاف أن يكونوا دسيسا عليه من أبيه، فأبى ذلك. فمضوا إلى أبيه فقطعوا رأسه وأتوا به فى الليل.

فلما رأى ذلك أمر بقطع قيوده وخرج. وكان مقتل أبى العباس فى ليلة الأربعاء آخر شعبان «3» سنة تسعين ومائتين. فكانت إمارته من حين خروج أبيه وإلى أن قتل سنة واحدة واثنين وخمسين يوما، ومنذ استقل بالأمر بعد أبيه تسعة أشهر وثلاثة عشر يوما «4» .

وكان رحمه الله شجاعا بطلا عالما «5» بالحرب، حسن النظر فى الجدل «6» . وأستاذه فى ذلك عبد الله بن الأشج «7» .

ص: 144