الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر ابتداء دولة بنى الأغلب
هذه الدولة أول دولة قامت بإفريقية وجرى عليها اسم الدولة.
وكان من قبلهم عمالا إذا مات أحد منهم أو صدر منه ما يوجب العزل، عزله من يكون أمر المسلمين إليه من الخلفاء فى الدولة الأموية والعباسية. فلما قامت هذه الدولة كانت كالمستقلة بالأمر «1» . وإنما كانت ملوكها تراعى أوامر الدولة العباسية، وتعرف لها حق الفضل والأمر، وتظهر طاعة مشوبة بمعصية.
ولو أرادوا عزل واحد منهم والاستبدال به من غير البيت لخالفوهم «2» . وصار ملوك هذه الدولة يوصون بالملك بعدهم لمن يرونه من أولادهم وإخوتهم، فلا يخالفه قوادهم ولا يراعون أهلية من يوصى إليه بل يقدمونه على أى صفة كان مستحقا أو غير مستحق. وسنذكر من أخبارهم ما يدل على ذلك. وكان عدة من ملك منهم أحد عشر ملكا. ومدة أيامهم مائة سنة واثنتى عشرة وأياما. وأول من ملك منهم إبراهيم بن الأغلب.
ذكر ولاية ابراهيم بن الأغلب بن سالم ابن عقال بن خفاجة التميمى
قال: لما كان من أمر إبراهيم بن الأغلب ما ذكرناه، من نصرته لابن العكى وإخراجه تمام بن تميم وإعادة العكى، كتب
يحيى بن زياد صاحب البريد بالخبر إلى هارون الرشيد. فقرأ الكتاب على أصحابه، وقال لهرثمة بن أعين:«أنت قريب العهد» . فقال: «يا أمير المؤمنين، قد سألتنى فى مقدمى منها عن طاعة أهلها، وأخبرتك أنه ليس بها أحد أفضل طاعة ولا أبعد صيتا ولا أرضى عند الناس من إبراهيم. ثم صدق قولى قيامه بطاعتك» . فأمر الرشيد بكتابة عهده على إفريقية «1» .
فلما وصل إليه العهد، أرسل إلى ابن العكى:«أقم ما شئت حتى تتجهز» .
فأقام أياما ثم رحل إلى طرابلس. فوافاه حماد السعودى بكتابين قدم بهما إلى إفريقية على العادة. فافترى ابن العكى كتابا ثالثا بعزل إبراهيم وولايته وبعث به إلى القيروان. فلما قرئ على الناس قالوا لإبراهيم: «أقم بمكانك «2» واكتب إلى أمير المؤمنين، فإن ابن العكى اختلق هذا زورا، ولم يكافئك على نصرتك له وحقنك دمه» . فقال:«والله لقد ظننت ظنكم وإنما اجترأ ابن العكى على الثغر لموضعه من جعفر بن يحيى» . ثم عسكر إبراهيم يريد الخروج إلى الزاب وأتى كتاب محمد بن مقاتل إلى سهل ابن حاجب يستخلفه إلى أن يقدم. فكتب صاحب البريد إلى الرشيد. فغضب وكتب إلى ابن العكى: «أما بعد، فلم يكن آخر أمرك يشبه إلا أوله. فلأىّ مناقبك أوثرك على إبراهيم بولاية الثغر: ألفرارك وإقدامه أم لجزعك وصبره أم لخلافك
وطاعته؟ فإذا نظرت فى كتابى، فاقدم غير محمود الفعال» .
وكتب إلى إبراهيم بتجديد ولايته. فوصل الرسول إلى القيروان وإبراهيم بالزاب فمضى إليه. وكانت ولايته الثانية التى استقر «1» بها ملكه وملك بنيه من بعده، لاثنتى عشرة ليلة مضت من جمادى الآخرة سنة أربع وثمانين ومائة. وقفل ابن العكى إلى المشرق.
قال: ولما ولى إبراهيم قمع أهل الشر بإفريقية، وضبط البلاد، وأحسن إلى من بها. وبعث بأهل الشر الذين جرت عادتهم بمخالفة الأمراء والوثوب عليهم إلى بغداد كما ذكرنا «2» .
وابتنى إبراهيم قصرا وجعله متنزها. ثم جعل ينقل إليه السلاح والأموال سرا. وهو مع ذلك يراعى أمور أجناده ويصلح طاعتهم ويصبر على جفائهم. وأخذ فى شراء العبيد وأظهر أنه يحب أن يتخذ «3» من كل صناعة من يغنيه عن استعمال الرعية فى كل شىء. ثم اشترى عبيدا لحمل سلاحه وأظهر للجند أنه أراد بذلك إكرامهم عن حمله. ولما تهيأ له من ذلك ما أراده انتقل من دار الإمارة وصار إلى قصره بعبيده وحشمه وأهل بيته؛ وكان انتقاله ليلا. وأسكن معه من يثق به من الجند. وكان يتولى الصلاة بنفسه فى المسجد الجامع بالقيروان والمسجد الذى بناه بالقصر.
وفى أيامه خرج حمديس «4» بن عبد الرحمن الكندى فخلع
السواد. وجمع جموعا كثيرة وأتى بعرب أهل البلد وبربرها، وكثرت جموعه بمدينة تونس. فبعث إليه إبراهيم عمران بن مجالد «1» ومعه وجوه القواد. فالتقوا بسبخة تونس واقتتلو قتالا شديدا، وكثر بينهم القتل. وجعل أصحاب حمديس يقولون:
«بغداد بغداد، فلا والله لا اتخذت لكم طاعة بعد اليوم أبدا» .
ثم قتل حمديس وانهزم أصحابه. ودخل عمران تونس وتتبع من كان مع حمديس وقتلهم حتى أفناهم. وكان خروجه فى سنة ست وثمانين ومائة.
وفى أيامه جمع إدريس بن إدريس بن عبد الله بن حسن بن الحسن «2» بن على بن أبى طالب جموعا كثيرة، وأطاعه من حوله من القبائل. فكره إبراهيم قتاله وعمل فى إفساد «3» أصحابه عليه.
وكتب إلى بهلول بن عبد الواحد المدغرى «4» ، وكان رئيسا مطاعا فى قومه، وهو القائم بأمر إدريس وصاحب سره، ولم يزل به حتى فارقه وعاد إلى الطاعة. فلما فعل ذلك كتب إدريس إلى إبراهيم كتابا يستعطفه ويسأله الكف عنه ويذكر قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يجر بينهما حرب.
وخرج عن طاعة إبراهيم أيضا عمران بن مجالد. وكان
سبب خروجه أن إبراهيم لما بنى قصره المعروف القديم ركب يوما وهو يفكر فى الانتقال إليه ومعه عمران بن مجالد. فجعل عمران يحادثه من حيث ركبا إلى أن بلغا مصلى روح، فلم يفقه إبراهيم من حديثه شيئا. فقال لعمران:«ألم تعلم أنى لم أسمع من حديثك شيئا. أعده على» . فغضب عمران وقال: «أحدثك من حيث خرجت وأنت لاه عنى» . وتغير من ذلك اليوم وألب على إبراهيم. فلما انتقل إبراهيم إلى قصره وأقام مدة، ثار عمران فى جيشه. واستولى على القيروان وقوى أمره وكثرت أتباعه. ودامت الحرب بينه وبين إبراهيم سنة كاملة، كانت خيل إبراهيم تضرب إلى القيروان فتقتل من قدرت عليه، وخيل عمران تفعل مثل ذلك.
ثم وصل إلى إبراهيم رسول أمير المؤمنين بأرزاق الجند فوجه ابنه عبد الله إلى طرابلس، فقبض أرزاق الجند ووصل بها إلى أبيه. فلما صار المال إليه، تطلعت أنفس الجند إلى أرزاقهم وهموا بإسلام عمران. وتبين ذلك له. فركب إبراهيم فى خيله ورجله وعبيده، وعبأ عساكره تعبئة الحرب، وتوجه إلى القيروان. حتى إذا قرب منها أمر مناديه فنادى:«من كان له اسم فى ديوان أمير المؤمنين فليقدم لقبض عطائه» . ثم انصرف إلى قصره ولم يحدث شيئا. فلما أمسى عمران أيقن أن الجند تسلمه. فركب وسار إلى الزاب ليلا ومعه عمرو بن معاوية وعامر بن المعتمر. فخلع»
إبراهيم أبواب القيروان