المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر ولاية أبى العباس محمد بن الأغلب ابن ابراهيم بن الأغلب - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ٢٤

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الرابع والعشرون

- ‌مقدمة

- ‌[تتمة الفن الخامس في التاريخ]

- ‌[تتمة القسم الخامس من الفن الخامس في أخبار الملة الإسلامية]

- ‌الباب السادس من القسم الخامس من الفن الخامس فى أخبار أفريقية وبلاد المغرب

- ‌ذكر فتوح افريقية

- ‌ذكر ولاية معاوية بن حديج الكندى وفتح افريقية ثانيا

- ‌ذكر ولاية عقبة بن نافع الفهرى وفتح افريقية الفتح الثالث وبناء القيروان

- ‌ذكر بناء مدينة القيروان

- ‌ذكر ولاية مسلمة بن مخلد

- ‌ذكر ولاية عقبة بن نافع ثانية

- ‌ذكر خروج كسيلة وقتل عقبة بن نافع واستيلائه على القيروان

- ‌ذكر ولاية زهير بن قيس البلوى وقتل كسيلة البربرى

- ‌ذكر ولاية حسان بن النعمان الغسانى افريقية

- ‌ذكر فتح قرطاجنة وتخريبها

- ‌ذكر حروب حسان والكاهنة وتخريب افريقية وقتل الكاهنة

- ‌ذكر ولاية موسى بن نصير افريقية وما كان من حروبه وآثاره

- ‌ذكر فتح جزيرة الأندلس وشىء من أخبارها

- ‌ذكر غزو جزيرة سردانية

- ‌ذكر ولاية محمد بن يزيد مولى قريش ومقتل عبد العزيز بن موسى بن نصير

- ‌ذكر ولاية اسماعيل بن عبد الله ابن أبى المهاجر مولى بنى مخزوم

- ‌[عبيدة بن عبد الرحمان السلمى]

- ‌[عبيد الله بن الحبحاب مولى بنى سلول]

- ‌[حنظلة بن صفوان الكلبى]

- ‌ذكر أخبار عبد الرحمن بن حبيب وتغلبه على افريقية ورجوع حنظلة الى المشرق

- ‌ذكر مقتل عبد الرحمن بن حبيب وولاية أخيه الياس بن حبيب وقتله وولاية حبيب بن عبد الرحمن وقتله

- ‌ذكر تغلب ورفجومة على افريقية وما كان منهم ومن ولى بعدهم الى أن ولى محمد بن الأشعث

- ‌ذكر ولاية محمد بن الأشعث الخزاعى

- ‌ذكر ولاية الأغلب بن سالم ابن عقال بن خفاجة التميمى

- ‌ذكر ولاية يزيد بن حاتم بن قبيصة ابن المهلب بن أبى صفرة

- ‌ذكر ولاية داود بن يزيد بن حاتم

- ‌ذكر ولاية روح بن حاتم بن قبيصة ابن المهلب بن أبى صفرة

- ‌ذكر ولاية نصر بن حبيب المهلبى

- ‌ذكر ولاية الفضل بن روح

- ‌ذكر أخبار عبد الله بن الجارود

- ‌ذكر ولاية هرثمة بن أعين

- ‌ذكر ابتداء دولة بنى الأغلب

- ‌ذكر ولاية ابراهيم بن الأغلب بن سالم ابن عقال بن خفاجة التميمى

- ‌ذكر ولاية أبى العباس عبد الله ابن ابراهيم بن الأغلب

- ‌ذكر ولاية أبى محمد زيادة الله ابن ابراهيم بن الأغلب

- ‌ذكر ولاية أبى العباس محمد بن الأغلب ابن ابراهيم بن الأغلب

- ‌ذكر ولاية أبى ابراهيم أحمد بن محمد ابن الأغلب بن ابراهيم بن الأغلب

- ‌ذكر ولاية أبى عبد الله محمد بن أحمد بن محمد ابن الأغلب المكنى بأبى الغرانيق

- ‌ذكر ولاية أبى اسحاق ابراهيم بن أحمد بن محمد بن الأغلب

- ‌ذكر انتقال ابراهيم الى تونس

- ‌ذكر اعتزال ابراهيم الملك وزهده وغزوه ووفاته

- ‌ذكر ولاية أبى مضر زيادة الله بن أبى العباس

- ‌ذكر انهزام زيادة الله الى المشرق وانقراض دولة بنى الأغلب

- ‌ذكر ما كان من أخبار زيادة الله وقتله عبد الله ابن الصائغ ومسيره الى بلاد الشرق ووفاته

- ‌ذكر أخبار من ملك المغرب بعد بنى الأغلب الى أن قامت دولة بنى زيرى بن مناد

- ‌ذكر ابتداء دولة بنى زيرى بن مناد ونسبهم ومبدأ أمرهم ومن ملك منهم الى انقضاء دولتهم

- ‌ذكر أخبار زيرى بن مناد

- ‌ذكر بناء مدينة آشير

- ‌ذكر الحرب بين زيرى وزناتة

- ‌ذكر مقتل زيرى

- ‌ذكر أخبار أبى الفتوح يوسف بلكين ابن زيرى بن مناد

- ‌ذكر ولاية أبى الفتوح يوسف بلكين بلاد المغرب

- ‌ذكر ولاية عبد الله بن محمد الكاتب

- ‌ذكر اخبار خلف بن خير

- ‌ذكر وفاة أبى الفتوح يوسف

- ‌ذكر ولاية أبى الفتح المنصور ابن يوسف بلكين بن زيرى

- ‌ذكر مقتل عبد الله بن محمد وولده يوسف

- ‌ذكر أخبار أبى الفهم حسن بن نصرويه الخرسانى

- ‌ذكر وفاة المنصور أبى الفتح بن يوسف

- ‌ذكر ولاية حماد بن يوسف مدينة آشير

- ‌ذكر خروج محمد بن أبى العرب الى زنانة

- ‌ذكر خلاف حماد بن يوسف وأخيه ابراهيم على ابن أخيهما الأمير باديس

- ‌ذكر وفاة باديس

- ‌ذكر ولاية أبى تميم المعز بن أبى مناد باديس ابن المنصور بن يوسف بن زيرى

- ‌ذكر قتل الروافض

- ‌ذكر مسير المعز لحرب حماد

- ‌ذكر الصلح بين المعز وحماد عم أبيه

- ‌ذكر مقتل القائد محمد بن حسن

- ‌ذكر خروج العرب الى المغرب والسبب الموجب لذلك

- ‌ذكر وفاة لقائد بن حماد وولاية ابنه وقتله وولاية بلكين بن محمد

- ‌[بقية أخبار المعز بن باديس]

- ‌ذكر الحرب بين المعز والعرب وانتصار العرب عليه

- ‌ذكر انتقال المعز الى المهدية ومحاصرة العرب القيروان واستيلائهم عليها

- ‌ذكر وفاة المعز بن باديس

- ‌ذكر ولاية تميم بن المعز بن باديس ابن المنصور بن يوسف بن زيرى

- ‌ذكر خروج حمو عن طاعة الأمير تميم وحربه وانهزامه

- ‌ذكر الحرب بين بنى حماد والعرب وانتصار العرب عليهم

- ‌ذكر بناء مدينة بجاية والسبب فيه

- ‌ذكر استيلاء تميم على مدينة تونس

- ‌ذكر استيلاء مالك بن علوى الصخرى على القيروان وأخذها منه، وعودها الى تميم

- ‌ذكر ملك الروم مدينة زويلة وعودهم عنها

- ‌ذكر خلاف مثنى بن تميم على أبيه

- ‌ذكر ملك تميم مدينة قابس

- ‌ذكر وفاة تميم بن المعز

- ‌ذكر ولاية يحيى بن تميم بن المعز بن باديس ابن المنصور يوسف بن زيرى

- ‌ذكر وفاة يحيى بن تميم وشىء من أخباره

- ‌ذكر ولاية على بن يحيى بن تميم بن المعز ابن باديس بن المنصور بن يوسف بن زيرى

- ‌ذكر حصار رافع المهدية وانهزامه

- ‌ذكر ولاية الحسن بن على بن يحيى بن تميم بن المعز ابن باديس بن المنصور بن يوسف بن زيرى

- ‌ذكر استيلاء الفرنج على جزيرة جربة

- ‌ذكر ملك الفرنج مدينة طرابلس

- ‌ذكر استيلاء الفرنج على مدينة المهدية وسفاقس وسوسة

- ‌ذكر انقراض دولة بنى زيرى من افريقية وما اتفق للحسن بن على بعد خروجه من المهدية

- ‌ذكر ما اتفق للحسن بن على بعد خروجه من المهدية

- ‌ذكر ابتداء دولة الملثمين وأخبارهم ومن ملك منهم

- ‌ذكر ولاية أبى بكر بن عمر اللمتونى

- ‌ذكر مقتل الجوهر الجدالى

- ‌ذكر خروج الملثمين الى السوس أولا وثانيا ومقتل عبد الله بن ياسين

- ‌ذكر ولاية يوسف بن تاشفين

- ‌ذكر بناء مدينة مراكش

- ‌ذكر ما قيل فى سبب لثام المرابطين

- ‌نرجع الى أخبار يوسف بن تاشفين

- ‌ذكر استيلائه على مدينة أغرناطة من جزيرة الأندلس

- ‌ذكر ملك أمير المسلمين جزيرة الأندلس

- ‌ذكر حيلة لأمير المسلمين ظهرت ظهورا عجيبا

- ‌ذكر ولاية أمير المسلمين من قبل الخليفة أمير المؤمنين المستظهر بالله

- ‌ذكر ولاية على بن يوسف بن تاشفين

- ‌ذكر محاربة الفرنج خذلهم الله تعالى وانهزامهم

- ‌ذكر الفتنة بقرطبة

- ‌ذكر ولاية تاشفين بن على بن يوسف بن تاشفين

- ‌[اسحاق بن على]

- ‌ذكر ابتداء دولة الموحدين وأخبارهم وسبب ظهورهم

- ‌ذكر أخبار المهدى محمد بن تومرت

- ‌ذكر خبر أبى عبد الله الونشريسى

- ‌ذكر ترتيب أصحاب المهدى

- ‌ذكر حصار مراكش ووقعة البحيرة ومقتل أبى عبد الله الونشريسى

- ‌ذكر وفاة المهدى محمد بن تومرت

- ‌ذكر ولاية عبد المؤمن بن على

- ‌ذكر استيلاء عبد المؤمن على تلمسان وفاس ومكناسة وسلا وسبتة

- ‌ذكر ملك عبد المؤمن مراكش وقتله اسحاق بن على وانقراض دولة الملثمين

- ‌ذكر ظفره بدكالة

- ‌ذكر حصار الفرنج مدينة قرطبة ورجوعهم عنها

- ‌ذكر ملكه مدينة بجاية وملك بنى حماد وانقراض دولتهم

- ‌ذكر ظفره بصنهاجة وملكه قلعة حماد

- ‌ذكر الحرب بين عبد المؤمن والعرب وظفر عساكر عبد المؤمن بهم

- ‌ذكر البيعة لمحمد بن عبد المؤمن بولاية العهد بعد أبيه

- ‌ذكر استعمال عبد المؤمن أولاده على البلاد وأعماله

- ‌ذكر ملكه مدينة المرية من الفرنج وأغر ناطة من الملثمين

- ‌ذكر ملك عبد المؤمن مدينة المهدية من الفرنج وجميع بلاد افريقية

- ‌ذكر ايقاع عبد المؤمن بالعرب

- ‌ذكر وفاة عبد المؤمن بن على وشىء من أخباره

- ‌ذكر ولاية أبى يعقوب يوسف بن عبد المؤمن ابن على

- ‌ذكر غزوة الفرنج

- ‌ذكر ملك أبى يعقوب مدينة قفصة

- ‌ذكر وفاة أبى يعقوب يوسف

- ‌ذكر ولاية أبى يوسف يعقوب بن أبى يعقوب يوسف بن عبد المؤمن

- ‌ذكر أخبار الملثمين وما ملكوه من افريقية واستعادة ذلك منهم

- ‌ذكر ملك الفرنج مدينة شلب وعودها الى المسلمين

- ‌ذكر غزوة الفرنج بالأندلس والوقعة الكبرى والثانية وحصر طليطلة

- ‌ذكر ما فعله الملثم بافريقية

- ‌ذكر وفاة أبى يوسف يعقوب

- ‌ذكر ولاية أبى عبد الله محمد بن أبى يوسف يعقوب بن أبى يعقوب يوسف بن عبد المؤمن ابن على الملقب الناصر لدين الله

- ‌ذكر وفاة أبى عبد الله محمد وشىء من أخباره

- ‌ذكر ولاية يوسف بن محمد بن يعقوب ابن يوسف بن عبد المؤمن بن على

- ‌ذكر وفاة يوسف بن محمد

- ‌ذكر ولاية أبى محمد عبد العزيز بن يوسف ابن عبد المؤمن

- ‌جامع أخبار دولة الموحدين

- ‌ذكر تسمية ملوك بنى مرين

- ‌أول من غزا جزيرة صقلية فى الاسلام

- ‌ذكر ولاية محمد بن أبى الحوارى

- ‌ذكر فتح مدينة بلرم

- ‌ذكر وفاة محمد بن عبد الله بن الأغلب وولاية العباس بن الفضل بن يعقوب

- ‌ذكر فتح قصريانة وهى دار مملكة الروم بجزيرة صقلية

- ‌ذكر ولاية أبى سعيد موسى بن أحمد

- ‌ذكر ما فتح من بلاد قلورية

- ‌ذكر فتح قلعة طبرمين

- ‌ذكر وقعة الحفرة على رمطة

- ‌ذكر اخلاء طبرمين ورمطة

- ‌ذكر ولاية أبى القاسم نيابة عن أخيه أحمد واستقلاله

- ‌ذكر ولاية أبى الفتح يوسف الملقب بثقة الدولة

- ‌ذكر وثوب أهل صقلية بالأمير جعفر واخراجه

- ‌ذكر استيلاء الفرنج- خذلهم الله تعالى- على جزيرة صقلية

- ‌ذكر أخبار جزيرة أقريطش

- ‌ذكر تنصر أهل اقريطش

- ‌ذكر ما استولى عليه الفرنج- خذلهم الله تعالى- من البلاد الاسلامية بجزيرة الأندلس بعد أخذ طليطلة

- ‌الباب السابع من القسم الخامس من الفن الخامس فى أخبار من نهض فى طلب الخلافة من الطالبيين فى الدولة الأموية والدولة العباسية فقتل دونها

- ‌ذكر ظهور زيد بن على بن الحسن ومقتله

- ‌ذكر مسير يحيى بن زيد بن على الى خراسان ومقتله

- ‌ذكر ظهور عبد الله بن معاوية بن عبد الله ابن جعفر بن أبى طالب

- ‌ذكر غلبته على فارس وأخذها منه وقتله

- ‌مراجع التحقيق

- ‌فهرس موضوعات الجزء الرابع والعشرون

الفصل: ‌ذكر ولاية أبى العباس محمد بن الأغلب ابن ابراهيم بن الأغلب

وتوفى فى يوم الخميس لسبع «1» بقين من شهر ربيع الآخر سنة ست وعشرين ومائتين. فكانت ولايته سنتين وتسعة أشهر وتسعة أيام «2» . وكان شبيها بجده الأغلب فى الخلق والخلق.

‌ذكر ولاية أبى العباس محمد بن الأغلب ابن ابراهيم بن الأغلب

قال: ولى بعد أبيه، وكان من أجهل الناس، لكنه أعطى فى إمارته ظفرا على من ناوأه. وقلّد أخاه كثيرا من أعماله. وكان قد غلب عليه وتولى أموره ووزارته ابنا على بن حميد، وهما أبو عبد الله وأبو حميد. فساء ذلك أبا جعفر أخاه، وعظم عليه وعلى أصحابه، وحسدوهما على مكانهما من الأمير محمد وكان المقدم عند أبى جعفر أحمد بن الأغلب نصر بن حمزة الجروى. فأخذ أبو جعفر فى التدبير على أخيه الأمير محمد.

وصانع رجالا «3» من مواليه، ومحمد فى غفلة عن ذلك قد اشتغل باللهو واللعب وانهمك على الملاذّ. فلما اجتمع لأحمد من أصحابه ما علم أنه يقوم بهم ركب فى وقت الظهيرة- وقد خلا باب محمد من الرجال- فهجم على أبى عبد الله بن على بن حميد فقتله، وعلا الصياح. فبلغ الخبر محمدا فقصد قبة عمه زيادة

ص: 118

الله. ووقع القتال بين رجال الأمير محمد ورجال أخيه أحمد.

فجعل أصحاب أحمد يقولون لأصحاب محمد: «ما لكم تقاتلون؟

لا طاعة إلا طاعة محمد. إنما قمنا على أولاد على بن حميد الذين قهروكم واستأثروا بمال مولاكم دونكم. وأما نحن ففى الطاعة ما خلعنا منها يدا» . فلما سمعوا ذلك فشلوا عن القتال.

ولما رأى محمد مادهمه- وهو على غير استعداد- جلس فى مجلس العامة. وأذن لأخيه أحمد والذين معه من الرجال بالدخول، فدخلوا عليه. فعاتب أخاه أحمد فقال له:«إن أولاد على بن حميد كادوا الدولة وأرادوا زوال ملكك، فقمت غضبا لك وحذرا على أيامك» . فلم يجد محمد بدا من مداراته والإغضاء عما فعل. فتحالفا أن لا يغدر أحد منهما بصاحبه «1» . واصطلحا على أن يدفع محمد لأخيه أحمد أبا حميد بن على، وكان قد لجأ «2» إليه فى وقت قتل أخيه. فدفعه إليه على أن أحمد لا يقتله ولا يصله بمكروه.

فانصرف إلى منزله.

وعظم قدر أحمد، واشتد سلطانه، وجعل الدواوين إلى نفسه.

وصار الأمر كله له، ولم يبق لمحمد من الإمارة إلا مجرد الاسم وعزل أحمد حجاب محمد، وجعل على بابه حجابا من قبله.

ووكل خمسمائة من عبيده ومواليه ببابه. وعذب أبا حميد، وأخذ أمواله. ووجه به مع أبى نصر مولى إبراهيم بن الأغلب، وأمره أن يسير به إلى طرابلس ويبعثه إلى مصر. وأسرّ إليه أنه إذا

ص: 119

صار بقلشانة يقتله. ففعل ذلك وخنقه حتى مات. وحمله على نعش إلى قلشانة. وأحضر من شهد أنه لا أثر فيه ولا جرح وقال:

«إنه سقط عن الدابة فمات» .

قال: ولما صارت الأمور إلى أحمد قدم نصر بن أحمد الجروى واستوزره. وكان داود بن حمزة الرادرى يظن أنه يكون المقدم عليه لأنّه كان المدبر لهذا الأمر. ففسدت نيته وأخذ فى العمل على أحمد ومكاتبة محمد، وكان محمد قد ترك اللهو وأخذ فى الحيلة والتدبير على أخيه أحمد. وكان محمد قد ولى سالم ابن غلبون الزاب. فلما كان من أمر أحمد ما كان، خالف سالم على أحمد، ولم يطعه. وجعل محمد يبعث إلى وجوه قرابته وجنده وعبيده ويسألهم نصرته ويعدهم ويمنّيهم. فكان ممن سعى فى نصرة محمد وأتقن له الأمور وأحسن التدبير أحمد بن سفيان بن سوادة. وكان يقال لأحمد:«إن أخاك يعمل عليك» . فلا يصدق، وعنده أنه قد أتقن التدبير. وكان من حال محمد أنه إذا جاءه رسول من أخيه أحمد يستدعى كأسا كبيرا ويمسكه بيده، ويحضر الرسول فيتوهم أنه يشرب. فإذا انصرف رد الكأس فلا يشربه.

فلما كان فى اليوم الذى عزم محمد فيه على الوثوب على أخيه، بعث إلى أحمد بن سفيان. فجعل يسلك من واعده من العبيد والموالى وغيرهم حتى أدخلهم من أبواب المدينة فى الأكسية. وجعلهم يحملون على رؤوسهم جرار الماء حتى اجتمع منهم قبل الزّوال ثلاثمائة رجل. فصيّرهم أحمد بن سفيان فى داره وأعطاهم السلاح

ص: 120

وكان أحمد إذا قيل له: «إنك تراد ويعمل عليك» . غضب على من يقول ذلك. واشتغل بالشراب كما كان أخوه فى أول أمره. وكان جماعة ممن نصر محمدا واعدوه أن ينزلوا بقصر الماء، والأمارة بينهم أن يسمعوا الطبل ويروا الشمع فى أعلى القبة. وكان أحمد قد دخل الحمام فى ذلك اليوم وأطال اللّبث فيه. وأتاه عثمان بن الربيع بعد الظهر؛ فأخبره أن أخاه يريده تلك الليلة، وأنه أعد رجالا بقصر الماء. فلم يصدق ذلك، ووجه خيلا إلى قصر الماء فلم يجدوا به أحدا. وكان الموعد المغرب، فازداد أحمد تكذيبا للأخبار وقلة الاكتراث بما يراد به.

فلما قربت صلاة المغرب، وجه محمد خادما له إلى جماعة رجال أخيه الذين كان قد جعلهم ببابه، فقال:«يقول لكم الأمير: إنى أحببت برّكم وإكرامكم، فاجتمعوا حتى أبعث إليكم طعاما وشرابا. فاجتمعوا، وبعث إليهم بطعام وشراب، فأكلوا وشربوا حتى إذا ظنّ أن الشراب قد عمل فيهم، أرسل الخادم إليهم وقال: يقول لكم الأمير: إنى قد أحببت أن أحلّى لكم سيوفكم، فمن كان عنده سيف فليأت به» . فجعلوا يتسابقون بسيوفهم طمعا فى ذلك. فلما كان رقت المغرب وغلّقت أبواب القصر، أتاهم عامر بن عمرون «1» القرشى فيمن معه. فوضعوا فيهم السيوف فقتلوهم «2» عن آخرهم.

ثم أمر بالطبل فضرب، والشموع فأوقدت، فأقبل أصحابه

ص: 121

من كل ناحية إلى نصرته. وخرج أحمد بن سفيان بن سوادة فجعل يقتل من علم أنه من ناحية أحمد. وأقام القتال بين أحمد بن سفيان وأصحاب أحمد بن الأغلب بقية ليلتهم كلها. وبعث أحمد ابن سفيان إلى القيروان يستنصر بأهلها. فأقبلوا إليه فى جموع عظيمة وهم ينادون بطاعة محمد. فانهزم أصحاب أحمد بن الأغلب ووضعت السيوف فيهم، وهرب أحمد إلى داره.

وكان فى حبسه خفاجة بن سفيان بن سوادة، فأخرجه وقال له:«الله الله فى دمى وحرمى، فإنها حرمك» . فقال له خفاجة: «حبستنى ظلما منذ سبعة أشهر» . فقال: «ليس هذا وقت العتاب فأغثنى» فقال له خفاجة: «أعطنى فرسا وسلاحا» ففعل فركب خفاجة. وصاح به الناس: «يا خفاجة، يا ابن شيخنا ومن نكرمه ونحفظه، إنما أخرجك هذا الملعون من حبسه الساعة بعد سبعة أشهر، فما هذه النصيحة له؟» فانصرف إلى أحمد فقال له: «أما إنه لا طاقة لك بالقوم، فاستأمن إلى أخيك من قبل أن تهلك» قال: «وكيف لى بذلك؟ فكن أنت رسولى إليه» . فسار إليه واستأمن له.

فأمنه محمد وأتاه.

فأمر محمد بالخلع على أهل القيروان ومن نصره. فخلع عليهم جميع ما كان فى خزائنه «1» ، ورجع إلى ثياب حرمه.

وأمر أهل القيروان بالانصراف. ولما صار أحمد إلى أخيه

ص: 122