الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطَّهُورُ مُتَعَدِّيًا لم يكنْ ذلك جَوابًا للقومِ، حيث سألوه عن التَّعَدِّى، إذ ليس كلُّ طاهرٍ مُطَهِّرًا، وما ذكروه لا يَسْتَقيم؛ لأنَّ العربَ فرَّقتْ بين الفاعِل والفَعُول، فقالت: قاعد لمن وُجِدَ منه القُعود، وقَعُود لمن يتكرَّر منه ذلك، فَينْبَغِى أنْ يُفَرَّق بينهما ها هنا، وليس إلَّا مِن حيثُ التَّعَدِّى واللُّزُومُ.
1 - مسألة؛ قال أبو القاسم، رحمه الله:(وَالطَّهَارَةُ بِالْمَاءِ الطَّاهِرِ الْمُطْلَقِ الَّذِى لَا يُضَافُ إِلَى اسْمِ شَىْءٍ غَيْرِهِ: مِثْلُ مَاءِ الْبَاقِلَّا، وَمَاءِ الْوَرْدِ، وَمَاءِ الحِمَّصِ، ومَاءِ الزَّعْفَرَانِ، وَما أشْبَهَهُ، مِمَّا لَا يُزَايِلُ اسْمُهُ اسْمَ الْمَاءِ في وَقْتٍ)
قوله: "والطهارة" مبتدأٌ خبرُه محذوف، تقديرُه: والطهارةُ مُباحةٌ، أو جائزة، [أو حاصِلَةٌ](1)، ونحو ذلك، والألفُ واللَّام للاسْتِغْراق، فكأنَّه قال: وكلُّ طهارةٍ جائزةٌ بكلِّ ماءٍ طاهِرٍ مُطْلَقٍ، والطاهِرُ: ما ليس بنَجِسٍ. والمُطْلَقُ: ما ليس بمُضَافٍ إلى شيءٍ غيرِه. وهو معنى قوله "لا يُضافُ إلى اسْمِ شيءٍ غيرِه". وإنما ذكَره صِفَةً له وتَبْيينًا، ثم مَثَّلَ الإِضافَة، فقال:"مثلُ ماءِ البَاقِلَّا، وماءِ الورد، وماءِ الحِمَّصِ، وماءِ الزَّعْفَران، وما أشْبَهه".
وقوله: "ممَّا لا يُزايلُ اسمُه اسْمَ الماءِ في وقتٍ"، صفةٌ للشئِ الذي يُضافُ إليه الماءُ، ومعناه: لا يفارِقُ اسمُه اسْمَ الماء. والْمُزَايَلَةُ: المُفارَقة؛ قال اللهُ تعالى: {لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ} (2)، وقال أبو طالِبٍ (3):
= باب ما جاء في البحر أنه طهور، من أبواب الطهارة. عارضة الأحوذى 1/ 88. والنسائي، في: باب ماء البحر، من كتاب الطهارة، وفى: باب الوضوء بماء البحر، من كتاب المياه، وفى باب: ميتة البحر، من كتاب الصيد. المجتبى 1/ 44، 143، 7/ 183. وابن ماجه، في: باب الوضوء بماء البحر، من كتاب الطهارة، وفى: باب الطافى من صيد البحر، من كتاب الصيد. سنن ابن ماجه 1/ 136، 137، 2/ 1081. والدارمى، في: باب الوضوء من باب البحر، من كتاب الصلاة والطهارة، وفى: باب في صيد البحر، من كتاب الصيد. سنن الدارمي 1/ 186، 2/ 91. والإمام مالك، في: باب الطهور للوضوء، من كتاب الطهارة، وفى: باب ما جاء في صيد البحر، من كتاب الصيد. الموطأ 1/ 22، 2/ 495. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 237، 361، 378، 393، 3/ 373، 5/ 365.
(1)
سقط من: م.
(2)
سورة الفتح 25. وتمام الآية في: م.
(3)
عم الرسول صلى الله عليه وسلم من قصيدته التي تعوذ فيها بحرم مكة، وبمكانه منها، وتودد فيها أشراف قومه، وصدر البيت: =
* وقد طَاوَعُوا أَمْرَ الْعَدُوَّ الْمُزَايِلِ *
أي المُفارِق.
أي: لا يُذْكَرُ الماءُ إلَّا مُضافًا إلى المُخالِطِ له في الغالِبِ. ويُفِيدُ هذا الوصفُ الاحْتِرازَ مِن المُضافِ إلى مَكانِه وَمَقَرِّه، كماءِ الهرِ والبئر؛ فإنَّه إذا زال عن مَكانِه زالت النِّسْبةُ في الغالِب، وكذلك ما تَغَيَّرتْ رائحتُه تغيُّرًا يَسِيرًا، فإنَّه لا يُضافُ في الغالِب.
وقال القاضي (4): هذا احْتِرازٌ من المُتَغَيِّرِ بالتُّراب؛ لأنَّه يَصْفُو عنه، ويُزايِلُ اسْمُه اسْمَه (5).
وقد دلت هذه المسألةُ على أحكام:
منها؛ إباحةُ الطَّهارةِ بكلِّ ماءٍ مَوْصوفٍ بهذه الصفة التي ذكَرها، علَى أىِّ صفَةٍ كان من أصْلِ الخِلْقَةِ، من الحرارة والبُرودة، والعُذُوبة والمُلُوحة، نَزَل من السماءِ، أو نَبَع من الأرض، في بحر أو نهر أو بئر أو غَدِير، أو غير ذلك، وقد دَلَّ على ذلك قولُ اللَّه تعالى:{وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} (6)، وقولهُ سبحانه:{وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} (7)، وقولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:"الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَىْءٌ"(8)، وقولُه في البحر:"هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الحِلُّ مَيْتَتُهُ".
وهذا قولُ عامَّةِ أهلِ العِلْم، إلَّا أنه حُكِىَ عن عبد اللَّه بن عمر، وعبد اللَّه بن
= * وقد صارَحُونا بالعَداوَةِ والأذَى *
السيرة النبوية، لابن هشام 1/ 272.
(4)
يعني أبا يعلى ابن الفراء. وتقدم في صفحة 6.
(5)
سقط من: م.
(6)
سورة الأنفال 11.
(7)
سورة الفرقان 48.
(8)
أخرجه أبو داود، في: باب ما جاء في بئر بضاعة، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 16. والترمذي، في: باب ما جاء أن الماء لا ينجسه شيء، من أبواب الطهارة. عارضة الأحوذى 1/ 83. والنسائي، في: الباب الأول، وباب ذكر بئر بضاعة، من كتاب المياه. المجتبى 1/ 141، 142. وابن ماجه، في: باب الحياض، من كتاب الطهارة، سنن ابن ماجه 1/ 173، 174. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 234، 308، 3/ 16، 31، 86، 6/ 172، 330.
عمرو، رضى اللَّه عنهما، أنهما قالا في البحر: التَّيَمُّمُ أعْجَبُ إلينا منه. وقال عبد اللَّه بن عمرو: [هو نارٌ](9). وحَكاهُ الْمَاوَرْدِىُّ (10) عن سَعِيد بن المُسَيِّب (11).
والأوَّلُ أوْلَى، لِقَوْلِ اللهِ تعالى:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} (12)، وماء البحرِ ماءٌ، لا يجوزُ العُدُولُ إلى التَّيَمِّمِ مع وُجودِه، ورُوِىَ عن أبِى هريرة، قال: سألَ رجلٌ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رَسولَ اللهِ، إنَّا نَركَبُ البحرَ، ونحمِلُ معنا القليلَ مِن الماء، فإن تَوَضَّأْنا به عَطِشْنَا، أفَنَتَوَضَّأُ بماءِ البحر؟ فقال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم:"هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ" رواه (13) أبو داود، والنَّسائىُّ والتِّرْمِذِىُّ، وقال: هذا حديثٌ حسَنٌ صحيح. ورُوِىَ عن عمر، رضىَ اللَّه عنه، أنه قال:"مَنْ لم يُطَهِّرْه ماءُ البحرِ فلا طَهَّرَهُ اللهُ"، ولأنَّه ماءٌ باقٍ عَلَى أصلِ خِلْقَتِهِ، فجاز الوضوءُ به كالعَذْبِ.
وقولهم: "هو نَارٌ" إن أُرِيد به أنه نارٌ في الحال فهو خِلافُ الحِسَّ، وإن أُرِيد أنه يَصِيرُ نارًا، لم يمنَعْ ذلك الوضوءَ به في (14) حال كَوْنِه ماءً.
ومنها، أنَّ الطهارةَ مِن النجاسةِ لا تحصُل إلَّا بما يحصُلُ به طَهارةُ الحَدَثِ؛ لِدُخولِه في عُمومِ الطهارةِ، وبهذا قال مالك، والشافعيُّ، ومحمد بن الحسن (15)، وزُفَرُ (16).
(9) في م: "وهو نادر". خطأ، وسيأتي.
(10)
أبو الحسن على بن محمد بن حبيب الماوردى الشافعي، إمام جليل الشأن، وهو صاحب "الحاوي" و"أدب الدنيا والدين" و"الأحكام السلطانية"، توفى سنة خمسين وأربعمائة. طبقات الشافعية الكبرى 5/ 267 - 285.
(11)
أبو محمد سعيد بن المسيب بن حزن المخزومى المدنى الفقيه، أحد الأعلام، توفى سنة أربع وتسعين. طبقات الفقهاء، للشيرازي 57، 58، العبر 1/ 110.
(12)
سورة المائدة 6.
(13)
في م: "أخرجه". وسبق.
(14)
سقط من: م.
(15)
أبو عبد اللَّه محمد بن الحسن بن فرقد الشيبانى، صاحب الإمام أبى حنيفة، وناشر علمه، صاحب المؤلفات الفائقة، توفى سنة سبع وثمانين ومائة. الجواهر المضية 3/ 122 - 127.
(16)
أبو الهذيل زفر بن الهذيل بن قيس العنبرى البصري، صاحب الإمام أبى حنيفة، وكان حافظا، ثقة، توفى سنة ثمان وخمسين ومائة. الجواهر المضية 2/ 207 - 209.
وقال أبو حنيفة: يجُوز إزالةُ النجاسةِ بكل مائِعٍ طاهرٍ مُزِيلٍ للعَيْن والأثَرِ، كالخَلِّ، وماء الوَرْدِ، ونحوِهما. ورُوِى عن أحمد ما يَدُلُّ علَى مِثْلِ ذلك، لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال:"إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ في إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا (17) ". أطْلَقَ الغَسْلَ، فتَقْيِيدُه بالماءِ يحْتاجُ إلى دليل، ولأنَّه مائِعٌ طاهِرٌ مُزِيلٌ، فجازت إزالَةُ النجاسةِ به، كالماء، فأمَّا مالا يُزِيلُ كالمَرَقِ واللَّبَنِ فلا خلافِ في أن النجاسةَ لا تُزالُ به.
ولَنَا ما رُوِىَ أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال لأَسْماءَ بنتِ أبى بكر (18): "إذَا أَصَابَ ثَوْبَ إِحْدَاكُنَّ الدَّمُ مِنَ الْحَيْضَةِ فَلْتَقْرِضْهُ، ثُمَّ لِتَنْضَحْهُ بمَاءٍ، ثُمَّ لِتُصَلِّ فِيهِ". أخْرَجه البُخارِىّ (19)، وعن أَنَسٍ رضى اللَّه عنه، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، أمَرَ بذَنُوبٍ مِن ماءٍ
(17) أخرجه البخاري، في: باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان إلخ، من كتاب الوضوء. صحيح البخاري 1/ 54. ومسلم في: باب حكم ولوغ الكلب، من كتاب الطهارة. صحيح مسلم 1/ 234، 235. وأبو داود، في: باب الوضوء بسؤر الكلب، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 17، 18. والترمذي، في: باب ما جاء في سؤر الكلب، من أبواب الطهارة. عارضة الأحوذى 1/ 133. والنسائي، في: باب سؤر الكلب، وفى: باب الأمر بإراقة ما في الإناء إذا ولغ الكلب فيه، وفى: باب تعفير الإِناء الذي ولغ فيه الكلب بالتراب، من كتاب الطهارة، وفى: باب سؤر الكلب، وفى: باب تعفير الإِناء بالتراب من ولوغ الكلب فيه، من كتاب المياه. المجتبى 1/ 46، 47، 144، 145. وابن ماجه، في: باب غسل الإِناء من ولوغ الكلب، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه 1/ 130. والدارمى، في: باب في ولوغ الكلب، من كتاب الصلاة والطهارة. سنن الدارمي 1/ 188. والإمام مالك، في: باب جامع الوضوء، من كتاب الطهارة. الموطأ 1/ 34. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 245، 253، 265، 271، 314، 360، 398، 424، 427، 460، 480، 482، 508، 4/ 86، 5/ 56.
(18)
إنما قال الرسول صلى الله عليه وسلم هذا القول لامرأة جاءت تسأله، وروت هذا أسماء بنت أبى بكر رضى اللَّه عنهما.
(19)
في: باب غسل الدم، من كتاب الوضوء، وفى: باب غسل دم الحيض، من كتاب الحيض. صحيح البخاري 1/ 66، 84. وأخرجه أيضًا مسلم، في: باب نجاسة الدم وكيفية غسله، من كتاب الطهارة. صحيح مسلم 1/ 140. وأبو داود، في: باب المرأة تغسل ثوبها الذي تلبسه في حيضها، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 87. والترمذي، في: باب ما جاء في غسل دم الحيض من الثوب، من كتاب الطهارة. عارضة الأحوذى 1/ 219. والنسائي، في: باب دم الحيض يصيب الثوب، من كتاب الطهارة. وفى: باب دم الحيض يصيب الثوب، من كتاب الحيض. المجتبى 1/ 126، 127، 160، 161. وابن ماجه، في: باب ما جاء في دم الحيض يصيب الثوب، من كتاب الطهارة. 1/ 206. والدارمى، في: باب في دم الحيض يصيب الثوب، من كتاب الصلاة والطهارة. سنن الدارمي 1/ 197. والإمام مالك، في: باب جامع الحيضة، من كتاب الطهارة. الموطأ 1/ 60، 61. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 345، 346، 353. وهكذا جاء "فلتقرضه" عند أبي داود، والإمام أحمد، وورد:"فلتقْرُصْه" و"ثم اقْرُصيه". و"ثم تقرصُه" في بقية المواضع.
فأُهْرِيقَ علَى بَوْلِ الأَعْرابِىّ. مُتَّفَقٌ عليه (20)، وهذا أمرٌ يَقْتَضِى الوُجوبَ؛ ولأنَّها طَهَارةٌ تُرَادُ للصَّلاةِ، فلا تحصُل بغيرِ الماءِ، كطَهارةِ الحَدَثِ، ومُطْلَقُ حَديثِهم مُقَيَّدٌ بحَدِيثِنا، والماءُ يَختَصُّ بتَحْصِيلِ إحْدَى الطَّهارَتيْن، فكذلك الأُخْرَى.
ومنها، اخْتصاصُ حصُولِ الطهارةِ بالماء، لتَخْصِيصِه إيَّاهُ بالذِّكْرِ، فلا يحصُل بمائعٍ سوَاه، وبهذا قال مالك، والشافعيُّ، وأبو عُبَيْد، وأبو يوسف (21).
ورُوِىَ عن علىٍّ، رضىَ اللهُ عنه - وليس بثَابتٍ عنه - أنه كان لا يَرَى بأْسًا بالوُضوءِ بالنَّبِيذِ، وبه قال الحسنُ (22)، والأَوْزاعِىُّ. (23)
وقال عِكْرِمَةُ (24): النَّبِيذُ وَضوءُ مَن لم يَجِدِ الماء.
وقال إسحاق (25): النَّبِيذُ حُلْوًا أحَبُّ إلىَّ مِن التَّيَمُّم، وجَمْعُهما أحَبُّ إلىَّ.
وعن أبي حنيفة كقَوْلِ عِكْرِمَة. وقيل عنه: يجوزُ الوضوءُ بنَبِيذِ التَّمْرِ، إذا طُبِخَ
(20) أخرجه البخاري، في: باب يهريق الماء على البول، من كتاب الوضوء، وفى: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: يسروا ولا تعسروا، من كتاب الأدب. صحيح البخاري 1/ 65، 8/ 37. ومسلم، في: باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات إذا حصلت في المسجد، من كتاب الطهارة. صحيح مسلم 1/ 236، 237. كما أخرجه أبو داود، في: باب الأرض يصيبها البول، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 90، 91. والترمذي، في: باب ما جاء في البول يصيب الأرض، من أبواب الطهارة. عارضة الأحوذى 1/ 243، 244. والإمام مالك، في: باب ما جاء في البول قائمًا وغيره، من كتاب الطهارة. الموطأ 1/ 64، 65. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 239، 282، 3/ 110 - 111، 167.
(21)
أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري صاحب الإمام أبى حنيفة، كان إليه تولية القضاة في الآفاق من الشرق إلى الغرب في زمانه، وتوفى ببغداد سنة اثنتين وثمانين ومائة. الجواهر المضية 3/ 611 - 613.
(22)
أبو سعيد الحسن بن يسار البصري، العالم العابد الناسك، توفى سنة عشر ومائة. سير أعلام النبلاء 4/ 563 - 588.
(23)
أبو عمرو عبد الرحمن بن عمر بن يحمد الأوزاعي، إمام الشاميين وفقيههم، وأحد الزهاد والكتاب المترسلين، توفى سنة سبع وخمسين ومائة. وفيات الأعيان 3/ 127، 128، العبر 1/ 227.
(24)
هو عكرمة مولى ابن عباس، وأصله من بربر، روى أن ابن عباس قال له: انطلق فأفت الناس. توفى سنة سبع ومائة. طبقات الفقهاء، للشيرازي 70.
(25)
أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم من مخلد التميمي المروزي، ابن راهويه، اجتمع له الحديث والفقه والحفظ والصدق والورع والزهد، وتوفى سنة ثمان وثلاثين ومائتين. طبقات الحنابلة 1/ 109، سير أعلام النبلاء 11/ 358 - 383.
واشْتَدَّ، عند عَدَمِ الماء في السَّفَرِ؛ لما رَوَى ابنُ مسعود، أنَّه كان مع رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم ليلةَ الجِنِّ، فأراد أنْ يُصَلِّىَ صلاةَ الفجر، فقال:"أَمَعَكَ وَضُوءٌ؟ " فقال: لا، مَعِى إدَاوةٌ فيها نَبِيذٌ. فقال:"تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ (26) ".
ولنا قولُ اللهِ تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} (27). وهذا نَصٌ في الانْتِقَال إلى التُّراب عند عَدَمِ الماء، وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"الصَّعِيدُ (28) الطَّيِّبُ وَضُوءُ المُسْلِم وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ". رواه أبو داود. (29) ولأنَّه لا يجوز الوُضوءُ به في الحَضَرِ، أو عند (30) وُجودِ الماء، فأشْبَهَ الخَلَّ والمَرَقَ، وحَدِيثُهم لا يثْبُتُ، ورَاوِيهِ أبو زيد مَجْهُولٌ عندَ أهلِ الحديث، لا يُعْرَفُ له غيرُ هذا الحديث، ولا يُعْرَفُ بصُحْبةِ عبد اللَّه. قاله التِّرْمِذِىُّ (31) وابنُ الْمُنْذِر (32)، وقد رُوِىَ عن ابن مسعود، أنَّه سُئِلَ: هل كنتَ مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ليلةَ الجِنِّ؟ فقال: ما كان معه مِنَّا أحَدٌ. رَوَاه أبو داود (33). وروَى مُسْلِمٌ بإسْنَادِهِ، عن ابن مسعود، قال: لم أكُنْ معَ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ليلَةَ الجِنِّ، ووَدِدْتُ أنِّى كنتُ معه (34).
(26) أخرجه أبو داود، في: باب الوضوء بالنبيذ، من كتاب الوضوء. سنن أبي داود 1/ 20. والترمذي، في: باب الوضوء من النبيذ، من أبواب الطهارة. عارضة الأحوذى 1/ 127. وابن ماجه، في: باب الوضوء بالنبيذ، من كتاب الوضوء. سنن ابن ماجه 1/ 135، 136. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 398، 402، 449، 450، 457، 458.
(27)
سورة المائدة 6.
(28)
في الأصل: "التراب الصعيد".
(29)
في: باب الجنب يتيمم، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 80. وكذلك أخرجه النسائي، في: باب الصلوات بتيمم واحد، من كتاب الطهارة 1/ 139.
(30)
في م: "مع".
(31)
في: باب الوضوء من النبيذ، من أبواب الطهارة. عارضة الأحوذى 1/ 128.
(32)
أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابورى الشافعي، نزيل مكة، وأحد أعلام هذه الأمة، توفى سنة تسع أو عشرة وثلاثمائة، كذا قال أبو إسحاق الشيرازي، وذكر الذهبي أن محمد بن يحيى بن عمار لقيه سنة ست عشرة وثلاثمائة.
طبقات الشافعية الكبرى 3/ 102 - 108.
(33)
في: باب الوضوء بالنبيذ، من كتاب الوضوء. سنن أبي داود 1/ 20. وكذلك أخرجه الترمذي، في: تفسير سورة الأحقاف، من أبواب التفسير. عارضة الأحوذى 12/ 141.
(34)
أخرجه مسلم، في: باب الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجن، من كتاب الصلاة. صحيح مسلم 1/ 332، 333.
فصل: فأمَّا غيرُ النَّبِيذِ من المائِعَات، [غيرِ الماء](35)، كالخَلِّ، والمَرَقِ، واللَّبَنِ، فلا خلافَ بين أهلِ العِلْم، فيما نعلم، أنه لا يجوز بها وُضوءٌ ولا غُسْلٌ، لأنَّ اللهَ تعالى أثْبَتَ الطُّهُورِيَّةَ للمَاءِ بقولِه تعالى:{وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} (36)، وهذا لا يقَعُ عليه اسْمُ الماءِ.
ومنها، أنَّ المُضافَ لا تحصُل به الطَّهَارةُ، وهو على ثلاثةِ أضْرُب:
أحدها؛ ما لا تَحصُل به الطَّهارةُ رِوَايةً واحدة، وهو ثلاثة (37) أنواع:
أحدها، ما اعْتُصِر من الطَّاهِرات، كماء الورد، وماء القَرَنْفُلِ، وما يَنِزُّ (38) من عُروقِ الشَّجَرِ إذا قُطِعَتْ رَطْبةً.
الثاني، ما خالطَه طاهِرٌ فَغَيَّرَ اسْمَه، وغلَب علَى أجْزائِه، حتى صار صِبْغًا، أو حِبْرًا، أو خَلًّا، أو مَرَقًا، ونحو ذلك.
الثالث، ما طُبِخَ فيه طاهِرٌ فَتَغَيَّر به، كماء الباقِلَّا المَغْلِىّ.
فجميعُ هذه الأنواع لا يجوزُ الوُضُوءُ بها، ولا الغُسْل، لا نَعْلَم فيه خلافًا، إلَّا ما حُكِىَ عن ابن أبى لَيْلَى (39) والأَصَمِّ (40)، في الْمِيَاهِ الْمُعْتَصَرةِ، أنها طَهُورٌ يَرْتَفِع بها الْحَدَثُ، ويُزالُ بها النَّجَسُ.
ولأَصْحابِ الشَّافِعِيِّ وَجْهٌ في ماء الباقِلَّا المَغْلِىّ، وسائِرُ مَنْ بلَغنا قولُه مِن أهلِ العلم على خِلافِهم.
قال [أبو بكر](41) بن المُنْذِر: أجْمَعَ كلُّ مَن نحْفَظُ قولَه مِن أهلِ العلم أن
(35) سقط من: الأصل.
(36)
سورة الأنفال 11.
(37)
في م: "على ثلاث".
(38)
في م: "ينزل" تحريف.
(39)
أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الرحمن بن أبى ليلى الأنصاري الكوفى، مفتى الكوفة وقاضيها، توفى سنة ثمان وأربعين ومائة. سير أعلام النبلاء 6/ 310 - 316.
(40)
أبو العباس محمد بن يعقوب بن يوسف الأصم النيسابورى، المحدث، مسند العصر، المتوفى سنة ست وأربعين وثلاثمائة. سير أعلام النبلاء 15/ 452 - 460.
(41)
سقط من: الأصل.
الوُضوءَ غيرُ جائزٍ بماء الورد، وماء الشَّجَر، وماء العُصْفُرِ، ولا تجوزُ الطهارةُ إلَّا بماءٍ مُطْلَقٍ، يَقعُ عليه اسْمُ الماء، ولأنَّ الطهارَةَ إنَّما تجوزُ بالماء، وهذا لا يَقَعُ عليه اسْمُ الماءِ بإطْلاقِه.
الضرب الثاني؛ ما خالَطَهُ طاهرٌ يُمْكِن التَحَرُّزُ منه، فغَيَّر إحْدَى صِفَاتِه، طَعْمِه، أوْ لَوْنِهِ، أو رِيحِهِ، كماء الباقِلَّا، وماء الحِمَّصِ، وماء الزَّعْفَران.
واخْتلف أهلُ العِلْم في الوُضوءِ به، واخْتلَفتِ الرِّوايةُ عن إمامِنا، رحمه الله، في ذلك؛ فرُوِىَ عنه: لَا تحصلُ الطَّهارةُ به. وهو قَوْلُ مالك، والشافعىّ، وإسحاق. وقال القاضي أبو يَعْلَى: وهى أصَحُّ، وهى المنْصُورةُ عند أصحابنا في الخلاف.
ونقَل عن أحمد جماعةٌ من أصحابِه، منهم أبو الحارث (42)، والمَيْمُونِىّ (43)، وإسحاق بن منصور (44)، جوازَ الوُضوءِ به. وهذا مذهبُ أبى حنيفة وأصحابِه؛ لأنَّ اللهَ تعالى قال:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} (45)، وهذا عامٌّ في كلِّ ماءٍ، لأنه نَكِرَةٌ في سِيَاقِ النَّفْىِ، والنكرةُ في سِياقِ النَّفْى تَعُمُّ، فلا يجوز التَّيَمُّمُ مع وُجودِهِ، وأيضًا قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في حديث أبى ذَرٍّ:"التُّرَابُ كَافِيكَ مَا لَمْ تَجِدِ الْمَاءَ (46) "، وهذا واجِدٌ للماءِ، ولأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأصحابَه كانوا يُسافِرون، وغالِبُ أسْقِيَتِهم
(42) أبو الحارث أحمد بن محمد الصائغ، روى عن الإمام أحمد مسائل كثيرة، بضعة عشر جزءا، وجوَّد الرواية عنه. طبقات الحنابلة 1/ 74، 75.
(43)
أبو الحسن عبد الملك بن عبد الحميد بن مهران الميمونى الرقى، كان إماما جليل القدر، صحب الإمام أحمد من سنة خمس ومائتين إلى سنة سبع وعشرين، وعنده عنه مسائل في ستة عشر جزءا، وتوفى سنة ثلاث وسبعين ومائتين. طبقات الحنابلة 1/ 212 - 216، العبر 2/ 53.
(44)
أبو يعقوب إسحاق بن منصور بن بهرام الكوسج المروزي، العالم الفقيه، وهو الذي دوَّن عن الإمام أحمد المسائل في الفقه، وتوفى سنة إحدى وخمسين ومائتين، بنيسابور. طبقات الحنابلة 1/ 113 - 115، العبر 2/ 1.
(45)
سورة المائدة 6.
(46)
حديث أبى ذر أخرجه السيوطي في الجامع الكبير 2/ 641 بلفظ قريب مما هنا في قصة طويلة، عن عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وفيه:"الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ كَافٍ ما لَمْ تَجِدِ الْمَاءَ".
الأَدَمُ (47)، والغالبُ أنَّها تُغيِّرُ الماءَ، فلم يُنْقَلْ عنهم تَيَمُّمٌ مع وُجودِ شيءٍ من تلك الْمِيَاه، ولأنَّه طَهُورٌ خالَطَه طاهِرٌ لم يَسْلُبْه اسْمَ الماء، ولا رِقَّتَه، ولا جَرَيانَه، فأشْبَهَ الْمُتَغَيِّرَ بالدّهْنِ.
ووَجْهُ الأولَى: أنه ماءٌ تغيَّر بمُخالَطة ما ليس بطَهُورٍ يُمْكِنُ الاحْتِرازُ منه، فلم يَجُزِ الوُضوءُ به، كماء الباقِلَّا الْمَغْلِىّ، ولأنه زال عن إطْلاقِه، فأشْبَه الْمَغْلِىَّ.
إذا ثبَت هذا فإنَّ أصحابَنا لم يُفَرِّقُوا بين الْمَذْرُورِ في الماءِ ممَّا يُخْلَط بالماء كالزَّعْفَران والعُصْفُر والأُشْنَان ونحوه، وبين الحُبُوب من الباقِلَّا والحِمَّص، والثَّمر كالتَّمْرِ والزَّبِيب والوَرَقِ وأشْباهِ ذلك.
وقال أصحابُ الشافعىِّ: ما كان مَذْرُورًا مُنِع إذا غيَّر الماءَ، وما عَداهُ لا يُمْنَع إلَّا أن يَنْحَلَّ في الماء، وإن غَيَّره مِن غيرِ انْحلالٍ لم يُسْلَبْ طَهُورِيَّتَه؛ لأنَّه تغيّر مُجاورة، أشْبَهَ تَغْيِيرَ الكافُور.
ووافَقَهم أصحابُنا في الخَشَب والعِيدَان، وخالَفُوهم في سائر ما ذكرْنا؛ لأن تَغَيُّرَ الماءِ به إنَّما كان لِانْفِصَالِ أجْزاءَ منه في (48) الماءِ وانْحِلَالِها فيه، فوجَب أن يُمْنَع كما لو طُبِخ فيه، ولأنَّه ماءٌ تغيَّر بمُخالَطة طاهرٍ يُمْكِنُ صَوْنُه عنه، أشْبَهَ ما لو أُغْلِىَ فيه.
الضرب الثالث من المُضاف؛ ما يجوز الوُضوءُ به رِوَايةً واحدة، وهو أربعة أنواع:
أحدها ما أُضِيفَ إلى مَحَلِّهِ ومَقَرِّهِ، كماء النهر والبئر وأَشْباهِهما؛ فهذا لا ينْفَكُّ منه ماءٌ وهى إضافةٌ إلى غيرِ مُخالِط. وهذا لا خلافَ فيه بين أهلِ العلم.
الثانى ما لا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ منه، كالطَّحْلُب والخَزِّ وسائرِ ما ينْبُت في الماء، وكذلك وَرَق الشَّجَر الذي يسقُط في الماء، أو تحمله الرِّيحُ فتُلْقِيه فيه، وما تجْذِبُه السُّيولُ من العِيدَان والتِّبْن ونحوه، فتُلْقِيه في الماء، وما هو في قَرارِ الماء كالكِبْرِيت
(47) بفتحتين وبضمتين.
(48)
في م: "إلى".