الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الآنية
10 - مسألة، قال أبو القاسم، رحمه الله:(وَكُلُّ جِلْدِ مَيْتَةٍ دُبِغَ أوْ لَمْ يُدْبَغْ فَهُوَ نَجِسٌ)
لا يختلفُ المذهبُ في نَجاسةِ جلدِ (1) الميْتةِ قبلَ الدَّبْغِ، ولا نعلمُ أحدًا خالفَ فيه، وأمَّا بعدَ الدَّبْغِ فالمشهورُ في المذهبِ أنه نَجِسٌ يضا، وهو إحْدَى الرِّوايتَين عن مالك، ويُرْوَى ذلك عن عمرَ وابنهِ عبدِ اللَّه بن عمر، رَضِىَ اللَّه عنهما، وعِمْران بن حُصَيْن، وعائشة، رَضِىَ اللَّه عنهم.
وعن أحمد رِوايةٌ أخرى: أنه يطْهُر منها جِلْدُ ما كان طاهِرًا في حالِ الحياة. ورُوِىَ نحوُ هذا عن عَطاء، والحسن، والشَّعْبِىِّ، والنَّخَعِىِّ، وقَتادة (2) ويحيى الأنصارِىِّ، وسعيد بن جُبَيْر، والأَوْزاعِىِّ، واللَّيْثِ، والثَّوْرِىّ، وابن المُبارَك، وإسحاق، ورُوِىَ ذلك عن عمر، وابنِ عباس، وابنِ مسعود، وعائشة، رَضِىَ اللَّه عنهم، مع اخْتِلَافِهم فيما هو طاهِرٌ في الحياة، وهو مذهبُ الشافعىِّ، وهو يَرَى طهارةَ الحيوانات كلِّها، إلَّا الكلبَ والخنزيرَ، فيطْهُر عنده كلُّ جِلْدٍ إلَّا جِلْدُهما. وله في جِلْدِ الآدَمِىِّ وَجْهان.
وقال أبو حنيفة: يطْهُر كلُّ جِلْدٍ بالدَّبْغِ، إلَّا جِلْدَ الخِنْزيرِ.
وحُكِىَ عن أبي يوسف: أنه يطْهُرُ كلُّ جِلْدٍ. وهو روايةٌ عن مالك، ومذهبُ مَن حَكَم بطهارة الحيواناتِ كُلِّها؛ لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"إذَا دُبِغَ الإِهابُ فَقَدْ طَهُرَ". مُتَّفَقٌ عليه (3)، ولأن رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم وجَد شاةً مَيِّتةً أُعْطِيَتْها مَولاةٌ
(1) سقط من: م.
(2)
أبو الخطاب قتادة بن دعامة بن قتادة السدوسى، حافظ العصر، وقدوة المفسرين والمحدثين، توفى سنة سبع عشرة ومائة. سير أعلام النبلاء 5/ 266 - 283.
(3)
بهذا اللفظ رواه مسلم، في: باب طهارة جلود الميتة بالدباغ، من كتاب الحيض. صحيح مسلم 1/ 277. وأبو داود، في: باب في أهب الميتة، من كتاب اللباس. سنن أبي داود 2/ 386 =
لمَيْمونةَ مِن الصَّدقِة. فقال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "هَلَّا انْتَفَعْتُمْ بِجِلْدِهَا؟ " قالوا: إنَّها مَيْتةٌ. قال: "إنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا". وفى لفظٍ: "أَلَا أَخَذُوا إِهَابَهَا فَدَبَغُوهُ فَانْتَفَعُوا بِه". مُتَّفَقٌ عليه (4)، ولأنه إنَّما نَجُسَ باتِّصالِ الدماءِ والرُّطوباتِ به بالموتِ، والدَّبْغُ يُزِيلُ ذلك، فيرْتَدُّ الجِلْدُ إلى ما كان عليه في حالِ الحياةِ.
ولنا ما روَى عبدُ اللَّه بن عُكَيمْ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كتَبَ إلى جُهَيْنةَ:"إِنِّى كُنْتُ رَخَّصْتُ لَكُمْ في جُلُودِ الْمَيْتةِ، فَإذَا أَتَاكُمْ (5) كِتَابِى هذَا فَلَا تَنْتَفِعُوا مِنَ الْمَيْتةِ بإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ". روَاه أبو داود، في "سُنَنِه"(6)، والإِمَام أحمد، في
= والإمام مالك، في: باب ما جاء في جلود الميتة، من كتاب الصيد. الموطأ 2/ 498.
وبلفظ: "أيما إهاب دبغ فقد طهر". رواه الترمذي، في: باب ما جاء في جلود الميتة إذا دبغت، من أبواب اللباس. عارضة الأحوذى 7/ 232، 233. والنسائي، في: باب جلود الميتة، من كتاب الفرع والعتيرة. المجتبى 7/ 153. والدارمي، في باب الاستمتاع بجلود الميتة، من كتاب الأضاحى. سنن الدارمي 2/ 85. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 219، 270، 343.
وفى طهارة جلود الميتة بالدباغ أحاديث كثيرة فيما تقدم من كتب السنة، وفى غير هذه الكتب. وانظر: مسند الإمام أحمد 1/ 227، 237، 262، 279، 280، 314، 327، 328، 365، 366، 372، 3/ 476، 5/ 6، 6/ 73، 104، 148، 153.
(4)
أخرجه البخاري، في: باب الصدقة على موالى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، من كتاب الزكاة، وفى: باب جلود الميتة قبل أن تدبغ، من كتاب البيوع ، وفى: باب جلود الميتة، من كتاب الذبائح. صحيح البخاري 2/ 158، 3/ 107، 7/ 124. ومسلم، في: باب طهارة جلود الميتة بالدباغ، من كتاب الحيض. صحيح مسلم 1/ 276، 277. وأبو داود، في: باب في أهب الميتة، من كتاب اللباس. سنن أبي داود 2/ 386، 387. والترمذي، في: باب ما جاء في جلود الميتة إذا دبغت، من أبواب اللباس. عارضة الأحوذى 7/ 234. والنسائي، في: باب جلود الميتة، من كتاب الفرع والعتيرة. المجتبى 7/ 151، 152. وابن ماجه، في: باب لبس جلود الميتة إذا دبغت، من كتاب اللباس. سنن ابن ماجه 2/ 1193 والدارمى، في: باب الاستمتاع بجلود الميتة، من كتاب الأضاحى. سنن الدارمي 2/ 86. والإمام مالك، في: باب ما جاء في جلود الميتة، من كتاب الصيد. الموطأ 2/ 498. والإمام أحمد، في المسند: 1/ 262، 327، 330، 365، 366، 6/ 329. وانظره أيضًا في: 1/ 227، 277، 327، 372، 6/ 334.
(5)
في أ، م:"جاءكم".
(6)
في: باب من روى أن لا ينتفع بإهاب الميتة، من كتاب اللباس. سنن أبي داود 2/ 387.
وكذلك رواه الترمذي، في: باب ما جاء في جلود الميتة إذا دبغت، من أبواب اللباس. عارضة =
"مُسْنَدِهِ"(7) وقال [الإمام أحمد](8): إسْنادٌ جَيِّدٌ، يَرْوِيه يحيى بن سعيد عن شُعْبة، (9) عن الحَكَم، عن عبد الرحمن بن أبي لَيْلَى، عن عبد اللَّه بن عُكَيْم. وفى لفظٍ: أتانا كتابُ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم قبلَ وفاتِه بشَهْرٍ أو شَهْرَين (10) وهو ناسِخٌ لما قَبْلَه؛ لأنه في آخرِ عُمْرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولفظُه دَالٌّ علَى سَبْقِ التَّرْخِيصِ، وأنه مُتأخِّرٌ عنه، لقوله:"كُنْتُ رَخَّصْتُ لَكُمْ". وإنما يُؤْخَذُ بالآخِرِ فالآخِرِ مِن أمرِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم
فإن قيل: هذا مُرْسَلٌ؛ لأنه مِن كتابٍ لا يُعْرَفُ حامِلهُ. قلنا: كتابُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم كلَفْظِه. ولولا ذلك لم يكْتُب النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى أحدٍ، وقد كتَب إلى مُلوكِ الأطْرافِ، وإلى غيرهمْ فَلِزمَتْهم الحُجَّةُ به، وحصَل له البلاغُ، ولو لم يكنْ حُجَّةً لم تَلْزَمْهم الإِجابةُ، ولا حصَل به بلاغٌ، ولَكان لهم عُذْرٌ في تَرْكِ الإِجابةِ؛ لجهلِهم بحامِل الكتابِ وعَدالتهِ، وروَى أبو بكر الشافِعىُّ، بإسْنادِه، عن أبي الزُّبَيْر، عن جابرٍ، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال:"لَا تَنْتَفِعُوا مِنَ الْمَيْتةِ بِشَىْءٍ"(11). وإسْنادُه حَسَنٌ، ولأنه جُزْءٌ من المَيْتَةِ، فكان مُحَرَّمًا، لقولِه تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} (12). فلم يطْهُر بالدَّبْغِ كاللَّحْمِ، ولأنه حُرِّمَ بالموتِ، فكان نَجِسًا كما قَبْلَ الدَّبْغِ.
= الأحوذى 7/ 234، 235. والنسائي، في: باب ما يدبغ به جلود الميتة، من كتاب الفرع والعتيرة. المجتبى 7/ 155. وابن ماجه، في: باب من قال لا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عصب، من كتاب اللباس. سنن ابن ماجه 2/ 1194.
(7)
المسند 4/ 310، 311.
(8)
من: م
(9)
سقط من: أ.
(10)
انظر ما مر في تخريج الحديث السابق.
قال الترمذي: وسمعت أحمد بن الحسن يقول: كان أحمد بن حنبل يذهب إلى هذا الحديث؛ لما ذكر فيه قبل وفاته بشهرين، وكان يقول: هذا آخر أمر النبي صلى الله عليه وسلم. ثم ترك أحمد بن حنبل هذا الحديث لما اضطربوا في إسناده؛ حيث روى بعضهم فقال عن عبد اللَّه بن عكيم عن أشياخ لهم من جهينة. عارضة الأحوذى 7/ 235، 236.
(11)
جمع الجوامع، للسيوطي 1/ 907.
(12)
سورة المائدة 3.