الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غيرُ مُرْتَبِطٍ بالوُضُوءِ، فلم يَتَرَتَّبْ عليه، كغُسْلِ الجَنابةِ (13). والرِّوايةُ الثانية، لا يَجِبُ أكثَرُ مِن الاسْتِنجاءِ والوُضُوءِ. رُوِى ذلك عن ابن عَبَّاس، وهو قَوْلُ أكْثَرِ أهلِ العلمِ، وظاهرُ كلامِ الْخِرَقىِّ؛ لما رَوَى سَهْلُ بن حُنَيْفٍ، قال: كنتُ الْقَى من المَذْىِ شِدَّةً وعَناءً، فكنتُ أُكْثِرُ منه الاغْتِسالَ، فذكرتُ ذلك لرَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال:"إنَّما يُجْزِئُكَ مِنْ ذلكَ الْوُضُوءُ". أخْرجَه أبو داود، والتِّرْمِذِىُّ (14)، وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. ولأنَّه خارجٌ لا يُوجِبُ الاغْتِسالَ. فأشْبَهَ الوَدْىَ، والأمْرُ بالنَّضْحِ وغَسْلِ الذَكَرِ والأُنْثَيَيْنِ محمولٌ علَى الاسْتِحْبابِ؛ لأنَّه يَحْتَمِلُه. وقوله:"إنما يُجزِيكَ مِن ذَلِكَ الوُضُوءُ". صريحٌ في حُصُولِ الإِجْزاءِ بالوُضُوءِ، فيَجِبُ تَقْدِيمُه.
فأما الوَدْىُ، فهو ماءٌ أَبْيضُ ثَخِينٌ، يخرجُ بعدَ البولِ كَدِرًا. فليس فيه وفى بَقيَّةِ الْخَوارِجِ إلَّا الوُضُوءُ. رَوَى الأَثْرَمُ بإسنادِه، عن ابنِ عَبَّاس، قال: المَنِىُّ والوَدْىُ والمَذْىُ، أما المَنِىُّ ففيه الغُسْلُ، وأما المَذْىُ والوَدْىُ ففيهما إسْباغُ الطُّهورِ.
43 - مسألة؛ قال: (وخُرُوجُ البَوْلِ والْغَائِطِ مِنْ غَيْرِ مَخْرَجِهِمَا)
لا تختلفُ الرِّوايةُ أنَّ الغائِطَ والبَوْلَ يَنْتَقِضُ الوُضُوءُ بخُرُوجِهما من السَّبِيلَيْنِ ومن غَيْرِهِما، ويستوِى قَلِيلُهما وكَثِيرُهما، سواءٌ كان السَّبِيلانِ مُنْسَدَّيْن أو مَفْتُوحَيْنِ مِن فوق المَعِدَةِ أو مِن تحتِها. وقال أصحابُ الشافِعىِّ: إن انْسَدَّ المَخْرَجُ، وانفتحَ آخرُ دون المَعِدَةِ، لَزِمَ الوُضُوءُ بالخارجِ منه قولًا واحدًا. وإن انْفَتَحَ فوق المَعِدَة، ففيه قولان: أحَدُهما، ينقُضُ (1) الوُضُوء. والثانى، لا يَنْقُضُه. وإنْ كان المعتادُ باقِيًا، فالمشهورُ أنه لا يَنْتَقِضُ الوُضُوءُ بالخارجِ من غيرِه، وبَنَاهُ عَلَى أصْلِه في أنَّ الخارِجَ من غير السبيلينِ (2) لا يَنْقُضُ. ولنا عُمومُ قولهِ تَعالَى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ
(13) في م: "النجاسة".
(14)
أخرجه أبو داود، في: باب في المذى، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 48. والترمذي، في: باب في المذى يصيب الثوب، من أبواب الطهارة. عارضة الأحوذى 1/ 175، 176.
(1)
في الأصل: "ينتقض".
(2)
في الأصل: "السبيل".
مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} (3)، وقولُ صَفْوانَ بنِ عَسَّالٍ: أمَرَنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا كُنَّا مُسَافِرِين، أو سَفْرًا، أن لا نَنْزِعَ خِفَافَنا ثَلاثةَ أيامٍ ولَيالِيهِنَّ، إلَّا مِنْ جَنابةٍ، لكنْ من غائطٍ وبَوْلٍ ونَوْمٍ. (4) قال التِّرْمِذِىُّ: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وحَقِيقةُ الغائِطِ: المكانُ المُطْمَئِنُّ، سُمِّىَ الخارجُ به لمُجاوَرَتهِ إيَّاه، فإنَّ المُتَبَرِّزَ يتَحَرَّاه لحاجَتِه، كما سُمِّى عَذِرَة، وهى في الحقيقة فنِاءُ الدارِ؛ لأنَّه كان يُطْرحُ بالأَفْنِيَةِ، فسُمِّى بها للمُجَاوَرَةِ. وهذا من الأسْماءِ العُرْفِيَّةِ التي صار المَجَازُ فيها أشْهَرَ من الحقيقةِ، وعندَ الإِطْلَاقِ يُفْهَمُ منه المَجازُ، ويُحْمَلُ عليه الكَلامُ لشُهْرَتِه، ولأنَّ الخارجَ غائِطٌ وبَوْلٌ، فنَقَضَ، كما لو خَرَجَ من السَّبِيلِ.
44 -
مسألة؛ قال: (وزَوَالُ الْعَقْلِ. إلَّا أنْ يَكُونَ [بِنَوْمٍ يَسِيرٍ] (1) جالِسًا أو قائِمًا)
زَوَالُ العَقْلِ علَى ضَرْبَيْن: نَوْمٍ، وغيرِه؛ فأمَّا غيرُ النَّوْمِ، وهو الجُنُونُ والإِغْماءُ والسُّكْرُ وما أشَبَهه من الأدْوِيةِ المُزِيلةِ للعَقْلِ، فيَنْقُضُ الوُضُوءَ يَسِيرُه وكَثِيرهُ إجماعًا، قال ابنُ المُنْذِر: أجمعَ العُلماءُ علَى وُجُوبِ الوُضُوءِ علَى المُغْمَى عليه؛ ولأنَّ هؤلاء حِسُّهُم أبْعَدُ مِن حِسِّ النَّائمِ، بدَلِيلِ أنهم لا يَنْتَبِهُون بالانتِباهِ، ففى إيجابِ الوُضُوءِ علَى النَّائمِ تَنْبِيهٌ عَلَى وُجُوبِه بما هو آكَدُ منه. الضَّرْبُ الثاني النومُ، وهو ناقِضٌ للوُضُوءِ في الجُمْلةِ، في قولِ عَامَّة أهلِ العِلْمِ، إلَّا ما حُكِىَ عن أبِي مُوسَى الأَشْعَرِىِّ، وأبى مِجْلَزٍ (2) وحُمَيْدٍ الأعْرَجِ (3)، أنه لا يَنْقُضُ. وعن سَعِيد بن
(3) سورة المائدة 6.
(4)
أخرجه الترمذي، في: باب المسح على الخفين للمسافر والمقيم، من أبواب الطهارة. عارضة الأحوذى 1/ 142. والنسائي، في: باب التوقيت في المسح على الخفين للمسافر، من كتاب الطهارة. المجتبى 1/ 71. وابن ماجه، في: باب الوضوء من النوم، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه 1/ 161. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 239، 240.
(1)
في الأصل: "النوم اليسير".
(2)
في م: "وأبى مجاز" تحريف. وتقدم قريبا.
(3)
أبو صفوان حميد بن قيس الأعرج المكي القارئ، ثقة صدوق، توفى سنة ثلاثين ومائة. تهذيب التهذيب 3/ 46، 47.